تعرية بسيطة لأمريكا\ مها علي
مقالات
تعرية بسيطة لأمريكا\ مها علي
9 آب 2022 , 12:26 م


الكاتبة : مها علي

قاتلوا عني, سأدفع لكم

وأحميكم هكذا وعدت أمريكا حُلفاءها...

قالت الصين: لا تلعبي بالنار يا واشنطن, لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة تلعب بالنار منذ تأسيسها, فهي بُنيت على السياسة المؤذية للآخر لأجل فرض هيمنتها والاستحواذ على كل شيء على الأرض , تماماً كما الإنسان الشرير الذي مات عنده الضمير وجميع المشاعر الإنسانية وبقي الفكر الشيطاني فقط لأجل أن يستثمره في التخطيط ورسم استراتيجيات اللعب بالنار عن بعد بحيث تحرق كل الكائنات الطبيعة مع البشر دون أن تقترب منها أمريكا.

ففي البداية ابتدعت عملة ورقية وهمية لا قيمة لها وأسمتها الدولار, وجعلت مركز طباعتها عندها في نيويورك, وفرضتها نظام على جميع دول العالم,فتحكمت في الاقتصاد العالمي منذ عام1948 بحيث أصبح كحبل مشنقة حول رقبة كل دولة, تستطيع أمريكا تضييقه وتوسيعه متى تريد, وأعطت نفسها دور مكافحة الإرهاب على سطح الأرض أينما ظهر, ثم بدأت بإنشائه في الدول التي تتمتع بثروات طبيعية أو بمواقع إستراتيجية, عبر اختيار مجموعات متطرفة

لا أخلاقية تُمولها مادياً ولوجستياً وعسكرياً, ثم تجعل لها غطاءً سياسياً تحت ذريعة نشر الديمقراطية وأن هذه المجموعات تدافع عن نفسها ضد حكومتها الفاسدة, ثم تتسلق واشنطن عليها لأجل دخولها وإقامة قواعد عسكرية أمريكية فيها ثم عن طريقها تقوم بنهب ثروات هذه الدول وتدمير بناها التحتية, وطمث معالمها التاريخية وتغيير هُوياتها, ومحاولة تعيين رؤساء طائعين لها ويتماشون مع سياستها الإجرامية العنصرية الساعية لمحو المجتمعات ونشر اللاأخلاق ودعم المثلية الجنسية.

بدأت بوعد بلفور عام 1917, الذي نص بتجميع يهود العالم في فلسطين, وإنشاء الكيان الصهيوني الغاصب على أرضها وطرد شعبها الأصليين إلى جميع دول العالم, بعد أن أعطت أوامر للدول باستقبال اللاجئين الفلسطينيين, ثم ابتكرت أحداث الحادي عشر من أيلول وضرب البرج في نيويورك عام 2001, ودخلت أفغانستان بعدها بذريعة مكافحة الإرهاب, ولكنها في النهاية سقطت بيد أعدائها وهم حركة طالبان, ولا ننسى أنها دخلت العراق عام 2003بذريعة امتلاكها أسلحة كيميائية ثم ثبت عدم وجودهذه الأسلحة,

ثم انتقلت إلى ليبيا وسوريا ومصر والسودان حيث قامت الولايات المتحدة بإشعال نار ما أسمته الربيع العربي عام 2011, القائم على تأليب الشعوب على حُكامها والمطالبة بما أسمته الديمقراطية, وسخرت جميع وسائل الإعلام لأغلب الدول الأوروبية وغالبية الدول العربية (خاصة الخليجية منها) بالإضافة إلى تركيا, بهدف دعم فكرتها في مكافحة الإرهاب وتزييف الحقائق على الأرض لأجل كسب الرأي العام العالمي, مُحاولة بذلك إيصال الإخوان المسلمين للحكم في جميع الدول العربية وذلك لأن الفكر الإخواني يناصر فكرها واستراتيجيتها العنصرية اللاأخلاقية واللادينية واللاإنسانية, وطبعاً لا يخفى على أحد أن هذه الخطوات سهلة التنفيذ وأمر يسير من خلال دفع الدولار, العملة الورقية الوهمية وشراء ضعيفي النفوس لأجل الخراب, لكنها فشلت.

مؤخراً انتقلت إلى أوكرانيا قائلةً لها: سأدفع لكِ وأمدك بالأسلحة , سأمدك بكل ما تحتاجينه ولكن قاتلي عني, قاتلي روسيا المنافس العنيد لي, روسيا التي تريد تخريب ما بنيته من هيمنة وسيطرة طوال عقود, قاتلي عني فأنا لا أريد أن أخسر دماء, وأخاف الدخول في الحروب, أنا فقط أنسج الشِباك, أُحيكُ الحيل الخبيثة, أنسج الأفخاخ وأمتص الدماء والثروات, قاتلي عني يا أوكرانيا فشعبك رخيص لا بأس إن مات وتقهقر وشُرد وعُذب, وهيا يا أوروبا جازفي وانتحري وعاقبي روسيا وتخلي عن غازها ونفطها واخنقي نفسك, فلا بأس على الشعب الأوروبي إن تشرد وتعذب, ولا بأس عليه إن تجمد في الشتاء ولا بأس إن انهار اليورو, المهم أن يبقى الدولار, المهم أن تبقى أمريكا صاحبة السيطرة العليا, والمهيمنة على الأرض.

أشعلت أمريكا حرب أوكرانيا ليس دفاعاً عن الحرية أو حتى الديمقراطية الأمريكية بل بحثاً عن مكاسب من الصعب أن تحدث دون تلك الحرب ومن المستحيل أن تحققها واشنطن وحيدة دون بيادق تقاتل لأجلها, فالبداية كانت بقرارات سياسية لكن ما تلاها هو ما يجلب المكسب لأمريكا, فبعد مرور شهرين من اندلاع الحرب في كييف , خرج جوبايدن ليقول: نحن لا نهاجم روسيا بل نساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد ما أسماه العدوان الروسي, وتحت هذه الذريعة رصد الكونغرس الأمريكي ثلاثة وثلاثين مليار دولار للحرب في كييف, كما أشار بايدن إلى أن أمريكا لن تسمح لروسيا بممارسة ابتزاز الغاز على حد وصفه وذلك للضغط على حلفائه الأوروبيين للتراجع عن دعمهم لكييف, طبعاً كان هدف أمريكا من هذه اللعبة القذرة قطع العلاقات الأوروبية مع روسيا, لضرب الاقتصاد الروسي بشكل مباشر منعاً لاستيراد أي بضائع من موسكو وحرمانها من نظام سويفت المصرفي وعقوبات على الروبل الروسي, كلها بهدف شل الاقتصاد الروسي بالكامل وجعل البلاد تعاني أزمات متفاقمة لكن أمريكا فشلت في هذا, فحتى الآن اقتصاد روسيا أكثر من جيد والروبل ارتفع أكثر أمام الدولار.

طرحت أمريكا العديد من البدائل ومن بينها كادت أن تحل هي بدلاً عن روسيا في ملف الغاز, وبالفعل انطلقت الشحنات الأمريكية نحو أوروبا دون توقف حتى وصلت للذروة في حزيران الماضي حيث قالت الوكالة الدولية للطاقة أن حجم شحنات الغاز الطبيعي المسال التي تصدره الولايات المتحدة إلى أوروبا تجاوز للمرة الأولى كمية الغاز الطبيعي الذي ترسله روسيا إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب, وهذا وهو ينقل بحراً في طرق شاقة حتى يصل للأوروبيين لكن واشنطن سعت بكل ما تملك لتنفذ ذلك المخطط كي تصبح رقبة الأوروبيين تحت أيديها.

وعلى الجانب الأهم أرادت واشنطن أن تنهك موسكو عسكرياً وذلك من خلال حرب مفتوحة في كييف لا يخرج منها منتصر, وحتى إذا خرج فسيخرج منها منهكاً لا يقوى على القتال في بقعة ثانية وحتى لا يفكر في إشعال أي توتر جديد حول العالم , لكن الواقع يقول أن روسيا لم تدخل بكامل قوتها العسكرية حتى الآن, ولا زالت قوية اقتصادياً وعسكرياً, والجميع بانتظار شارة النهاية للمخاض العسير الذي سيولد بعده النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب.  

المصدر: موقع إضاءات الإخباري