حكاية القارة السمراء\ مها علي
مقالات
حكاية القارة السمراء\ مها علي
3 آب 2022 , 18:47 م


الكاتبة: مها علي

(عندما جاء المستعمرون كان معهم الإنجيل ومعنا الأرض وبعد وقت قصير أخذوا منا الأرض وأعطونا الإنجيل,)

هذه جملة قالها كاتب إفريقي من دولة غانا يدعى محمود السعدني, وهي تلخص حالة إفريقيا أواخر القرن السابع عشر, عندما وصلها الأوروبيون ووجدوا فيها خزاناً بشرياً لمصانعهم, حينها بدأت تجارة الرقيق وتشكلت شبكات نقل الموارد الطبيعية والبشرية من جميع أنحاء القارة,

حيث كانت أوروبا والولايات المتحدة تشهدان مرحلة التحول الصناعي, والحاجة الماسة لأيدي عاملة ثم بدأت الدول الإستعمارية تكتشف الثروات في إفريقيا وتباعاً تفرقت هذه الثروات بين فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا, وبالتزامن عملوا على تخريب الأنظمة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, حتى وصل الأمر إلى حرمان بعض مناطق إفريقيا من أقل موارد الحياة وشحن كل ما فيها إلى أوروبا وأمريكا, فتحولت أفريقيا إلى قارة مريضة.

قامت فرنسا بحروب لا متناهية على أفريقيا استمرت قرنين من الزمن, راح ضحيتها أكثر من مليوني إفريقي, حيث عملت فرنسا على استغلال الأفارقة كعبيد ونهب ثروات هذه القارة, ما أسهم في ترسيخ الدولة الفرنسية على أنها دولة كبرى وهو ما أكده رؤساء فرنسيون بينهم جاك شيراك الذي قال أنه دون إفريقيا, فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث.

وعندما حصلت دول أفريقيا على استقلالها خلال ستينيات القرن العشرين وجدت نفسها تخضع لحكومات مُعينة بمعظمها من قبل الدول الاستعمارية ذاتها, ما حال دون تطورها, ودون توفير الخدمات لشعوبها من التعليم والأمن والرعاية الصحية, والبنية التحتية, فما كان منها إلا أن وقعت في فخ غربي جديد وهو الإقراض من الهيئات الدولية بعد موجة الانفتاح الاقتصادي في ثمانينيات القرن الماضي, وحينها أقرض صندوق النقد الدولي وبنوك تجارية غربية الدول الإفريقية أموالاً أكثر مما تقدر على الوفاء به, فغرقت ببحر الاستعمار الغربي الجديد, لتستمر معاناة إفريقيا من الفقر والجوع والأوبئة, مع الافتقاد لمقومات الحياة الأساسية كالغذاء ومياه الشرب والكهرباء.

ومع تصاعد صراع الدول على إفريقيا إلى مستوى غير مسبوق تحاول فرنسا بكل ما أوتيت من إرث استعماري أن تحافظ على موطئ قدم لها بالقارة السمراء, حتى ولو بالاعتذار عن الحقبة الاستعمارية على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون, إلا أن الأمس ماعاد يشبه اليوم أبداً.

ومع انتهاء عصر العبيد المباشر, تركز الهدف الفرنسي على تعزيز نقل ثروات القارة من ذهب ومعادن ونفط لفرنسا, مع السيطرة على قطاع التجارة والبناء والزراعة وبحسب أحدث الإحصائيات فإن إيرادات الخزائن الفرنسية تصل إلى 500 مليار دولار من الأرباح والعوائد السنوية القادمة من إفريقيا, خاصة مع وجود كبير للشركات الفرنسية, إلا أن كل هذا يبدو بطريقه للزوال مع دخول دول كبرى على خط الصراع على أفريقيا لسحب البساط من تحت فرنسا التي بدأت تخسر تفردها بهذه القارة,.

كانت الولايات المتحدة تشحن العبيد والرقيق من إفريقيا إلى أراضيها, لكن اهتمامها بالقارة السمراء تراجع في القرن العشرين وعاد مجدداً مع الرئيس الحالي جو بايدن كي يعوّض مناطق نفوذٍ خسرها ترامب بأفريقيا بعد أن اتضحت أن معالم موجة التدافع تتجلى بالسيطرة على الموانئ الإستراتيجية والممرات المائية, والموارد الطبيعية مثل البترول والغاز الطبيعي إضافة إلى الذهب والألماس واليورانيوم, ما دفع جو بايدن دعوة زعماء أفارقة لحضور قمة لأفريقيا في واشنطن في أواخر هذا العام, وهذا سيُظهر إلتزام الولايات المتحدة المستمر حيال أفريقيا, كما تحتفظ واشنطن بقواعد عسكرية على أراض أفريقية بهدف مواجهة الوجود العسكري الروسي المتعاظم داخل أفريقيا, إذ تقدم أمريكا نفسها في أفريقيا أنها نموذج مختلف عن الروس عبر ما تقوله كالعادة عن توفير الاستقرار ومكافحة الإرهاب وترسيخ الديمقراطية, ثم تدعم انفصال جنوب السودان عن السودان, مع الإسهام في خلع الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

تبقى روسيا بين أكبر وأقوى الدول التي نجحت في اكتساب موطئ قدم لها في إفريقيا وتحقيق مكاسب, بينما تتضح ملامحها عند عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قمة أفريقية روسية عام 2019 , بهدف عقد اتفاقات مجزية لموسكو, وحينها قال بوتين إن روسيا ستعود إلى أفريقيا لتحقيق أهداف عدة, بينها تأمين الأهداف لمنتجاتها الزراعية, وتسويق المنتجات والخدمات العسكرية, شأنها شأن الأمريكيين والأوروبيين.

ثم أصبحت روسيا المورد الأول للسلاح في القارة, ووفق لمعطيات نشرها معهد استوكهولم لبحوث السلام, استوردت أفريقيا مابين 2015 و2019 نحو نصف تجهيزاتها العسكرية من روسيا.

والآن صراع القرن الواحد والعشرين من أجل أفريقيا يمضي على قدم وساق حيث لا يقتصر الأمر على روسيا وأمريكا وأوروبا بل يتعداها إلى الصين التي بدأت قبل أعوام تكثيف النشاط الاقتصادي والعسكري في القارة بهدف السيطرة على حقول النفط التي لم تكتشف بعد بأفريقيا, كما استطاعت الصين الحصول على امتيازات تمكنها من السيطرة على الموانئ والمطارات والسكك الحديدية, في دول أفريقيا المنتجة للنفط مثل السودان ونيجيريا وأنغولا , بسبب عروضها المنخفضة الفائدة للمشاريع مقابل الموارد الطبيعية, وفي دول أخرى مثل زامبيا ونميبيا وجنوب أفريقيا والنيجر استطاعت الصين الحصول على صفقات تعدين في استخراج الذهب والألماس واليورانيوم والبلاديوم مما أسهم في جعل بكين صاحبة أكبر اقتصاد في العالم خاصة بعد مشاريع تنموية كبيرة دخلتها شركاتها في أفريقيا مؤخراً , في مجالات الصناعة والزراعة الحديثة والمواصلات والاتصالات والطاقة والتعليم والصحة وتقليص الفقر لتقدم الصين نفسها كدولة كبرى حريصة على التنمية في أفريقيا وليس فقط على نهب مقدراتها.

هذا و لا يمكن إغفال مساعي أخرى الحصول على نفوذ في إفريقيا بينها اليابان والهند والبرازيل وتركيا , إلا أن جهود هذه الدول تبقى أقل أثراً وتتركز بالشق الدبلوماسي حتى الآن حيث شهدت دول أفريقيا افتتاح أكثر من 300 سفارة وقنصلية في بلدانها منذ عام 2010 , كان لتركيا فيها حصة الأسد فتحت 42 سفارة وقنصلية في عدة دول أفريقية.

وباتت القارة السمراء نبعاً لكل من يريد رفد خزينة بلاده, ليبقى خير أغنى قارات الأرض لمن هم خارجها بينما يقضي الكثير من أبنائها جوعاً أو مرضاً أو وهم يحاولون الهروب لإحدى الدول التي تتصارع على نهب ثرواتها ليل نهار. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري