قراءة في قصة الخضر عليه السلام\ عدنان علامة.
دراسات و أبحاث
قراءة في قصة الخضر عليه السلام\ عدنان علامة.
عدنان علامه
15 حزيران 2022 , 15:05 م

إخترت لكم اليوم بعيدًا عن الضغوطات الإقتصادية والسياسية والأجواء المتشائمة "قراءة في قصة الخضر عليه السلام" ولم يذكر الكاتب إسمه لأذكره للأمانة الصحفية؛ وهي بلا شك ستصنع أملًا في الآفاق الملبدة كل أنواع الضغوطات.

عدنان علامه


هل توقفت يومًا لتتساءل عن سيدنا الخضر عليه السلام ؟

هل هو نبي أم ولي أم عالم أم ماذا ؟

هل انتابتك الدهشة لهذا الذي جعله الله أكثر علما و حكمة و رحمة من نبي مرسل ؟

أتساءلت يوما لماذا كل هذا الإصرار أن يصل سيدنا موسى عليه السلام لبلوغ المكان الذي سيلاقي فيه سيدنا الخضر عليه السلام ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾

و لماذا سيدنا موسى تحديدا الذي قدر له من بين جميع الأنبياء و الرسل أن يقابل سيدنا الخضر الأكثر علما و رحمة؟

الأكيد أن هذه القصة تحديدا تختلف تماما عن كل القصص. قصة موسى و العبد الصالح لم تكن كغيرها من القصص ، لماذا ؟

لأن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب ، و ليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي ، إنما نحن في هذه القصة أمام علم من طبيعة أخرى غامضة أشد الغموض ..

علم القدر الأعلى علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة ، كما أسدلت على مكان اللقاء و زمانه و حتى الإسم ﴿ عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا ﴾ هذا اللقاء كان استثنائيا لأنه يجيب على أصعب سؤال يدور في النفس البشرية منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها ..

السؤال ...

لماذا خلق الله الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟ لماذا يموت الأطفال؟

كيف يعمل القدر؟

البعض يذهب إلى أن العبد الصالح لم يكن إلا تجسيدًا للقدر_المتكلم لعله يرشدنا ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾ ..

أهم مواصفات القدر المتكلم أنه رحيم عليم أي أن الرحمة سبقت العلم .

فقال النبي البشر ( موسى ) : ﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ﴾

يرد القدر المتكلم ( الخضر ) : ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾

فهم أقدار الله فوق امكانيات العقل البشري ولن تصبر على التناقضات التي تراها.

يرد موسى بكل فضول البشر :

﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً ﴾

هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل القدر؟

يركبا في قارب المساكين فيخرق الخضر القارب .. تخيل المعاناة الرهيبة التي حدثت للمساكين في القارب المثقوب .. معاناة ، ألم ، رعب ، خوف ، تضرع .. جعل موسى البشري يقول ﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ ..

عتاب للقدر كما نفعل نحن تماما .. أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس؟ أفصلتني من عملي كي أصبح فقيرا؟ أزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل ؟ يارب لماذا كل هذه السنوات في السجن ؟ يارب أنستحق هذه المهانة ؟

﴿ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾ ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار ؟ ثم يمضيا بعد تعهد جديد من موسى بالصبر ..

يمضي النبي موسى عليه السلام مع العبد الصالح.. و يقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام .. و يمضي .. فيزداد غضب موسى عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي .. و يعاتب بلهجة أشد ..

﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴾

تحول من إمراً إلى نكراً.

و الكلام صادر عن نبي أوحي إليه.. لكنه بشر مثلنا .. و يعيش نفس حيرتنا .. يؤكد له الخضر مرة أخرى ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾

ثم يمضيا بعد تعهد أخير من موسى كليم الله بأن يصمت و لا يسأل ..

فيذهبان إلى القرية فيبني الخضر الجدار ليحمي كنز اليتامى ..

و هنا ينفجر موسى .. فيجيبه من سخره ربه ليحكي لنا قبل موسى حكمة_القدر .. ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا ً﴾

هنا تتجلى حكمة الله سبحانه وتعالى والتي لن تفهم بعضها حتى يوم القيامة ..

فالشر نسبي .. و مفهومنا كبشر عن الشر قاصر .. لأننا لا نرى الصور الكاملة ..

القدر أنواع ثلاث :-

1-النوع_الأول

شرا تراه فتحسبه شرًا فيكشفه الله لك أنه كان خيرا.

فما بدا شرا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم و هذا ما نراه كثيرا في حياتنا اليومية و عندنا جميعا عشرات الامثلة عليه .

2- النوع_الثاني:-

مثل قتل الغلام .. شرا تراه فتحسبه شرا .. لكنه في الحقيقة نتيجته خيرً لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك .. فتعيش عمرك و أنت تحسبه شرا ..

هل عرفت أم الغلام حقيقة ما حدث؟

هل أخبرها الخضر؟

الجواب لا .. بالتأكيد قلبها انفطر و أمضت الليالي الطويلة حزنا على هذا الغلام الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله و يمضي .. و بالتأكيد .. هي لم تستطع أبدا أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضا عن الأول..

وأن الأول كان سيكون سيئا ﴿ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾ ..

فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم .. ولم تستطع تفسيره أبدا .. و لن تفهم أم الغلام أبدا حقيقة ما حدث إلى يوم القيامة ..

ونحن الذين نمر على المشهد مرور الكرام لأننا نعرف فقط لماذا فعل الخضر ذلك ؟

أما هي فلم ولن تعرف ..

3- النوع_الثالث

هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري لطف الله الخفي ..

الخير الذي يسوقه لك الله و لم تره، و لن تراه، و لن تعلمه ..

فهل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم ؟ لا.. هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه ؟ لا.. هل شاهدوا لطف الله الخفي .. الجواب قطعا لا.. هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟ لا ..

فلنعد سويا إلى كلمة الخضر ( القدر المتكلم ) الأولى : ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾

لن تستطيع أيها الإنسان أن تفهم أقدار الله ..

الصورة أكبر من عقلك ..

استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما .. ثق في ربك فإن قدرك كله خير .. و قُل في نفسك.. أنا لا أفهم أقدار الله .. لكنني متسق مع ذاتي و متصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها .. لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا .. إذا وصلت لهذه المرحلة .. ستصل لأعلى مراحل الإيمان .. الطمأنينة .. و هذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله .. خيراً بدت أم شراً .. و يحمد الله في كل حال ..

حينها فقط .. سينطبق عليك كلام الله ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ حتى يقول .. ﴿ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾

و لاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حساباً ولا عذاباً..

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.

خاطرة جميلة جدا ..ومناسبة لنفوسنا التي نخرها اليأس و أكلها القنوط ..

اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن بك و يرضون بكل قدر كتبته لنا.

وأختتم من عندي وأقول بأن الله سبحانه وتعالى لخص لنا سبيل النجاة في هذه الحياة الفانية في قوله تعالى :- {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق-3)