.         

* كان اندرو جاكسون Andrew Jackson الرئيس السابع للولايات المتحدة من ١٨٢٩---١٨٣٧ وصورته على ورقة العشرين دولار يتباهى بان كيس حفظ التبغ الخاص به اكبر الاكياس. كان الرجل الابيض بعد ان يرتكب مجزرة بحق الهنود الحمر يقطع خصاويهم ويعالجها لتكون اكياسا لحفظ التبغ.

قام الرجل الابيض الاوروبي باجتياح الامريكتين من خلال موجات المهاجرين والقوات العسكرية بهدف استعمارها استعمارا استيطانيا.وهذا يعني احلال الرجل الابيض محل المواطن الاصلي الذي اطلق عليه اسم الهندي الاحمر، والذي لن يتحقق الا من خلال المجازر الدموية والابادة الجماعية والتطهير العرقي التي ادت الى قتل عشرات الملايين من الهنود الحمر.امتدت حركة الاستعمار الاستيطاني لتطال نيوزلاند واستراليا وتم القضاء على السكان الاصليين وحل محلهم الرجل الابيض.في هذه البلدان الثلاث نجحت عملية الاستعمار الاستيطاني نجاحا باهرا.

* بعد ان تحولت اوروبا من دول صناعية راسمالية الى دول استعمارية قامت باحتلال اقطار في اسيا وافريقيا للسيطرة على المواد الخام وتوسعة السوق الاستهلاكية لمنتجاتها.ففي السودان ومصر  والشمال الافريقي خضعت بلدانه للاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي والاسباني والبرتغالي.خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر برزت حركة استعمار استيطاني نظمت عمليات هجرة جماعية من فرنسا وبتشجيع من حكوماتها للاستيطان في الجزائر.واستولت على مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الخصبة واقامت عليها المستوطنات.ارتكبت فرنسا في الجزائر المجازر الدموية وعمليات تطهير عرقي.بعد ان قررت فرنسا الانسحاب من الجزائر تحت وطاة ضربات الثورة الجزائرية، قام المستوطنون الفرنسيون بتشكيل الجيش السري للدفاع عن مستوطناتهم.

اما في الجنوب الافريقي فقد احتلت هولندا راس الرجاء الصالح كميناء لخدمة سفن شركة الهند الشرقية ورحل الرجل الابيض الهولندي اليها ليقوم بخدمات الميناء وعندما اكتشف الخيرات الزراعية فيها بدات حملات الهجرة الاستيطانية اليها وقاموا باجلاء المواطنين ودفعهم الى الداخل.في عام ١٧٠٦ استولت بريطانيا على راس الرجاء الصالح لتامين سفنها واساطيلها المتجهة الى شبه القارة الهندية وما بعد ذلك.قامت حركات استعمار استيطاني استهدفت كل اقطار الجنوب الافريقي والحركة  التي تنجح في هذه العملية تقوم حكومتها بارسال الجيش للسيطرة عليها.كان سيسيل رودوس عراب الحركة الاستيطانية في الجنوب الافريقي( التي حملت روديسا اسمه) زيمبابوي حاليا، وتوسعت حركة الاستمار الاستيطاني في كل الجنوب الافريقي التي رافقها عمليات الاستيلاء على الاراضي الزراعية والمجازر  الدموية والتطهير العرقي والتي لم تنجح في القضاء على السكان الاصليين مما اضطر قوى الاستعمار الى اقامة نظام جديد للسيطرة والتحكم واستغلال الايدي العاملة الرخيصة للسكان الاصلين وهو نظام الابارتايد القائم على العنصرية والتمييز العنصري ، اتخذ. ثيودور  هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية من سيسل  رودوس عرابا وملهما له. ودعا الى المؤتمر الصهيوني الاول في مدينة بازل السويسرية عام ١٨٩٧ الذي تقرر فيه جعل فلسطين الارض التي يجب قيام الدولة اليهودية عليها، وتبنى شعار (( لا صهيونية بدون صهيون )) جبل في القدس، وان فلسطين ارض بلا شعب، واليهود شعب بلا ارض.وانها ارض الميعاد و   الاجداد الاولين (( يهودا   والسامرة)). بعد مؤتمر بازل شكلت الحركة الصهيونية وفدا للذهاب الى فلسطين التي كانت تحت الحكم العثماني في ذلك الوقت وتقديم تقرير عن الوضع الديموغرافي فيها.رجع الوفد وقدم تقريرا مختصرا جدا جاء فيه:((  العروسة جميلة، لكنها متزوجة من رجل اخر ))  (( The Bride Is Beautiful But Married To Onother Man ))

* بعد ان تم الزواج المصلحي بين بريطانيا والحركة الصهيونية، اصدرت بريطانيا وعد بلفور للحركة الصهيونية لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وهذا يعني علنا وضمنا التخلص من زوج العروسة الجميلة بقتله وافناءه عبر المجازر والتطهير العرقي.بعد ان خضعت فلسطين للانتداب البريطاني قامت بتوفير كل القدرات لانفاذ المشروع الاستيطاني وشجعت الهجرة اليهودية الى فلسطين على الرغم من رغبة يهود اوروبا في الهجرة الى امريكا.وقامت بتشكيل لواء يهودي مقاتل اثناء الحرب العالمية الثاني ليكون نواة جيش الكيان بالاضافة الى العصابات الصهيونية المسلحة الهاجانا وشتيرن.بعد ان قررت بريطانيا الرحيل عن فلسطين كانت العصابات الصهيونية جاهزة ومؤهلة للاستيلاء على فلسطين.قام ديفيد بنغوريون بوضع خطة (( داليت)) موضع التنفيذ الحرفي حيث اسفرت عن تدمير ٥٣١ قرية و١٢ بلدة تدميرا كاملا ومسحت من الوجود.ونفذت مجازر جماعية اشهرها مجزرة اللد والرملة التي راح ضحيتها اكثر من٦٥٠ فلسطيني منهم ٣٠٠ مواطن ذبحوا داخل المسجد وفي فنائه، ومجزرة دير ياسين التي تم فيهابقر بطون النساء .اسفرت خطة داليت ذات الرمز ((D))عن اقتلاع وتهجير اكثر من ٧٥٠ الف فلسطيني.

* اذن ما جرى ويجري في فلسطين ليس احتلالا اجنبيا من قبل دولة، وانما عملية استعمار استيطاني اجلائي يقوم على ارتكاب المجازر الدموية وعمليات الابادة والتطهير العرقي الممنهج والمستمر، وبناء المستوطنات على ارض فلسطين التاريخية بكل مساحتها وحدودها التي رسمتها حكومة الانتداب البريطاني.عندما نقول اننا نواجه استعمارا استيطانيا فاننا نشير الى واقع معاش على الارض.استعمار يستهدف الشعب والارض ونظام توسعي يستهدف الجوار الفلسطيني، جنوب لبنان حتى نهر الليطاني والجولان السوري الذي اعلن ضمه نهائيا متحديا قرارات الامم المتحدة .وزاد الطين بلة فاستولى على ١٥ الف كيلومتر مربع من الجنوب السوري.الغني بالثروات وخاصة الزراعية، ويخطط لاقامة مستوطنات فيه ويعمل على استيعاب ايدي عاملة سورية في مشاريعه العمرانية والزراعية.

* لا نلوم دول العالم واجهزة الاعلام حين يطلقوا مسمى " الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين وسورية ولبنان.لكن ما لا يجوز باي شكل من الاشكال بل يجب تحريم وتجريم اي طرف فلسطيني سواء كان  هذا فردا او فصيلا او سلطة ان يستخدم في خطابه وادبياته وتصريحاته مصطلح (( الاحتلال الاسرائيلي )).يجب التركيز على استخدام مصطلح (( الاستعمار الاستيطاني)) و (( نظام الابارتايد الصهيوني )).يجب ان نحذف من قاموسنا السياسي مصطلح الاحتلال واحلال مصطلح الاستعمار الاستيطاني العنصري، القائم على التطهير العرقي والابادة الجماعية.لانه اذا نجحنا في غرس هذا المفهوم وتكريسه في العقل والوجدان الفلسطيني وتعميمه في الثقافة الشعبية سيكون المقدمة لاسقاط الاوهام الخاطئة التي سادت مثل حل الدولتين، واحلال السلام العادل في الشرق الاوسط وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية.

* نحن الان امام منعطف تاريخي في مسيرة اكثر من قرن ونيف من نضالنا ضد الاستعمار الاستيطاني.هذا المنعطف الذي نجحت فيه المقاومة الفلسطينية  في السابع من تشرين الاول/ اكتوبر ٢٠٢٣ في شطب الروح القتالية لجيش الكيان والقضاء على قوات النخبة فيه عددا وعدة والاهم من ذلك كله هو اسقاط وشطب الرواية الصهيونية التي تبناها الغرب دولا ومجتمعات، القائمة على الكذب والخداع، واحلال الرواية الفلسطينية الحقيقية ومظلومية الشعب الفلسطيني المظلوم والمغلوب على امره. هذه المظلومية التي تم حجبها لعقود من الزمن عن المجتمعات الغربية والشرقية.يجب ان لا نفرط في هذا التحول وجعله نقطة ارتكاز نضالنا في كل اوجهه لانه سلاح فتاك ضد الكيان لانه ينسجم مع الدوافع الانسانية والسياسية للحركات الاجتماعية التي هبت لنصرة قضيتنا وتبني روايتنا. يجب ان لا نضيع هذه الفرصة كما ضيعنا وضيع العرب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٧٥ الذي ينص على ان (( الصهيونية شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري)).دابت الدبلوماسية والسياسة الصهيونية على الغاء هذا القرار ونجحت في كانون الاول/ ديسمبر ١٩٩١بقرار من الجمعية العامة للامم المتحدة، وابتزت دول العالم حين وضعته شرطا من شروط مشاركتها في مؤتمر مدريد للسلام.

لذا يجب التاكيد في الخطاب السياسي الفلسطيني اننا في مواجهة نظام ابارتايد صهيوني منعدم الضمير والانسانية وان مهمة اسقاطه واجب على المجتمع العالمي المتمدن وليس الفلسطيني وحده.هذا الخطاب لا يحمل حركات المجتمع المدني في الغرب خاصة اية اعباء ثقيلة مما يجعلها تستمر وتزداد زخما وتكسب تعاطفا وتضع حكوماتها امام المسائلة الاخلاقية والسياسية.ان التركيز على نظام الابارتايد الصهيوني يجعلها ان توجه اصابع الاتهام الى امريكا راعية الكيان.ان نظام الابارتايد في جنوب افريقيا لم يكترث للمواقف الدولية ولا للحركات المدنية وكان يتحدى العالم بالقول: (( لا يهمنا العالم ما دامت امريكا معنا )) وفعلا سقط نظام الابارتايد بعد ان تخلت امريكا عن دعمه.

يجب عدم الاستهانة بهذا التحرك المجتمعي ضد نظام الابارتايد العنصري الصهيوني  وجعله يطالب باقامة نظام على غرار النظام الذي قام في جنوب افريقيا مع المطالبة بحق عودة اللاجئين الذي نص عليه قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم ١٩٤.اذا ما اكتسب هذا الطرح الزخم المطلوب سيجعل الكيان وراعيته امريكا في دائرة الاتهام والتجريم.يجب ان يخاطب الراي العام العالمي بالغة التي يفهمها انسانيا وسياسيا، وليس بلغة الايديولوجيا والدوجماتية ونقول للعالم:

(( قضيتنا لنا وطن كما للناس اوطان.                     

ولنا ارض قد اغتصبت.                                        

  وكنا لا نعرف ما تصنع الاموال والحيل.                   

وطالبنا فكان قرار تقسيم.                                       

وطالبنا فصرنا لاجئين.                                           

وصرنا خيمة جرباء تنتقل.                                      

كم اغتصبت عروس من مخيمنا.                              

وكم جعنا وعرينا.                                                   

كم خجلنا ثم طالبنا فاصبح كل شبر مسلخا )) .            

ولهذا قمنا بعملية طوفان الافصى لكي لا يجعل نتنياهو وعصابته اكياس خصاوينا محافظ للتبغ.                     

ايتها الشعوب التي هبت لنصرتنا وتبنت روايتنا كونوا عونا لنا  للقضاء على اخر نظام ابارتايد على وجه المعمورة الذي يعتاش ويقتات على الدعم الامريكي المطلق له.                              

فهل ننجح جميعا في الضغط على امريكا للتخلي عن قاعدتها العسكرية المتقدمة في الشرق الاوسط؟                             

انه سؤال الترليون.دولار.                                                       

مهندس/ زياد ابو الرجا.