تحليل سياسي مطول.. غاز المتوسط ومعركة الحسم النهائي\ راسم عبيدات
مقالات
تحليل سياسي مطول.. غاز المتوسط ومعركة الحسم النهائي\ راسم عبيدات
راسم عبيدات
15 حزيران 2022 , 10:37 ص


بقلم :- راسم عبيدات


الإدارة الأمريكية التي تريد البقاء ممسكة بتبعية دول اوروبا الغربية لها ،وملحقة لها بسياستها الخارجية،تدرك تماماً اهمية الغاز والطاقة بالنسبة لأوروبا،ولذلك كانت تبحث منذ زمن طويل عن بديل للغاز الروسي ...ومن هنا كانت حرب العشرية السوداء التي شنتها امريكا على سوريا ومعها مروحة واسعة من الحلفاء عرب واقليميين ودوليين، وبالكثير من الأدوات المحلية السورية التي جرى تجنيدها وتوظيفها لهذه الغاية والهدف ..وكذلك جرى استجلاب الكثير من العصابات الإجرامية والإرهابية من كل اصقاع الدنيا،من اجل كسر الدولة السورية وتدميرها ،بعد ان رفضت سوريا تمرير انبوب الغاز القطري من اراضيها نحو اوروبا الغربية ....الحرب العدوانية التي شنت على سوريا وشاركت فيها اكثر من 60 دولة عدا الجماعات الإرهابية المسلحة والتي زادت عن مئة تشكيل وجماعة ،لم تنجح في كسر سوريا وهزيمتها،ولذلك مرور الغاز القطري من سوريا الى اوروبا بات مستحيلاً .... ومن بعد الحرب التي جرت وتجري بين روسيا وامريكا واوروبا الغربية على الأرض الأوكرانية،والتي قالت بأن روسيا على أبواب نصر استراتيجي حاسم،حيث العقوبات القاسية الإقتصادية والمالية والتجارية التي فرضتها امريكا ودول اوروبا الغربية على روسيا،بما فيها منع توريد الغاز الروسي الى دول أوروبا الغربية،هذا الغاز الذي يشكل عصب الطاقة والحياة للعديد من الدول الأوروبية،وفي المقدمة منها المانيا وهنغاريا وبلغاريا..الخ، هذه العقوبات دفعت بروسيا للرد عليها،بأن أوقفت توريد الغاز للدول الأوروبية التي التزمت بالعقوبات على روسيا،واشترطت عليها دفع ثمن الغاز المشري بالروبل الروسي، مما ادى ذلك الى زيادة عائدات روسيا المالية من تصدير الغاز والنفط اللذان ارتفعت اسعارهما بشكل جنوني،وارتفع سعر صرف الروبل بمواجهة الدولار الأمريكي،واوروبا اصبحت من يدفع الثمن الأعلى للعقوبات المفروضة على روسيا، ارتفاع اسعار الطاقة بشكل جنوني غاز وبترول،ارتفاع اسعار المواد الغذائية،بسبب النقص في الحبوب القادمة من اوكرانيا،بطالة وتضخم وافلاس شركات،وبما ينذر بمجاعة عالمية ....أما روسيا المفروضة عليها العقوبات،فقد استطاعت ان تحقق اهدافها من الحرب الدفاعية التي شنتها على اوكرانيا،من أجل حماية امنها القومي والدفاع عن مصالحها ومنع حصارها من قبل امريكا واوروبا الغربية،والوصول الى غرف نوم قادتها،حيث سيطرت على ما مساحته 120 ألف كيلو متر من الأراضي الأوكرانية،بحيث تستطيع الوصول الى شواطىء البحر الأسود بسهولة وايجاد رابط بري بينها وبين الأراضي الأوكرانية،واقتصادها لم ينهار كما كانت تخطط أمريكا لذلك،بل استطاع الإقتصاد الروسي استيعاب العقوبات الأمريكية والأوروبية الغربية.

استمرار الوضع ورفض روسيا تزويد دول اوروبا بالغاز والنفط الروسي، بدون دفع الثمن بالروبل الروسي،وبما يكسر مفاعيل العقوبات المفروضة عليها،وينذر بشتاء قارص سيبيري لدول اوروبا الغربية ،دفع بالإدارة الأمريكية الى ضرورة البحث عن بدائل تمنع التسليم بالهزيمة القاسية التي ستنهي قطبيتها الأحادية على العالم،وستخرج اوروبا الغربية من تحت عباءتها،ناهيك عن الخلافات والصراعات التي ستنشأ بين دول اوروبا ،والذهاب نحو التفكك .

أمريكا بحثت عن البدائل من خلال غاز وبترول حلفائها من المشيخات الخليجية وبالذات السعودية والإمارات،ولكن حتى لو تجاوز بايدن وفريقه، الخلافات مع تلك المشيخات وبالذات السعودية حول ما يعرف بالديمقراطية وحقوق الإنسان وجريمة قتل الخاشقجي ،وعادت العلاقات حميمة بين الفريقين،حيث المصالح فوق كل الخلافات والإنتقادات،فالسعودية، لم تستطع ان تتملص من اتفاقية "اوبك بلس" وأقصى ما استطاعت عمله خدمة للحليف الأمريكي،هو زيادة الإنتاج ب 200 ألف برميل يومياً بدلاً من المليون برميل،وهذه الكمية لا تغطي النقص في الأسواق العالمية الناتجة عن توقف ضخ النفط والغاز الروسيين،ناهيك عن تكلفة النقل العالية والمدة الزمنية للنقل ما لا يقل عن اسبوعين،يجعل هذا البديل غير مجدي،ولذلك لا بديل عن الغاز شرق المتوسطي...والمعركة هنا،هي معركة حاسمة للمحورين امريكا واوروبا الغربية ومعها مروحة من الحلفاء عرب ودولة الكيان ،والمحور الروسي الإيراني ومعه سوريا ولبنان،والمقصود هنا المقاومة اللبنانية.

ولذلك قدوم السفينة الإسرائيليىة " الحفار" للتحرش بلبنان وسوريا،ليس مسألة عبثية،بل هي مسألة جرى التخطيط لها بعناية من قبل دولة الكيان وامريكا،فمن بعد ثلاثة عشر عاماً من المفاوضات غير المباشرة حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الكيان،والتي كان فيها المبعوثين الأمريكان من فردريك هوف وديفيد سترفيلد وديفيد هيل وديفيد شينكر،الى عاموس هوكشتاين،صاحب الجنسية المزدوجة الأمريكية – الإسرائيلية والذي يمثل مصالح البلدين،يستقطعون الوقت لصالح دولة الكيان ولصالح مخططهم ومشروعهم،وبعد أن أصبحت دولة الكيان جاهزة من خلال الحفر الإستكشافي والتنقيب وتجهيز الحقول، تم احضار السفينة " انيرجي بور" المملوكة لرجال اعمال اسرائيليين، الى حقل "كاريش" من اجل القيام بعمليات الإستخراج للنفط والغاز من حقل " كاريش"،ولا يهم حقل متنازع عليه او غير متنازع عليه،بل لا بد من اجبار الدولة اللبنانية على التسليم،وكذلك سوريا وحزب الله ومن خلفهما ايران على حق " اسرائيل" بإستخراج النفط من الشواطىء اللبنانية والمتوسطية ونقله نحو اليونان او تركيا عبر البحر أو بالسفن الى تركيا او اليونان ومن ثم الى أوروبا بالأنابيب.

روسيا أدركت جيداً طبيعة المخطط الأمريكي،ولذلك عملت على تكثيف اللقاءات والمشاورات مع أصدقائها وحلفائها،حيث التقت وفداً من حزب الله في موسكو ،وكذلك زار الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي موسكو والتقى بوتين،ووزير الدفاع الروسي زار سوريا في بداية الأزمة الأوكرانية والتقى الرئيس الأسد،ولافروف وزير الخارجية الروسي زار أكثر من دولة خليجية وبالذات السعودية،وحثها على عدم زيادة إنتاجها من النفط،والإلتزام بإتفاقية "أوبك بلس"....أمريكا و"اسرائيل" تريدان استخراج الغاز من حقل " كاريش" والشواطىء المتوسطية،ومستعدتان لخوض حرب من أجل ذلك،ولذلك جلبتا السفينة الى حقل "كاريش" ...فهذه معركة لا يتوقف عليها فقط مصير المنطقة،بل ومصير العالم...ولذلك شهدنا تحرشاً " اسرائيليا" غير مسبوق وتهديدات وضربات عسكرية ...حيث مناورات " مركبات النار" لمدة شهر والتي شاركت فيها كل القطاعات العسكرية الإسرائيلية جوية وبرية وبحرية ووحدات المسيرات والسيبر على الحدود الشمالية،وفي المدن والبلدات العربية في الشمال الفلسطيني،وكذلك المناورات الجوية الواسعة على الأراضي القبرصية واليونانية" ما وراء الأفق" والتي تحاكي شن حرب على أكثر من جبهة ، والتهديدات التي أطلقها كوخافي رئيس اركان جيش الإحتلال رداً على تصريحات السيد،بأن المقاومة اللبنانية،ستمنع استخراج النفط والغاز من حقل " كاريش" بالقوة " وعلى السفينة ان ترحل فوراً،حيث هدد كوخافي لبنان بدمار غير مسبوق يطال كل شيء،مدني وغير مدني ،وكذلك قصف الإحتلال لمطار دمشق الدولي ،والقيام بعمليات اغتيال بحق قيادات ايرانية،وفي المقدمة منهم حسن صياد حدائي،الضابط في الحرس الثوري الإيراني ..والعمل على بناء منظومة دفاع جوية اقليمية، تحسن من قدرة الرادارات لحلف امريكا الإقليمي،دول التعاون الخليجي ومصر والأردن للتصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية ..والزيارة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي بايدن في تموز القادم للقاء قادة دولة الإحتلال،وقادة دول مجلس التعاون الخليجي وزعماء مصر والأردن والعراق في السعودية،ودفع التطبيع السعودي " الإسرائيلي خطوات الى الإشهار العلني ...كل هذه التطورات و"التحرشات" تقول بأن حلف ومحور القدس،تحمل الكثير فوق طاقته،وبأن معركة الحسم الكبرى قادمة لا محالة،وسيكون فيها حزب الله رأس حربة ، ولكن لا شك ان مصير "اسرائيل" ايضا سيتحدد في هذه المعركة التي ان خسرتها فانها ستخسر وظيفتها ومهمتها التي وجدت لأجلها .. وعندما تنتهي الحاجة لها فان مبرر وجودها ومنطقيته ستتراجعان ..

وانا أقول بشكل جازم كما قال الكاتب الكبير نارام سيرجون"

أنبوب الاختبار المشرقي سينفجر بلاشك .. ولكن انفجاره هذه المرة ليس ككل مرة .. لأن طرفي النزاع سيستميتان في حرب البقاء وصراع البقاء .. فانتصار مشروع الغاز الاسرائيلي سيهزم روسيا ومن بعدها ايران وسورية .. وحرمان اوروبة واميريكا من بديل الغاز الروسي سيجعل الازمة الاقتصادية الاوروبية عميقة للغاية وتهدد حتى استقرار اوروبة وعلاقتها بأميريكا والناتو .. وهذا ما سيدفع محور روسيا كله نحو صعود كبير في العالم على حساب الغرب كله ..

فلسطين – القدس المحتلة

14/6/2022

[email protected]

المصدر: موقع إضاءات الإخباري