كتب الأستاذ حليم خاتون: عرقنة لبنان أم لبننة العراق..
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: عرقنة لبنان أم لبننة العراق..
3 آب 2022 , 22:16 م

صنع في أمريكا

Made in USA


يُعرف مجتمع ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، بمجتمع الجاهلية الاولى...

كأننا بالتاريخ يتنبأ بجاهلية ثانية وثالثة وعاشرة إلى أن يفرجها الله...

علميا، أتت صفة الجاهلية للتفريق بين المجتمع الذي لم يعرف الإسلام عن ذلك المجتمع الذي عرف هذا الدين...

فهل يمكن وصف مجتمعات الجهل في لبنان أو العراق بالجاهلية؟

في العراق، كل الأطراف المتصارعة تدين بالإسلام... شكلا على الأقل...

الأحزاب الكردية تنام على حرير أن تصحو يوماً، فتجد الفوضى قد عمت، وصار بالإمكان اعلان قيام إسرائيل ثانية في شمال العراق، خاصة أن قاسم سليماني لم يعد موجوداً لترجيح كفة الوحدة الوطنية من منطلق رفض تفتيت المنطقة؛ بالأخص حين يكون دعاة التقسيم عملاء لإسرائيل والغرب...

القيادات السنية ترحب بالفوضى والخلاف بين أحزاب "الروافض!" الذين جاء معظمهم على ظهر الدبابة الأميركية... دون أن يعني هذا استمرار سيادة الفكر القومي العربي التقدمي عند هؤلاء...

منذ ذلك اليوم، وهؤلاء جميعا يحكمون ظاهراً باسم الإسلام، وضمنا على وحي اميركا ودستور بريمر...

الأحزاب الشيعية هي اصلا تنطلق من أسس وضعها الأميركي...

وقعت هذه الأحزاب في الفخ الاميركي، فلا هي اخذت السلطة ومارستها، ولا هي انتقلت إلى صفوف الجماهير...

مقتدى الصدر الذي حارب الأميركيين أيام علاوي، ما لبث أن وقع في حبال دولة الاحتلال الأميركي،

اضاع الصدر الصغير البوصلة حين خلط بين محاربة الفساد وبين مخاصمة إيران رغم كل ما قدمته الجمهورية الإسلامية للمحافظة على كيان العراق الموحد...

أساساً، مقتدى الصدر لا يملك لا برامج، ولا رؤيا واضحة لما يجب أن يكون عليه العراق...

مقتدى اقرب إلى رجل الشارع البسيط العفوي الذي يتأثر بأي شيء ويتخذ مواقف شعبوية لا يلبث أن يتراجع عنها في تخبط يميز غياب هذه الرؤيا الواضحة... فهو يوما يدعو إلى ما يشبه المؤتمر التاسيسي، ويوما آخرا يرفض الحوار...

إذا كان مقتدى محق في شيء واحد على الأقل، فهو انه يواجه منظومة فساد رمت شباكها في كل مفاصل الدولة...

لكن مقتدى الصدر يتقدم على الإطار التنسيقي عبر المطالبة بإعادة النظر بالدستور لبناء الدولة بالفعل وليس على نسق نور المالكي... هذا بالإضافة إلى الاصرار على مبدأ المحاسبة فيما يخص الفاسدين...

الغريب في الأمر أن حلفاء المقاومة اللبنانية في العراق من حلفاء إيران لم يتلقفوا دعوات التيار الصدري لإعادة النظر في دستور مسؤول عن عدم خروج العراق من حالة الدولة الفاشلة...

أحزاب الإطار حكموا البلد في الظاهر، لكنهم كانوا دمية في أيدي الأميركيين...

تناوب هؤلاء على رئاسة الحكومات العراقية بحيث لم تأتي أمة إلا ولعنت اختها التي سبقت...

رئيس الحكومة الوحيد الذي حاول الخروج من تحت عباءة الأميركيين كان السيد عادل عبد المهدي، الذي تُرك لمصيره عندما سلطت اميركا عليه الرعاع من جماعة جورج سوروس تحت لافتات مزورة عن "مجتمع مدني" مزور...

أما نور المالكي، فيكفي أنه كان في رأس السلطة التي وقفت عاجزة أمام بضعة عشرات أو مئات من الدواعش، ولولا تدخل السيد السيستاني الذي دعا إلى تنظيم مقاومة شعبية بسبب فشل السلطة وكل الأجهزة عن الحفاظ على البلد... لكان العراق وقع فعلا في أيدي داعش...

صحيح أن لبنان والعراق يتشاركان في الانحدار إلى مستوى الدولة الفاشلة لكن هناك الكثير من التمايز بين البلدين لعل أهمها وجود قيادة واحدة للمقاومة في لبنان تتحالف ربما مع الفساد رغما عنها، لكنها عند الضرورة كثيرا ما حزمت أمرها وذهبت إلى المواجهة كما يحصل اليوم في مسألة المواجهة لاسترداد حقوق لبنان وثرواته...

ثم إذا كان لبنان أسير انقسام مذهبي حيث أكثرية ممثلي السنة والدروز يقفون في صفوف الرجعية العربية تحت مسمى "العروبة الحديثة" التي يقودها محمد بن سلمان، بينما يقف جزء مهم من المسيحيين في معسكر اميركا واسرائيل، فإن الوضع في العراق يجب أن يكون أكثر تقدماً...

لكن، بكل أسف، نجد أن الفوضى في العراق أكثر انتشارا منها في لبنان بفضل تخبط مقتدى الصدر نفسه...

لقد أثبت العراقيون أنهم عندما يريدون، يستطيعون هزيمة المشروع الأميركي... فعلوها قبلا ويستطيعون فعلها ثانية...

في لبنان، تسيطر اميركا بشكل أكبر بكثير من العراق عبر ادوات لها قواعد شعبية...

لذلك يخشى حزب الله مواجهة هؤلاء...

لكن إذا كان أفق المواجهة في العراق بعيدا، فإن المقاومة في لبنان سوف تضطر إلى المواجهة رغما عنها لأن إسرائيل لن تتراجع، وكذلك أميركا...

لقد تراجع لبنان وتخلى عن مساحات واسعة وعن حقوق وثروات ضخمة، وقد قبل حزب الله ذلك بشكل من الأشكال...

لكن، الحمدلله، لن تقبل إسرائيل بذلك وقريبا سوف نجد الوضع يسير تجاه صراع مفتوح لا تستطيع المقاومة إلا مواجهته...

حتى عملاء الداخل، لا يستطيعون سوى تنفيذ ما تريده إسرائيل والرجعية العربية...

لذلك ورغم كل التطمينات، فإن مقاومة حزب الله تقف اليوم أمام وضعين لا ثالث لهما:

إما الاصرار على كامل الحقوق والوصول بالتالي إلى الحرب ودفع غزة إلى نفس الامر؛ أو التراجع لأول مرة عن جزء من البحر والبر والدخول في ستاتيكو مرير ينتهي بنا إلى ما انتهى إليه النظام الرسمي العربي...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري