خضعت الخلافة العباسية لسيطرة البويهيون والفرس لمدة مئة وعشر سنوات.استنجد الخلفاء بالسلاجقة وازالوا البويهيين واخذ السلاجقة يضيقون الخناق على الخلفاء وتحولت الخلافة الى امارات سلجوقية متنازعة.كان الامراء السلاجقة ابناء العمومة لا يعرفون بينهم اي تكاتف.ان على المرء ان يَقْتُلْ ليبقى على قيد الحياة. وكانوا يستعينون بفرق الحشاشين ليغتالوا منافسيهم.في اواخر القرن الحادي عشر بدات تركيا وسائر بلاد الشام تتعرض للغزو الصليبي.كان في اخر ذلك القرن شخصيتان عجيبتان رضوان ملك حلب واخوه الاصغر دُقاق ملك دمشق وكلاهما يضمر للاخر بغضا مقيما.رضوان ملك حلب لدى ارتقائه العرش عام ١٠٩٥م دَبَّرَ لخنق اثنين من اخوته الصغار خشية ان ينازعاه السلطان ذات يوم.ولم ينج ثالث الّا بالهرب من قلعة حلب في الليلة التي كان مقدرا فيها ان تطبق ايدي العبيد القوية على خناقه.وكان هذا الناجي دُقاق الذي نذر مذاك كرها اعمى وقد التجا بعد هربه الى دمشق فاعلنته حاميتها ملكا.
قام طنكري الوصيّ على انطاكية بمهاجمة جوار حلب وعاث فيها فسادا ونهبا مثلما فعل قبل عام في جوار دمشق واتسم رد فعل رضوان بمقدار من الجبن اكبر من الذي اظهره اخوه دُقاق .فانفذ الى طنكري يخبره باستعداده لاشباع كل نزواته اذا هو وافق على الابتعاد.وبلغت الصفاقة بالفرنج مبلغا لم يُعْرَف من قبل فطالبوا بوضع صليب ضخم على مئذنة المسجد الجامع في حلب وانصاع رضوان للامر.
ليس لملك دمشق الشاب شيء من صفات المدافع المتفاني عن الاسلام.فقد ثبت بالقلم العريض اثناء معركة انطاكية انه كان مستعدا لخيانة اصحابه في سبيل مطامحه المحلية.فهذا " السلجوقي" لم يكتشف بغتة ضرورة مجاهدة الكفار الّا في ربيع عام ١١٠٠م، فاذ اشتكى اليه احد اتباعه، وهو بدوي من هضبة الجولان، من هجمات فرنج القدس المتكررة على محاصيله وسرقتهم ماشيته، فقد قرر دُقاق ان يرهبهم .وبينما كان كندفري وذراعه الايمن طنكري ( طنكريد ) عائدين مع رجالهم من غزاة فائقة الغُنْم في احد ايام ايار/ مايو هاجمها جيش دمشق ولم يكن في وسع الفرنج الذين اثقلتهم الاسلاب ان يخوضوا المعركة فاَثروا الهرب تاركين وراءهم عدة قتلى .حتى طنكري نفسه لم ينجُ الّا باعجوبة.
وطلبا للانتقام فقد نظم غارة ثأرية على نواحي العاصمة الشامية، ودُمِّرَت البساتين ونهبت القرى واحرقت.ولم يجرؤ دُقاق ، وقد فوجيء بضخامة الرد وسرعته على التدخل ونظرا لتقلُّبه المالوف، وسرعان ما ندم بمرارة على العملية التي قام بها في الجولان .فقد بلغ به الامر ان عرض على طنكري ان يدفع له مبلغا من المال اذا هو وافق على الابتعاد.لم يكن من امر هذا العرض الّا ان شدّد بالطبع من عزيمة الامير الفرنجي.واذ اعتبر تبعا لكل منطق ان الملك كان في وضع حرج فقد ارسل اليه وفدا من ستة اشخاص لاخطاره بضرورة اعتناق الديانة المسيحية او تسليم دمشق اليه.لم يكن ينقص الّا هذا! لقد جرح هذا القدر من الصفاقة كرامة " السلجوقي" فاذا هو يامر بالقبض على المبعوثين ويلزمهم بدوره وهو يُفَأفيء من الغضب بان يعتنقوا الاسلام.وقبل واحد منهم وقطعت على الفور رؤوس الخمسة الباقين.
ما ان عُرِف الخبر حتى انضم كندفري الى طنكري وقاما ومن معهما من الرجال بعملية تدمير منظم لجوار العاصمة الشامية دامت عشرة ايام وغدا سهل الغوطة الخصب الذي يُحْدِق بدمشق (( احداق الهالة بالقمر ))حسب تعبير ابن جبير، في حالة يرثى لها.ولم يحرك دُقاق ساكنا وظل محتبسا في قصره بانتظار انقضاء الاعصار،مع ان تابعه الذي في الجولان خرج عن طوعه واخذ يدفع الجزية السنوية مذاك الى سادة القدس.واخطر من ذلك ايضا ان سكان العاصمة الشامية بدأوا يشتكون من عجز حكامهم عن حمايتهم ويتذمرون من اولئك الجنود الاتراك الذين يتبخترون في الاسواق كالطواويس ويختفون تحت الارض عندما يكون العدو على ابواب المدينة.
* ان التاريخ لا يكتب مرة واحدة بل تعاد كتابته باستمرار.فالتاريخ ايضا يعيد نفسه لكن في حلقة فوق التي تحتها.وضعت امريكا سورية على مشرحة التقسيم العرقي والطائفي وسلطت عليها كل المجموعات الارهابية ( داعش، القاعدة،النصرة وهيئة تحرير الشام ) واوكلت لحاضنتها تنظيم الاخوان الدولي ومشايخه الذين افتوا بشرعية اعمالهم الاجرامية .فتح اردوغان موانئه وحدوده البرية ومطاراته لاستقبال جماعات الارهاب العالمي وجهز لهم معسكرات التدريب وزودهم بالسلاح اللازم ، اقام غرفة عمليات عسكرية شارك فيها ضباط الناتو .موَّلت دول النفط الديموقراطية ! بمليارات الدولارات الحملة الارهابية على سورية،فرضت امريكا والاتحاد الاوروبي حصارا اقتصاديا خانقا جوَّعَ الشعب السوري وتحولت سورية الى دولة فاشلة ومجتمع غير متماسك يقاتل بعضه البعض .قام اردوغان باحتضان هيئة تحرير الشام في غربي حلب وادلب المحافظة الخصبة وحولها الى امارة عثمانية اقام فيها الجيش التركي عشرات النقاط العسكرية واطلق العنان للجولاني ليصفي خصومه ومنافسيه.صار الجولاني الامير " السلجوقي" لامارة ادلب بلا منازع.
ادت عملية الاستلام والتسليم الى انهيار الدولة وسقوط النظام بلا.رجعة مرة والى الابد.تولى الخليفة ( احمد المستظهر - اردوغان )تنصيب الامير " السلجوقي" ابو محمد الجولاني (( دُقاق )) العصر اماما وواليا على الشام.هرعت اجهزة الاعلام والمحطات الفضائية الى التغطية المستمرة لكل ما يجري في كل زاوية في سورية عبر شبكة واسعة من عشرات المراسلين وفي مقدمها جزيرة ديفيد كمخي والعربية والسكاي نيوز والعربي الخ.
قام الخبراء المختصين بتغيير الصورة والتَصَوُّرْ وقدموا لنا الجولاني الذي نعرفه باللحية الكثة والطويلة وعصبة الراس واللباس المموَّه والقفاز الحديدي وصار احمد الشرع بالبدلة الرسمية واللحية المشذبة والابتسامة المتواضعةوالقفاز الحريري.وكفروا كل من يستخدم تسميته بالجولاني.
قامت كاميرات التلفاز التي لا تتيح لنا رؤية التعقيدات واجتزأت الصورة الجديدة وثَبَّتَتْ العدسات عليها فاصبح الجولاني( الشرع) هائلا يغزو كل الشاشات التي جعلت منه اماما للمسلمين في الشام وواليها الذي استحوذ على كل السلطات واخفت هشاشته ، وخلطت الاوراق السياسية والدينية وصار هو المركز الثابت الذي يدور حوله الاخرون.صار لزاما عليه كحاكم مطلق الايهام بانه الذي يمسك بكل خيوط اللعبة، لكنه في الحقيقة عليه ان يتصرف حسبما تمليه توازنات المُشَغَّلين والاحزاب والفصائل وظروفه الذاتية.حاول ان يقيس قبل ان يغوص فطالب الفصائل والنظمات الاخرى بتسليم اسلحتها والدخول في حوار من اجل مستقبل سورية .لم تستجب امارة " قسد" في شرق الفرات ولا امارة الدروز في السويداء.فبات مردوعا من الامريكي والصهيوني الذي تحتل قواته ثلاثة محافظات سورية السويداء، درعا والقنيطرة وترابط قواته على مقربة من دمشق.فسقطت هيبته وانكشفت عورته.فعاد الى طبعه الاصيل الارهابي الدموي وعلى نهج احمد باشا دبَّر مجزرة الساحل بذريعة احباط محاولة انقلاب مزعومة والكل يعرف ان العاصمة هي هدف اي انقلاب اما الاطراف فتسمى حالة تمرد.غابت الفضائيات ومراسلوها ولم تكلف نفسها بتغطية المجازر الدموية في الساحل السوري وروجت لمحاولة الانقلاب المزعومة.
سقط القناع الذي اخفته اللحية المشذبة وبان اللباس المموه تحت البدلة الرسمية ، وخلع قفاز الحرير وبان الجولاني (( دُقاق )) العصر الذي لا سلطان له الا على دمشق
وسيبقى كذلك حتى يتنازل عن الجولان وواجزاء اخرى من سورية ويطبع مع الكيان.بعد ذلك سيجهز الامريكي اسلامبولي سوري على غرار اسلامبولي مصر ويفرغ رصاص رشاشه في راسه.
التاريخ يتقدم ولا يرحم.
والدَّهر ملك العبقرية وحدها.
لا ملك جبَّار ولا سفّاح.
والنظام العالمي متعدد الاقطاب.
صار على الابواب.
وانه من لسعة الاوساخ.
ستنمو خمرة الاعناب.
وسيُغنّي على زماننا زرياب.
ونعود في الشام جميعا
رغم العذاب اخوة واصحاب واحباب
مهندس/ زياد ابو الرجا.



