كتب زُهَيْر مَهْدي: من الرمل إلى الآفاق, قصةُ عِشقٍ بين شعبٍ وقبر
مقالات
كتب زُهَيْر مَهْدي: من الرمل إلى الآفاق, قصةُ عِشقٍ بين شعبٍ وقبر
16 أيلول 2022 , 21:35 م


قال له أخوه:

تَنَحَّ عن بيعة يزيد و عن الناس واسلُك بَوادي رمال الحجاز، كي تنجوَ بنفسك.

فاختار أن يصدح برفضه ليزيد،واختار رمالَ العراق كي يرويها بدمه، فاخضرَّت أُمَماً من الثوار، وصارت كُلُّ حبةِ رملٍ موقفاًوكُلُّ حَصاةٍ كلمة.

عرف الحسينُ أن رمال الحجاز خرساء، وأن لرمل العراق حديثاً يبلغ الآفاقَ صداه.

هدم الرشيدُ قبرَه، فهدم اللهُ عرشَه، وجعل بأسَ بعضِ أبنائه على بعض،

فقتل ابنُهُ المأمونُ أخاه، وأعاد بناءَ القبرِ رغماً عن أنفِ أبيه.

ولم يكُفَّ أهلُ العراق عن عِشقِ حُطامِ قبرِه، حتى بُني ثانيةً.

(السُنن شواهد، ورؤوس السلاطين خِلوٌمِن الِاعتبار).

سَلَّطَ المتوكلُ معاولَ الهدمِ على القبرِ المقاومِ،

وأصدر مرسوماً:

"زيارةٌ بِقَطعِ كَفّ".

دفع العراقيون أكُفَّهم ثمناً لِشَمِّ ثراه.

مرسومٌ آخر:

"زيارةٌ بمئة دينارٍ من الذهب".

باع الناسُ دُورَهم وضِيَاعَهم، كي يقصدوه.

مرسوم جديد:

"مِنْ كُل عشرة زوار يُقتل واحد".

تدافعوا لِلَثْم حَدِّ السيف، كما يلثُمُ الرضيعُ ثَدْيَ أُمِّه.

مِن كُلِّ عشرةٍ يُقتل خمسة،

يتهافتون.

مِن كل عشرة يُقتل تسعة،

فيمضي الناجي إلى القبر زائراً، ويرتقي التسعة للقاء المعشوق حياً.

مرسومٌ آخر:

يقضي بتجريف الحي كُله،

وإغراق القبر بالسيل،

فتقهقرت ثيران الحرث ممتنعة.

وحار السيلُ راكعاً حول الضريح، كأنه قِبلةُ الأمواه.

جَفَّ حِبرُ المراسيم، وما هي إلا ثلاثُ ليالٍ حتّى لَقِيَ (المتوكلُ) حتفَه، مُقطَّعاً إرْباًإرْباً،بسيف ابنه المنتصر.

فأعاد قاتل أبيه هذا بناءَ القبر،حتى صار ضريحاً رغم أنف أبيه ايضاً.

عرفَ الملوكُ شأنَ القبرِ الخالد،فأسهم في تعظيمه وتجديد عمرانه ملوكُ طبرستان والديلم وأمراء البطائح والبويهيين والمغول الجلائريين والصفويين.

(السُننُ شواهدُ، ورؤوس السلاطين خِلوٌمن الِاعتبار).

يُغيرُ(عبدُ العزيز بن محمد آل سعود) على كربلاء، بجيش لا يُمَيِّزُ بين الزواحف واللَّدائن.

ليس في المدينة سوى النساءِ و الاطفالِ والشيوخ. أما الرجالُ، فكانوا على موعدٍ لتجديد العهد بعليٍّ في النجف.

استباحوا كربلاءَ بطفٍّ ثانية،

و أجرَوا نهرَ دَمٍ في صحنِ الضريح،وتلالُ رؤوسٍ بريئة رُدمت بها الأزِقّة.

نهبوا النفائسَ وهدايا الملوكِ في المتحف.

فسَلَّطَ اللهُ على آل سعود (إبراهيم بن محمد علي باشا) يسومُهم سوءَ العذاب، في مَقتلةٍ عظيمة.

استوعب العراقيون الصدمة، وتقبلوا القُربانَ، وتحمَّلوا جِراحَ العشق.

(السُننُ شواهدُ، ورؤوسُ السلاطين خِلوٌمن الإعتبار).

مَنَعَ(صدامُ)المراثِيَ، وقطع طُرُقَ المشيِ إلى القبر، فركبت قوافلُ النُّساك صهوةَ الليل،

وافترشوا السواقيَ الضَّحلةَ تحتَ أزيزِ الرصاصِ

واهتدَوْا بِدَلالاتِ النَّجمِ سِراً، بلا راياتٍ ولا مشاعل.

يُمسَكونَ فيُقتَلون، أو يُسجَنون، فتعلوا ترانيمُ تهجُّدِهم في أقبيةِ السَّلخِْ وأخاديدِ الدَّفنِ الجَماعيِّ بنشيدِ العِشق الأبدي:

(أبد والله يا زهراءُ، ما نَنسى حُسينا).

ثاروا كِراماً، فانتفض العالمُ بوجوههم:

قُصِفت مُدُنُهم، قُتِّل شُبّانُهم

(حسين كامل)صهرُ صدام، يُرغي ويُزبِدُ مُتوعداً:

(إنتَ حسين و أنا حسين).

يُسَلِّطُ مدافعَه على القِباب، على الأزِقّةِتحت مرأى عالمٍ يطفحُ بدُعاةِ الفضيلة.

حربٌ إثْرَ حربٍ تُوقِدُها حساباتُ البترودولار الخليجية، وتُدفعُ أثمانُها بدم أبناءِ العراق.

حروبٌ.. مجاعاتٌ.. تجهيلٌ.. نفيٌ.. وحصار.

كُلُّ شيءٍ مات سريرياً إلا طريقَ العشق لا يُمكِنُ إعلانُ موتِ العراقِ رسمياً إلا بِقَطعِ شريانِ الطريقِ الواصلِ بالقبر.

(السُننُ شواهد، ورؤوسُ السلاطين خِلوٌمن الِاعتبار).

كُثبانُ نَجْدٍ والحجازِ تتمخضُ مِنْ جديد:

زحفٌ بالمفخخات على العتبات… في الأسواق … في الطرقات

مواكبُ وهميةٌ تُوزِّع السُّمومِ على المُشاة

خَطْفٌ وذَبْحٌ وقَنْص.

راياتٌ سودٌ، تسُدُّ وجهَ اللهِ

تزحفُ بالموت،شِعارُها:

(لاشيعة بعد اليومِ … لا قِباب).

(البغدادي) بعد(الزرقاوي) يقتفيان خطى (ابن عبد الوهاب).

تلعفرُ… جسرُ الأئمة … سبايكر … الصقلاوية

خميسٌ دامٍ … جمعةٌ دامية … أسبوعٌ دامٍ؛ والقوافلُ تسيرُ في خَطِّ موتٍ أحمر:

(لبيك يا حسين).

لن تقطعوا وريدَ العراق،

رملُ العراقِ صار حشداً،

كُلُّ صخرةٍ تصيح:

يا عراقيُّ ،،، يربضُ خلفي داعشيٌّ فَاقْتُلْهُ.

(السُننُ شواهدُ، ورؤوسُ السلاطين خِلوٌمن الِاعتبار).

مُعادلةٌ دولية تفرضُ على العراق حفنةَ لصوصٍ

كُلُّ لِصٍّ يَرفعُ قميصَ الحُسَيْنِ راية.

لُصوصٌ حُسِبوا على الشيعة، حِرفَتُهم ترحيلُ الأزمات...تضخيمُ... الحسابات المصرفية… تبريرُ الفشل.

لصوصٌ حُسِبوا على السُّنَّةِ

غَرسوا خِنجراً في خاصرةِ العراق؛نهبوامانهبوا،وباعوا مِنَ الذِّمَمِ ما باعوا.

لصوص حُسِبوا على الكُرْدِ؛

عصاباتٌ جبليةٌ… طفيلياتٌ تمتصُّ الدَّمَ العراقي،تبني أمبراطورياتٍ مالية.

وطابورٌ خامسٌ دأبُهم التشويهُ والانتقاصُ مِن تُركيا، مِن أمريكا، مِن دُبي، مِن أربيل وعمّان، صعاليكُ آراؤهم دَفْقاتُ استمناء فكريٍّ.

كانوا كالنعاج الخرساء قبل هروبهم

ولم يُجرِّبوا يوماً قول:( لا ) في حياتهم.

يكتبون بتثاؤبٍ من خَلْفِ لوحة الأحرف والأرقام (الكيبورد):

(إنَّ الحسينَ ثورةٌ) لا (مراسم).

قوافل العشق تمضي في الزحف لا تُلقي للثرثرة بالاً،

وأيادي البذل والعطاء تَنْبُتُ مِنَ الأرض كسنابل القمح.

في بيئةٍ من اللّامَنْطِقِ،في بلدٍ أُرِيدَ له أن لا يرقى في أرض قُطِعَتْ كُلُّ شرايينها إلا شريانَ الحسين الدافق

في أرض باتت مَكباً للأزمات

وساحةً لتصفيةِ الحسابات

وحلبةً لِتَصارُع ثيرانِ السياسة،

ومغارةَ كَنْزٍ خاويةً طالتها يَدُ السُّرَّاق،في بُقعةٍ من الأرضِ كتلكَ اختارَ الحسينُ موضعَ مُعجزته،ليقول:

إنَّ بَذْرَةَ الحُبِّ والحقِّ يُمكِنُها النُّمُوُّ في أشَدِّ الوِهادِ وُعورةً، وأكثرِها جدباً وعطَشا.

فمرحى لِحجيجِ الحسينِ من كُل فجٍ عميق قدوردوا.

مرحى لكاميراتِ العالَمِ المذهولِ بذوبانِ الإنسانِ في الإنسان.

مرحى للعيون الدامعةِ عَجَباً، مِن كَرَمِ العراقيين.

*فالحسينُ مُعجزةُ مُحمدٍ (ص).

*وشعبُ العراقِ مُعجزةُ الحسين (ع)

المصدر: موقع إضاءات الإخباري