كتب الأستاذ حليم خاتون: ثلاث مسيرات؛ هل قطعت الشك باليقين
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: ثلاث مسيرات؛ هل قطعت الشك باليقين
حليم خاتون
4 تموز 2022 , 14:22 م


بين التطبيع الخائن الذي تقوده اقلية من كبار الأغنياء والحكام الذين ترتبط مصالحهم بالنظام المالي العالمي؛ وبين التطبيع الضائع في منتصف الطريق بين الحق والباطل الذي تراوح داخله طبقة وسطى يتنازع هواها الارتباط بالوطن من جهة، ومحاولة إقناع النفس بإمكانية التعايش مع هذا النظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه مجموعات من القوى، قد تختلف فيما بينها، لكنها تجمع كلها دون استثناء، على منع انبعاث الروح في هذه الأمة حتى لا ترى نفسها أمام روسيا جديدة، أو أمام حضارة صينية قد لا يصل تعدادها السكاني إلى نصف تعداد الشعوب الصينية، لكنها تضم بالتأكيد عدة مئات من ملايين البشر على عدة ملايين من الكيلومترات المربعة مع ثروات هائلة ظاهرة وكامنة...

بين هؤلاء وأولئك، أقلية صغيرة جدا من الشعب المقاتل؛ فئة قليلة يغلب عليها الفقراء الذين باعوا جماجمهم إلى الله، وعلموا وأيقنوا أن الله لا يمكن أن يكون إلا الحق المطلق، وان الحياة الدنيا ليست ولا يمكن أن تكون إلا وقفة عز وكرامة...

أربعة عقود مرت منذ أن قرر بعض المؤمنين القليلين جدا أن الموقف سلاح، وإن الدم يستطيع الانتصار على السيف إن هم اتبعوا نهج من سبقهم إلى الشهادة قبل ألف وأربعمائة سنة...

تخلد هؤلاء المظلومين في العلى وفي قلوب الناس، بينما اندثر تاريخ من ظلمهم في لعنات لا تنتهي...

"ليسوا اقوى من أميركا، ولسنا أضعف من فيتنام"... هذا كان شعارهم...

بضعة مؤمنين قدموا حياتهم ولا يزالون... في درب لا تنتهي إلا إلى الشهادة أو النصر...

بضعة مقاومين اتخذوا من قلعة الشقيف أو مثلث خلدة أو زواريب الفقراء في الجنوب والبقاع والضاحية منطلقا لمقاومة بدأت بعمليات فردية شبه معزولة، لكن ما لبثت أن حولت اجتياح ال ٨٢ إلى فرصة لإعادة انطلاق مقاومة كان النظام الرسمي العربي، وانتهازية الطبقات الوسطى قد أفسدوها حتى حولوا منظمة التحرير الفلسطينية إلى سلطة تابعة وشبه عميلة للإحتلال...

ينقسم أنصار المقاومة، كما أنصار المحور إلى قسمين يتنازعان القيادة...

قسم يؤمن ويريد الوصول إلى توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني، على أمل القضاء على هذا العدو يوماً بأقل الخسائر الممكنة...

يؤمن هذا القسم بإمكانية الوصول إلى توازن في الردع المتبادل...

يراكم هذا القسم القوة من أجل تضييق الهوة الفاصلة بينه وبين العدو على أمل الوصول يوما إلى التفوق الذي يمكنه من الانتصار بأقل الخسائر...

لكن هل هذا ممكن؟

لقد ارتأت الإمبريالية هذا الاحتمال منذ تأسيس الكيان فحرصت على تأمين التفوق النوعي للتغطية على التفوق الموضوعي العام الذي تتمتع به الأمة بشريا وجغرافيا ضد هذا الكيان...

للتأكد من هذا التفوق التقني النوعي، قام الغرب عبر فرنسا والنرويج ومن ثم اميركا على إعطاء الكيان غطاء نوويا يمنع القضاء على العدو دون التسبب بقيام هذا العدو بالرد النووي عبر قصف المدن العربية والإسلامية وإبادة الملايين...

من هنا يمكن القول إن نظرية التقليل من الخسائر عبر التوازن الاستراتيجي لن يصل بنا ابدا إلى القضاء على هذا الكيان...

أما القسم الثاني الذي يرى أنه لا بد من القيام بالحرب مهما كان سوف يكون حجم الخسائر البشرية، فإن هذا القسم يرى أن بعث هذه الأمة لا يمكن أن يقوم طالما الكيان موجود وان شرط النمو والتطور وبناء مجتمعاتنا يستوجب القضاء المبرم والنهائي على الكيان وبالتالي لا يمكن الركون إلى نظرية مراكمة القوة والتوازن الاستراتيجي إلا كمرحلة انتقالية ضرورية ربما، لكن غير إلزامية من أجل الحرب الحاسمة...

الفرق بين الفريقين هو أن الاول يعيش في عالم الأوهام التي يعتقد من خلالها أن الإمبريالية سوف تقبل بالقضاء النهائي على كلب حراستها المدلل الذي بات جزءًا مهما من بنيان هذه الإمبريالية بفضل سيطرة المال الصهيوني على اكثر جوانب الاقتصاد العالمي...

هذا الفريق رغم وطنيته، يقوم بارتكاب الأخطاء التي سوف تنتهي به إلى نفس مواقف منظمة التحرير الفلسطينية وأنظمة البرجوازية الصغيرة الوطنية من ناصرية وبعث وغيرها والتي تم القضاء عليها بفضل عدم جذرية مواقفها الثورية وتعويلها على أن كل الاوراق في ايد الأميركيين...

الفريق الذي يراكم القوة أملا في النصر النهائى يوماً، هو بالتحديد المقاومة الفلسطينية في غزة والمقاومة الإسلامية في لبنان...

الطرفان سوف يصلان إلى نفس الطريق المسدود...

الأول لأن الصهاينة لن يتنازلوا يوماً عن الحلم الصهيوني الذي يناقض جوهر الوجود الفلسطيني...

والثاني لأن كل الأوهام في إيجاد فروقات بين الصهيونية والامبريالية سوف تؤدي إلى الفشل...

الطرف الأول مضطر للقتال من أجل الوجود...

والطرف الثاني لأن بنيته الفقهية لا تسمح له بأي صيغة من التعايش مع الوجود الاستيطاني...

منذ ايام ضرب الكيان مطار دمشق، فغرقت الطبقة الوسطى المسيطرة على مقاومة غزة ومقاومة لبنان في النهج السلبي لأنظمة البرجوازية الصغيرة التي حكمت مصر وسوريا والعراق قبل أن تفشل وتغرق في مزبلة التاريخ...

أمس أيضاً، أعاد الكيان ضرب سوريا...

أمس أيضا تمادت عقلية الأوهام الخرافية بعدم الرد وعدم شن الحرب، رغم كل الكلام الذي باح به السيد ابراهيم السيد من قيادة حزب الله...

الطرفان الفلسطيني واللبناني يفشلان في السمو بالشعبين الفلسطيني واللبناني إلى مستوى الشعب المقاتل...

الاول يعيش على رشوة الإمبريالية الاقتصادي للمجتمع الفلسطيني كي يكبح إمكانية الثورة، والثاني يعيش مرحلة التبعية والعجز التي تسود المجتمع اللبناني...

امس، قرر حزب الله إرسال رسالة إلى الكيان عبر ثلاثة مسيرات تقول أن الحزب لن يتنازل عن كاريش...

قرار الحزب امس مشى بالمقاومة اللبنانية خطوة مهمة إلى الأمام في التصدي للإمبريالية وتحطيم أسس وجودها...

ارسال المسيرات كان خطوة ضرورية في إرادة التحرير والتصدي للإمبريالية؛ لكنها خطوة غير كافية ويجب أن تتبعها خطوات تضع حدا لحضوع حزب الله لمواقف داخلية لبنانية مخزية...

هل يمكن للمقاومة الفلسطينية الانتصار في غزة والضفة وال ٤٨ وكل همها عدم اتخاذ قرار المواجهة الذي لا بد منه والذي نضجت كل ظروفه منذ زمن ليس بقصير...

نفس الأمر ينطبق على المقاومة الإسلامية في لبنان...

الذي يهادن أزلام اميركا وإسرائيل ولا يزلزل الأرض تحت أقدامهم، لن يستطيع الذهاب بالمواجهة مع عدو الخارج إلى الحدود الواجب الذهاب إليها....

حزب الله الذي يرضى بأن تسرق الاوليغارشيا اللبنانية قوت الشعب اللبناني، والذي لا تتجاوز أقواله بعض الشعارات الشعبوية التي لا تشبع ولا تغني من جوع؛ حزب الله هذا لا يزال يمثل املا ظهر في مسيرات أمس...

نحن نعيش اليوم حربا مستحيلة يقوم بها الغرب ضد روسيا...

روسيا التي أعطت الغرب كل شيء قبل أن تكتشف أن المطلوب منها ليس فقط الانبطاح، بل الهبوط إلى مستوى العبودية في التبعية لهذا الغرب...

عدم الرد اليوم...

عدم وضع معادلة رفع الحصار أو الحرب في غزة...

عدم تصدي حزب الله للطبقة الحاكمة التي نهبت الشعب، سوف ينتهي سقوطا مدويا في التاريخ... فهل من يسمع؟