عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
في وثيقة صادرة عن العدو "الإسرائيلي"، أُعلن فيها بفخر عن نجاحه غير المسبوق منذ عقود في فرض واقع أمني جديد على المنطقة الحدودية مع لبنان، وادعى فيها التزام المقاومة بوقف إطلاق النار، وإخلاء الجنوب وتفجير الأنفاق والمعسكرات.
كما تفاخر بإنجاز "منطقة عازلة" خالية من السلاح والمسلحين، بالتعاون مع الجيش اللبناني والقوات الدولية، وتحت إشراف أمريكي مباشر.
والأخطر كان تأكيده تدمير معظم المخزون الصاروخي للمقاومة، وفرض واقع لا يسمح سوى ببعض الصواريخ قصيرة المدى التي "لا تهدد إسرائيل".
هذا الإعلان يجب أن يكون برسم اللبنانيين جميعًا، إذ نجح الثنائي الصهيو-أميركي فيما عجز عنه بالعدوان العسكري المباشر: فقد فرض منطقة عازلة جنوب الليطاني، بغطاء تفاوضي لبناني رسمي وبإشرف وضمانه المندوب الأمريكي المبعوث هوَكشتاين؛ حيث أعطى المندوب الأمريكي الضوء الأخضر للإسرائيلي لإستباحةَ لبنان خلال 60 يومًا ومددها ترامب حتى 18 شباط الماضي ؛ علمأ أن المقاومة فرضت خلال المفاوضات عام 2006 إنسحاب العدو في عتمة ليلة واحدة وفرضت حماية المدنيين حتى عام 2024.
فالخطة الشيطانية كانت أميركية بنسبة 100%؛ إسرائيل طلبت وقفًا لإطلاق النار، لكن واشنطن أصرت على أن يكون التفاوض حصريًا مع الدولة اللبنانية دون المقاومة. فتولّى رئاسة المفاوضات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتم الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، ببنود مجحفة، أبرزها مهلة 60 يومًا للانسحاب وإعطاء العدو حق التصرف في سماء لبنان وحدوده البرية والبحرية، بينما وقفت الدولة موقف العاجز والمغلوب على أمره.
والأخطر أن حكومة الرئيس نواف سلام واصلت تنفيذ هذه البنود بصرامة، وصولًا إلى استباحة سيادة لبنان بالكامل، وكأن اتفاق وقف إطلاق النار تحوّل إلى إعلان استسلام بطيء.
وقد زاد من خطورة هذا المسار إعلان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عن ضرورة ترسيم الحدود البرية والبحرية مع الحكومة السورية. ورغم أن الترسيم بحد ذاته مطلب سيادي مشروع، إلا أن توقيته وسياقه يطرحان علامات استفهام، خاصة أن الحكومة السورية الفعلية غائبة، وما يُسمى بـ"الحكومة السورية الحالية" لا تملك الشرعية التمثيلية بعد أن فرضها دونالد ترامب إثر انقلاب سياسي معروف.
ومن جهة أخرى، على قيادة الجيش اللبناني أن تفتح تحقيقًا عاجلًا، إذ تُشير المعطيات إلى أن جهات رسمية، منها ضباط في الجيش اللبناني، قدموا إلى الأمم المتحدة خرائط ومستندات تعتبر مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أراضي سورية، ما خلق تناقضًا خطيرًا في الوثائق الدولية المقدمة باسم الدولة اللبنانية.
فهذه الخرائط المتناقضة قد تُستغل لاحقًا لتجريد لبنان من حقه القانوني في هذه الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
فنقطة التحول كانت حين سلّمت المقاومة رقبتها للدولة اللبنانية في نوفمبر 2024، بناءً على طلب رسمي بأن تتولى الدولة التفاوض مع الأميركيين. ولمّا استُدعيت المقاومة، قالت "ألف مجبرة" لأنها لم تكن تملك الحق برفض طلب الدولة، لكنها بالمقابل لا تستطيع التفاوض عنها، فوجدت نفسها كمن "يبلع الموسى"، لا يملك الحركة ولا الرد، خاصة بعد أن بدأت الدولة تمارس ضغوطًا إضافية وتجردها من عناصر القوة.
فمنذ العام 2006 وحتى 2024، عاش لبنان عصرًا ذهبيًا بعد أن أجبرت المقاومة العدو على الانسحاب الفوري من الجنوب، وفرضت عليه قواعد اشتباك تضمن حماية المدنيين. لكن اليوم، في 2024، تعيد الدولة تسليم مفاتيح السيادة للعدو بضغط أمريكي غير عادي عبر التفاوض وتفكيك منظومة الردع وإعطاء العدو الضوء الأخضر لإستباحةَ كل لبنان.
نعم، المقاومة نفّذت بنود القرار 1701 وانسحبت من جنوب الليطاني لتخفيف الضغط الدولي عن الدولة، لكن إدارة ترامب فسّرت ذلك على أنه ضعف من طرف المقاوَمة، مما دفع فضيلة الشيخ نعيم قاسم لاتخاذ قرار حاسم بعدم تسليم السلاح.
وفي المقابل، أعلن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ضرورة تسليم سلاح المقاومة "في أقرب فرصة"، وهنا وقع الانفصام الكامل بين خيار الدولة وخيار المقاومة.
لقد قال الشيخ نعيم "ألف" في سياق مُجبرًا ومرغمَا، ولكنه "لن يُلدغ من جحر مرتين" .
فما حصل في 27 نوفمبر ليس إلا بداية معركة جديدة: معركة الحفاظ على الكرامة والسلاح والسيادة، بعدما سقط قناع "الشراكة الوطنية" وسقطت معه الدولة في فخ الإملاءات الأميركية والإسرائيلية.
وإنً غدًا لناظره قريب
01 آب/ أغسطس 2025