اسرائيل الفيلق الاخير.
مقالات
اسرائيل الفيلق الاخير.
م. زياد أبو الرجا
8 آب 2025 , 19:02 م

                   

*كانت الامبراطورية الرومانية تحكم العالم وتسيطر عليه من خلال فيالقها العسكرية المسلحة والمدربة جيدا، وتحركها استراتيجية امبراطورية ما زالت الكليات العسكرية الحديثة تدرسها لمنتسبيها كمقدمة للاستراتيجيات الحديثة التي تطورت مع تطور العلوم والاسلحة والفكر السياسي ( الدولة العميقة التي تجمع جميع السلطات وتكلف الوزارات والهيئات الحكومية للقيام بها ) علم وفن الحرب.

وكما كان الحال في الامبراطوريات القديمة التي تصارعت على الهيمنة والنفوذ، فان الامبراطوريات الاوروبية والامريكية تصارعت بشكل مميت اما للحفاظ على مناطق نفوذها وهيمنتها او لانتزاع مناطق نفوذ تحت هيمنة الامبراطوريات المعاصرة لها.

شهد الميدان الاوروبي بروز الامبراطورية البريطانية والفرنسية والاسبانية والروسية والنمساوية ووصل الصراع بينها الى اعلى مراحل العدائية المستعصية التي لا حل لها الا بالحرب التي اتسع نطاقها خارج القارة الاوروبية للاطاحة بالامبراطوريات الاقطاعية المتخلفة وعلى المستعمرات ومناطق النفوذ.

اغنت هذه الحروب علوم الاستراتيجية والتكتيك التي صاغها مفكرون استراتيجيون ما زالت تدرس في الكليات الحربية والعلوم السياسية.

ما بعد الحرب العالمية الثانية التي انتصر فيها الحلفاء( روسيا، بريطانيا وامريكا )على دول المحور( المانيا النازية، ايطاليا الفاشية واليابان ) ظهرت امبراطوريتان على شكل احلاف اقتصادية وسياسية وعسكرية.حلف وارسو الاتحاد السوفياتي ودول اوروبا الشرقية.وحلف الناتو امريكا ودول اوروبا الغربية.واستعرت الحرب الكورية والفيتنامية التي اودت بحياة ملايين البشر التي تدخل فيها الحلفان بشكل غير مباشر.

عندما حل السلاح النووي ضيفا ثقيلا على ميادين الصراع شكل ردعا لكلا الحلفين ولم يعد بالامكان منذ ذلك الوقت وحتى الان ان يصتدم احدهما مع الاخر.

شكل الشرق الاوسط الغني بثرواته النفطية محورا مركزيا في الاستراتيجية الامريكية بعد ان ورثت من بريطانيا مستعمراتها ومحمياتها في الجزيرة العربية والاقليم.فوضعته تحت اشراف القيادة المركزية للجيوش الامريكية واقامت في البحرين مقرا لقيادة الاسطول الخامس وفي مدينة نابولي الايطالية في البحر الابيض المتوسط انشات مقرا للاسطول السادس .وشكلت حلف السنتو ( تركيا، ايران وباكستان) كجدار صد جنوب الاتحاد السوفياتي، مما دفع حلف وارسو بان يقر ويسلم بان منطقة الخليج والجزيرة العربية منطقة امن قومي امريكي يعد المساس بها او الاقتراب منها حربا على امريكا..

*حظي الكيان الصهيوني الذي اقامته بريطانيا على ارض فلسطين بالرعاية الامريكية الشاملة بعد مرحلة الرئيس ترومان والرئيس ايزنهاور.قامت العلاقات الامريكيةعلى ثلاثة قوائم متساوية( منظمة الايباك، المجمع الصناعي العسكري والمسيحية الصهيونية ).وحددت لاسرائيل الفيلق الامريكي في الشرق الاوسط المهمات والوظائف الواجب تاديتها والقيام بها .وسلحته باحدث الاسلحة .

بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، تقدمت الامبراطورية الامريكية وتربعت على عرش النظام الدولي وتحكمت في مصائر الدول والشعوب وحلت محل هيئة الامم المتحدة والقانون الدولي والهيئات والمنظمات الدولية فهي الخصم والحكم.فاشعلت حروب البلقان وفككت الاتحاد اليوغوسلافي وحاصرت العراق وضمت دول حلف وارسو الى السوق الاوروبية المشتركة لضرب اقتصادها المنافس للاقتصاد الامريكي وعممت الفوضى داخل روسيا ومكونات الاتحاد السوفياتي.

في ظل هذه الهيمنة لحقت بفيلقها المتقدم في الشرق الاوسط اكبر هزيمة استراتيجية على يدي حزب الله في لبنان في ايار / مايو عام ٢٠٠٠.كانت هذه الهزيمة منعطفا في تاريخ الصراع مع الكيان الذي كان يدار بواسطة الجيوش النظامية.يقول ضابط ال سي اي ايه روبرت بايير؛(( كانت نقطة تحول حرجة، انها المرة الاولى التي ترغم فيها اسرائيل بالقوة بالتخلي عن ارض تحت النار.كان خروج اسرائيل بالقوة تحت النار بمثابة معركة واترلو.

((This was acritical turning point,the first time that Israel was forced to cede land under fire.Israel forced  departure from Lebanon was its Waterloo)).

ROBERT BAER.THE DEVIL WE KNOW

احتلت امريكا افغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣ وتم استنزاف قوتها العسكرية والمالية.وفي عام ٢٠٠٦ دفعت فيلقها المتقدم في الشرق الاوسط الى حرب على حزب الله ليستعيد هيبته المفقودة ويحقق مشروع الشرق الاوسط الجديد.مرة اخرى مني فيلقها بهزيمة ساحقة وتم القضاء على المشروع.

اكدت انتصارات حزب الله الرؤية الاستراتيجية للجنرال السوفياتي في الحرب العالمية الثانية التي اكد فيها على بقاء الدور الحاسم للانسان في الحرب.وذلك بالرغم من كل هذه التطورات المادية والتقنية المذهلة:(( ومهما بلغت درجة كمال العتاد الحديث فان النصر لا يمكن تحقيقه الا بالمحاربين المصقولين من الناحية الفكرية، والقادرين على التضحية اللامحدودة، والحائزين على مهارة تقنية عالية، وانضباط فولاذي، وقدرة كبيرة على التحمل.وكلما ارتفعت الصفات المعنوية والعسكرية للمحاربين وشجاعتهم وثباتهم كلما امكن الاستفادة القصوى من الطاقة الجبارة للعتاد الحديث.ولكن هذا لا ينطبق على الجيش النظامي فقط وانما انطباقه على المقاومة اشد واولى)).

ادركت امريكا ان الحروب التقليدية لم تعد مجدية لها فاتبعت نهج اثارة الحروب الاهلية واستنزاف المجتمعات في حروب طائفية وعرقية.وقد عبر عن هذا النهج المستشرف الامريكي الدكتور جورج فريدمان بالقول:(( لا تحتاج الولايات المتحدة الى الانتصار في الحروب.ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخرين في الفوضى بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها)).

لم تهنأ امريكا بتربعها على عرش النظام الدولي، فنهضت الصين كقوة اقتصادية هائلة واستعادت روسيا قوتها العسكرية الجبارةوتشكلت مجموعة دول البريكس ومنظومة شنغهاي ونازعت امريكا على قيادة النظام الدولي لارساء قواعد نظام دولي جديد متعدد الاقطاب وعادل وانتشر فكر المقاومة.وامام هذه التحولات دفعت امريكا اوكرانيا الى تهديد الامن القومي الروسي وادخال روسيا في الفوضى فقامت روسيا بسلخ القرم وضمته وفي شباط/ فبراير ٢٠٢٢ شنت روسيا حربا وقائية على اوكرانيا وضمت المقاطعات الناطقة بالروسية اليها.

لم تنجح حرب الناتو وامريكا وبات من المستحيل هزيمة الثلاثي الصاعد في اسيا.

ان الفشل الامريكي في اوكرانيا جعل الاستراتيجيين الامريكيين يندمون على عدم تجريد الاتحاد السوفياتي من سلاحه و ترسانته العسكرية بعد ان تم تفكيكه.ومنذ ذلك الوقت تعلمت امريكا ان الحرب لا يمكن حسمها ما لم يجرد العدو من سلاحه حتى لو هُزِمَ في الحرب واخذ في التراجع.وعلى ضوء هذا التحول في الاستراتيجية الامريكية يمكن فهم لماذا تُصِرُّ امريكا على ان تجرِّدَ ايران من اسلحتها الصاروخية وبرنامجها النووي، وعلى تجريد حزب الله من سلاحه حتى القنابل اليدوية وعلى القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة وتجريدها من سلاحا وعلى منع واجهاض اي مقاومة في الضفة.وينسحب هذا على اية مقاومة سورية وفصائل المقاومة العراقية واليمن.

* كل هذه التحركات الامريكية المحمومة في الاقليم هي لحماية فيلقها الاخير في الاقليم.في ظاهر السياسة الامريكية المحبة والحريصة على الكيان يكمن جوهر المثل العربي الذي يقول:(( ومن الحب ما قتل)).وهذا ما يذهب اليه  ناعوم شومسكي وايلان بابي بان مقتل اسرائيل سيكون على يد محبيها ومريديها.

اليس هذا ما يجري الان من الوعي الجماهيري ومنظمات المجتمع المدني في امريكا واوروبا رغم السبات العربي والاسلامي.

مهندس/ زياد ابو الرَّجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري