من صحافة العدو ... ترجمة غسان محمد
عين علی العدو
من صحافة العدو ... ترجمة غسان محمد
16 تشرين الأول 2022 , 13:20 م


صحيفة هآرتس:

مثل حريق في حقل ألغام: اشتعال العنف في المناطق قد يتدهور أكثر

بقلم: عاموس هرئيل:

من جنين إلى نابلس، إلى أحياء القدس الشرقية، وربما أيضا إلى الحرم القدسي والخط الأخضر: تتراكم الصعوبات الإسرائيلية، ويمكن أن يعود استخدام القوة كضربة مرتدة. الدلائل والمؤشرات التي تنذر بالسوء، تواصل التراكم. نحن في ذروة سلسلة الأحداث الأكثر صعوبة التي نتذكرها في الضفة الغربية منذ شبه انتفاضة عمليات الطعن والدهس التي بدأت في خريف 2015، وخبت في ربيع 2016. العنف الذي اندلع في شهر آذار الماضي، والذي كان يبدو أنه تم وقفه في أشهر الصيف عاد مرة أخرى إلى الاشتعال. ورغم إصار الجيش الإسرائيلي على القول إن هذه الظاهرة تقتصر على شمال الضفة ومحيط جنين ونابلس إلا أنه يظهر الآن حدوث انزلاق إلى مناطق أخرى.

مؤخرا يبدو أن شرقي القدس أيضا يشتعل. هناك خطر من أن تنزلق الأحداث مرة أخرى إلى حدود الخط الأخضر إلى درجة حدوث مواجهات محتملة في المدن المختلطة. والبشرى السارة الوحيدة هي أن قطاع غزة ما زال يراقب الأحداث عن كثب. التوتر في القدس ازداد منذ موت الجندية نوعا لازار، التي قتلت في عملية إطلاق النار على حاجز شعفاط مساء السبت الماضي.

قنبلة موقوتة

من المرجح أن "الشاباك" سيعثر على عدي التميمي، الذي اتطلق النار على الجندية لازار، لكن في هذه الأثناء ما زالت القنبلة الموقوتة موجودة في الأحياء الفلسطينية في شرق وشمال المدينة. الدليل الأول على ذلك سُجل بالأمس، بإطلاق الرصاص على قوة لحرس الحدود على حاجز قلندية، الذي تصادف وجود عائلة يهودية في سيارتها، تم إنقاذها بصعوبة.

المواجهات الليلية جاءت في نهاية يوم من الإضراب العام الذي أعلن عنه في شرقي المدينة. أفيف سترسكي، العضو في جمعية "عير عاميم" الذي يتابع منذ سنوات الأحداث في القدس، يعتقد أن الإضراب يعكس محاولة للانتقال من المظاهرات العنيفة وأعمال إطلاق النار إلى احتجاج شعبي أوسع، مع توسع ساحة الأحداث من الضفة إلى القدس. وحسب رأيه، يضع هذا التوجه تحديا مزدوجا أمام القوات الإسرائيلية. الأول، هو أن قمع احتجاج بالقوة، خلافا لمواجهة مع عدد محدود من المشاغبين، يمكن أن يؤدي إلى اشتداد المواجهات. والثاني، في القدس حيث لا توجد امكانية فعلية لعزل المواجهات، لذلك فإن هذه المواجهات ستنزلق أيضا إلى الأحياء اليهودية.

وزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، أمر الشرطة بتخفيف التدقيق على من يخرجون من مخيم شعفاط نحو رام الله، التي أدت هناك الى اختناقات شديدة مؤخرا. وفي نفس الوقت، تقرر تعزيز قوات الشرطة في القدس وتجنيد أربعة فصائل احتياط من حرس الحدود، سيتم وضعها في حالة تأهب إذا حدثت أعمال عنف داخل الخط الأخضر. ومع نهاية الأسبوع، يتم التخطيط للقيام بتنظيم مظاهرات احتجاج أولية في الوسط العربي باسرائيل. وقيل خلال مشاورات أمنية جرت عند رئيس الحكومة يائير لابيد، إن حماس والجهاد تحاولان تسخين الأجواء في الحرم من خلال نشر أخبار كاذبة عن خطوات تقوم بها إسرائيل في الحرم.

خطأ كبير… وتنظيم جديد وخطير

هناك خطوة قامت بها إسرائيل، هي فرض قيود على دخول المصلين المسلمين إلى الحرم، الأمر الذي من شأنه تفجير الهيجان في شرقي القدس، بالمقارنة مع الوجود اليهودي المتزايد في الحرم في عيد العرش. واستخدام القوة أمام احتجاج فلسطيني سيكون خطأ كبيرا يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع أكثر.

تعكس نابلس، حالة مثيرة للاهتمام. ففي الوقت الذي ظهر فيه أن السلطة تنازلت كليا عن محاولة السيطرة على جنين، فإنها تدير إلى الجنوب من هناك معركة أمام تنظيم محلي جديد هو "عرين الأسود". فالنشطاء الشباب الذين جاءوا من القرى القريبة من المدينة وتمركزوا في قصبة نابلس القديمة، يراكمون لأنفسهم نجاحات ومؤيدين. وقد أعلنوا يوم الثلاثاء الماضي المسؤولية عن إطلاق النار الذي أدى إلى قتل الرقيب الاول من لواء جفعاتي، عيدو باروخ، أثناء القيام بتأمين مسيرة للمستوطنين قرب شفيه شومرون.

في الأشهر الأخيرة، قُتل أو أُصيب 4 أعضاء من التنظيم في مواجهات مع الجيش. وتم اعتقال بعض النشطاء من قبل إسرائيل والسلطة. هذا التنظيم ليس مجرد تنظيم، بل هو أكثر حركة شبابية بحوزتها سلاح، كما قال ضابط رفيع في الجيش الاسرائيلي، مضيفا أنه لا توجد أي هرمية أو توجيه من الخارج، بل بضع عشرات من الشباب تتراوح أعمارهم بين 18 فما فوق وعينهم على "تيك توك، حيث يقومون طوال الوقت بفحص مدى تأييد الجمهور لهم، ويجدون أن التعاطف كبير جدا، لأن هذه المجموعة تبني بشكل ثابت صورتها في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الإعلام الفلسطينية.

بعد موت الجندي الاسرائيلي، باروخ، يمكن التقدير بأن إسرائيل ستركز جهودها الاستخباراتية وعملياتها أكثر في نابلس، إضافة الى حملات الاعتقال التي تقوم بها في جنين بصورة شبه يومية.

هل هي انتفاضة ثالثة..؟

النقاش الذي يتناول مسألة ما إذا هل الحديث يدور عن انتفاضة ثالثة، يعتبر شكليا أكثر مما هو عملي. وفي الواقع، فإن أحداث إطلاق النار تحدث كل يوم، وقد أسفرت في الشهر الماضي عن مقتل ثلاثة جنود ومواطنة إسرائيلية، قتلت في حولون على يد عامل فلسطيني، وإضافة إلى ذلك قتل عشرات الفلسطينيين. وهذا جدول أعمال مختلف خطير، ومن المرجح أنه سيكون له في نهاية المطاف تأثير على خطوات المستوى السياسي، وخاصة مع قرب الانتخابات.

رئيس "الليكود" بنيامين نتنياهون يحاول في هذه الأثناء أن يملي الرواية على جهاز الأمن، لكن من دون نجاح حتى الآن. فهو يجد نفسه يطارد خطوات لابيد. وربما تسنح له الفرصة، إذا تمكن مرة أخرى من تركيز النقاش على مسألة الأمن الشخصي للمواطنين، وعندها فإن الائتلاف يمكن أن يجد نفسه في مأزق. هذا يمكن أن يحدث إذا عاد الإرهاب إلى داخل حدود الخط الأخضر.

موقع زمن اسرائيل":

مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط

بقلم: د. أرنون غروس

تتمتع دولة إسرائيل بمكانة استثنائية في الشرق الأوسط، مما يلزمها بالحذر الدائم في مواجهة التهديدات المتغيرة. اتفاقيات السلام التي تم التوصل إليها في السنوات الأخيرة والتطبيع النسبي الذي رافقها، تعد إنجازا بالغ الأهمية، لكنه لا يغيّر وضعه والمخاطر التي ينطوي عليها.

اليهود هم من أصل شرق أوسطي وفقا لتقاليدهم، ووفقا للتقارير التاريخية، فإن الاكتشافات الأثرية تشير إلى خصائص الديانة اليهودية ولغتهم العبرية السامية. لذلك يجب أن يُنظر إلى دولتهم الوطنية في العصر الحديث - إسرائيل - على أنها جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط.

لكن جذور إسرائيل في المنطقة متجذرة في فترات تاريخية سابقة، ولكن ثقافتها لا تشكل جزءا من وعي الشعوب التي تعيش هناك الآن. وإذا حكمنا عليها وفقا لمعظم المؤشرات المستخدمة في العلوم الاجتماعية، سنجد أنها مختلفة تماما عن دول الشرق الأوسط الأخرى اليوم. هذه هي الطريقة التي يرانا بها سكانها. نحن نُعتبر أجانب في الشرق الأوسط الحالي، ولسنا أجانب فقط ولكننا نعتبر تهديدا. وفي نظر سكان المنطقة الذين لا يريدون الاعتراف بماضينا حيث يُنظر إلينا كمستوطنين استعماريين قادمين لاقتلاع الشعوب الأصلية. لكننا لا نُقبل حتى من قبل أولئك الذين يعرفون ماضينا هنا. وبالنسبة لهم، نحن نوع من الظهور الذي جاء من بين الأموات لإزعاج بقية السكان الحاليين بمطالب حقوق الملكية التي تلاشت على مر السنين.

أكثر من ذلك، فإن مجرد رفع مطالبانا، يمكن ان يؤدي إلى طرح الادعاءات التاريخية للشعوب القديمة الأخرى، التي تتناثر رفاتها هنا وهناك في الشرق الأوسط أو خارجه، مثل الأقباط في مصر والناطقين بالآرامية، والمسيحيون في سورية والعراق. وبالتالي، فإن إسرائيل اليهودية تشكل تهديدا للنظام الحالي في الشرق الأوسط، الذي يتسم اليوم بأغلبية عربية- مسلمة.

كان هذا هو الرأي السائد منذ سنوات بين الغالبية العظمى من سكان المنطقة، بما في ذلك العديد من أولئك الذين يسعون إلى التقرب منا اليوم لأسباب تكتيكية، نابعة من التهديدات الموجهة إليهم من أعداء أكبر، مثل دول الخليج.

لسوء الحظ، أدى انتشار استخدام وسائل الاتصال الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي إلى تكثيف إدخال هذا المفهوم إلى شرائح واسعة من الجمهور من حولنا. هذا على الرغم من تطور ظاهرة جديدة من الفضول، وحتى التعاطف تجاه إسرائيل من قبل دوائر في العالم من حولنا، التي كانت لا تزال خاملة في الستينيات مقارنة بموجات العداء.

أكثر من ذلك ، فإن العداء العام لإسرائيل في المنطقة له بعد آخر: منذ سنوات يعتمد عليه القادة في الشرق الأوسط الذين لديهم طموحات توسعية خارج حدود بلدانهم. وقد تطلب ذلك منهم محاربة الأنظمة العربية التي أعاقتهم في ذلك، وكانت الطريقة الأكثر ملاءمة للقيام بذلك هي الاتصال بشعوبهم مباشرة وكسب تعاطفهم من خلال تقديم أنفسهم كمقاتلين شجعان ضد إسرائيل. هكذا تصرف الرئيس المصري عبد الناصر في الماضي تحت لواء القومية العربية تحت قيادته، وآية الله الخميني باسم الثورة الإسلامية في إيران، وخلفاؤه يسيرون على خطاه.

في السنوات الأخيرة، ظهر حاكم آخر بطموحات قيادية إقليمية خارج حدود بلاده، هو أردوغان في تركيا، وانعكس ذلك في خطابه تجاه إسرائيل في هذه السنوات، عندما اعتُبر النظامان في مصر والسعودية منافسين له.

في العام الماضي، كان هناك اعتدال من جانب أردوغان تجاههم وتجاه إسرائيل، نتيجة القيود الداخلية، وخاصة الاقتصادية. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان قد تخلى عن طموحاته، وما إذا كان هذا الاعتدال يعبر عن تغيير جوهري في سياسته طويلة المدى. دخول تركيا كلاعب فاعل في المنطقة إلى جانب إيران، بينما يضعف العالم العربي الذي وقف أمامنا في الماضي، نتيجة أحداث "الربيع العربي"، يضع إسرائيل في وضع جديد.

من جهة، تقف إيران التي تعمل ضدنا عن بعد، من خلال حزب الله وقوى أخرى في منطقتنا- مجندون شيعة في سورية والجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس أحيانا- وتحاول تعزيز نفوذها من خلال الوصول إلى دولة عتبة نووية، وهو أمر من شأنه أن يغيّر موازين القوى في المنطقة ويؤدي إلى جهود مماثلة من قبل تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات.

يجب أن نتذكر أنه لا توجد سابقة تاريخية لقوة عالمية تعمل عسكريا لمنع أي دولة من الحصول على أسلحة نووية، ومن الصعب الافتراض أن هذا سيحدث الآن. إن نجاحات إسرائيل في هذا المجال في الماضي، ضد العراق وسورية، سيكون من الصعب تكرارها ضد إيران. فوضعها مختلف تماما، وستكون قادرة على العودة إلى النشاط بعد هجوم ناجح، ما لم يتم تغيير النظام هناك أو يغيّر سياساته.

من ناحية أخرى، فإن تركيا في حالة تبنيها موقفا معاديا لإسرائيل، تعتبر قوة إقليمية تتمتع بقدرات عسكرية وتكنولوجية على مستوى أعلى بكثير من إيران. كما أن لديها إمكانية وصول جغرافي أكثر ملاءمة ورافعات ضغط على إسرائيل على شكل السيطرة على مرور المواد الاستراتيجية إليها- الغذاء والطاقة- والقدرة على تهديد سبل عيش إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط، وتأثير أكبر من إيران على الرأي العام العربي، لدرجة تهديد اتفاقيات السلام بين إسرائيل وجيرانها في حال الأزمة.

في هذا السياق، فإن قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، والمُقرّب أيديولوجيا من النظام الحالي في تركيا، يصبح أيضا تهديدا استراتيجيا محتملا لكل من إسرائيل ومصر، إذا اختارت تركيا القيام بذلك.

قد لا يكون أمام إسرائيل خيار في المستقبل سوى قبول التحفظات التي تتماشى مع السياسة التركية، وخاصة تجاه الفلسطينيين. ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يكون الخيار الوحيد أمامها هو الوقوف ضد تركيا. وفي كلتا الحالتين، يجب أن تُحسّن موقعها على المدى الطويل من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، كما يجب التركيز بشكل خاص على رفع مستوى قدرات البحرية في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط.

تقويض النظام العالمي نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا يؤدي إلى تعريض منطقة الشرق الأوسط لخطر خاص بسبب عدم استقرارها. فلا احد يعرف متى وأين ستندلع الأزمة، وربما تكون أقرب مما نعتقد. لهذا السبب يجب أن تكون مستعدا قدر الإمكان لمواجهتها.

صحيفة معاريف:

الاتفاق مع لبنان معقول لكن الوصول إليه كان أقل من ذلك بكثير

بقلم: طال ل ليف رام

حزب الله ليس المستفيد الأكبر من اتفاق التسوية بين إسرائيل ولبنان حول المياه الاقتصادية وتوزيع الأرباح في خزان صيدا - قانا بين الطرفين. الاتفاق هو أولا وقبل كل شيء مصلحة مميزة لكل من إسرائيل ولبنان. حزب الله عارض تقليديا الاتفاقات بين لبنان وإسرائيل، لأنها قد تقيد خطواته ومرونته في استخدام القوة العسكرية عندما يراها مناسبة.

لم ينفجر السلام بين إسرائيل ولبنان، ولا توجد مؤشرات على التطبيع، خاصة عندما يكون لبنان دولة مفلسة. لكن الاتفاق الذي يتطلب حوارا مستمرا بين إسرائيل ولبنان بضمان أمريكي وفرنسي بعيد كل البعد عن أن يكون في قلب حزب الله.

أولئك الذين يرغبون في التقليل من قيمة الضمانات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل والرعاية التي توفرها للاتفاقية، مدعوون للوقوف في طابور التنازل عن ميزانية المساعدات والمنح الأمنية الخاصة والتحالف العسكري الذي أصبح أكثر إحكاما بعد "اتفاقيات أبراهام".

صحيح أن حزب الله ربح انجازا واضح وحقق بعض النجاح، لأنه تم التوصل إلى الاتفاق بسبب تهديداته بالتصعيد والقلق الإسرائيلي. وإلى حد كبير، لعبت إسرائيل بالفعل لصالح حسن نصر الله، عندما زعمت أن أحد الدوافع للتوقيع السريع على الاتفاقية هو الخوف من التصعيد. لكن حتى عندما يستطيع نصرالله أن يدعي تحقيق إنجاز في الوعي لصالحه، فمن منظور بعيد المدى، فإن إزالة اللغم البحري من قلب الصراع مع لبنان، تترك حزب الله مع الخلافات الحدودية المعروفة كدافع لمواصلة تأجيج الحرب، والصراع مع إسرائيل، كشخص يسعى لتقديم نفسه على أنه المدافع عن لبنان، وهو في هذه الفترة لا يفعل ذلك بنجاح كبير.

حتى قبل أن تنشغل إسرائيل بنفخ صدر نصر الله، عندما يتأثر الخطاب بشكل واضح بالحملات السياسية عشية الانتخابات، من الأفضل أن نتذكر أن موافقة نصر الله العلنية على الاتفاق مع إسرائيل لا تعبر فقط عن رضاه عن الشعور بالفوز. فحزب الله يدرك أن قبول الاتفاق ينبع من قيود تتطلب منه تفضيل مصالح لبنان على مصالح إيران، ومن هنا القيود التي يفرضها على استخدام القوة.

ادعاء رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو بأن أموال الغاز ستؤدي إلى تقوية حزب الله بالصواريخ، هو ادعاء غريب، خاصة في ضوء حقيقة أن المفاوضات كانت تحت مسؤوليته لسنوات عديدة، وهذه الحجة لم تذكر على شفتيه. يجب أن نتذكر أنه حتى بدون الغاز وأصول الطاقة الظاهرة، زاد حزب الله بشكل كبير من عدد الصواريخ منذ حرب لبنان الثانية، عندما كان نتنياهو رئيسا للحكومة في معظم هذه السنوات.

الادعاء الآخر بأنه بعد الاتفاق سيكون مقر إيران في رأس الناقورة، هو بالفعل ديماغوجية كاملة. فعلى مدى سنوات، كانت إيران تستفيد من اعتماد لبنان عليها، بما في ذلك مصادر الطاقة. واستقلال لبنان في مجال الطاقة أبعد ما يكون عن كونه جزءا من المصالح الاقتصادية أو السياسية الإيرانية.

الاتفاق مع لبنان يبدو معقولا بالنسبة لإسرائيل أيضا، رغم أن الطريق إليه كان أقل معقولية. حتى الآن، لم يتم الاعتراف بخط الحدود المائية السيادية لإسرائيل مع لبنان، الذي تم تحديده سابقا بشكل أحادي الجانب دون اعتراف وموافقة دوليين، ولكن تم التوصل إلى حل وسط لإنشاء الوضع الراهن بشأن هذه القضية.

الاتفاق الذي تم التوصل إليه يحمل في طياته إمكانات استراتيجية إيجابية لمستقبل المنطقة ولزيادة الاستقرار فيها، ولكن ليس هناك ما يدعو للاحتفال. لا بالطريقة التي تم بها تحقيق الاتفاق، ولا بتوقيت الموافقة عليها، قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات، عندما يكون أي نقاش عام ذي صلة حولها محكوم عليه بالفشل.

في مثل هذا الواقع، لا عجب أن يسجل نصرالله كل تصريح مضاد يُسمع من اليمين السياسي في إسرائيل بأن الاتفاق يعبر عن استسلام غير مشروط لحزب الله. فنصرالله، انتصر بإنجازات لا يستحقها، عندما يرتفع خطاب غير مسؤول وديماغوجي ومليء بالتفاصيل الكاذبة. اتفاق من هذا النوع، الذي يثير جدلا حادا في إسرائيل، كان يجب التوقيع عليه بعد الانتخابات، وليس عندما يتحول النقاش إلى حلقة ملاكمة سياسية.

الضغط الأمريكي، والفرصة الأخيرة للرئيس اللبناني ميشال عون الذي سينتهي قريبا فترة ولايته، وضرورة أمنية خاصة، هي الأسباب التي قدمها المستوى السياسي والأمني لشرح ضرورة الإسراع بالتوقيع على الاتفاق.

في النهاية، بغض النظر عن الطريقة التي تدور الأمور، كان الخوف من تصعيد أمني تجاه حزب الله بسبب تهديداته على خلفية بدء الضخ من "القرش" هو الذي وقف بوضوح كاعتبار مهيمن في صناعة القرار. فقد قدّرت المؤسسة الأمنية أن يؤدي بدء الضخ دون اتفاق إلى تصعيد. فكرة تجنب المواجهة العسكرية غير الضرورية مفهومة، لكن السؤال الكبير هو لماذا تحتاج إسرائيل العودة إلى لعبة الدجاجة التي تحاكي سيارتين في مسار تصادم، ويكون الفائز هو الأول، الذي استمر في الجري دون انحراف السيارة، بينما كان يراهن على أن خصمه سوف يرمش أولا..؟.

من وجهة نظر إسرائيل، السؤال ليس لماذا كانت أول من أدار العجلة لتجنب الاصطدام. هذه ليست المرة الأولى وربما ليست الأخيرة. ففي عهد نتنياهو نفسه كرئيس للوزراء، غالبا ما كانت تُتخذ قرارات للحد من الرد العسكري من أجل تجنب المواجهات العسكرية مع حزب الله. كان هذا هو الحال عندما امتنعت إسرائيل عن القضاء على خلية حزب الله التي تسللت إلى أراضي الدولة بهدف إلحاق الضرر بجنود الجيش الإسرائيلي في جبل الدب، وفي حوادث أخرى، من أجل منح حزب الله شعورا بالنجاح في عملية الانتقام. أو حتى تجنب إصابة مركبة أطلقت صواريخ على طائرة إسرائيلية بدون طيار فوق سماء لبنان في عام 2019، في حدث غيّر منذ ذلك الحين الطريقة التي يستخدم بها الجيش الإسرائيلي طائرات بدون طيار في المنطقة.

كانت إسرائيل حريصة، في ضوء الاعتبارات المنطقية المتمثلة في الإحجام عن الحرب، على الامتناع عن المزيد من الأحداث. والجانب الآخر، الأضعف بكثير، ليس أقل ارتداعا عن الحرب ويفهم معناها جيدا، وقد نجح فقط، مرارا وتكرارا في وضع إسرائيل القوية ضد الضعيف على الطريق في مرحلة لعبة الدجاجة، ويراهن على ان تكون هي أول من يحرك العجلة.

لكن حدث المياه الاقتصادي مختلف. فلسنوات كانت البيانات معروفة، وكانت الحاجة للتوصل إلى تسوية معروفة، لكنها تعثرت خلال المفاوضات التي دارت بتكاسل لمدة عقد. وفي عرض رائع من المماطلة، تم دفع إسرائيل للتوقيع على اتفاق، فقط بعد تهديدات صريحة من حزب الله بتصعيد الوضع الأمني. والشيء الوحيد المطروح عشية التوقيع هو إما اتفاق أو مواجهة عسكرية، وهناك في النظام السياسي- الأمني من يعتقد أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أفضل قبل تهديدات نصرالله.

الادعاء بأن لبيد تنازل في الاتفاق أكثر من نتنياهو، صحيح، لكن من ناحية أخرى، فإن الأخير لم يحل المشكلة باتفاق مبكر، ومن الواضح أنه كان سيقلل بشكل كبير من حدة الملحمة الأخيرة. كرئيس للوزراء في الماضي، رأى هو أيضا الأهمية البراغماتية لتوقيع اتفاقية، وأن يكون للبنان منصة غاز كعامل استقرار أمني. خلاصة القول، نتنياهو ، الذي يدعي اليوم أنه كان من الممكن التوصل إلى اتفاق أفضل، لم يثبت ذلك خلال سنواته عندما كان على رأس السفينة. الاتفاق، معقول، لكن طريقة الوصول إليه والظهر على الحائط وتحت تهديد حزب الله، أقل معقولية بكثير، وتوقيت التوقيع إشكالي للغاية. كل هذه القضايا ذات صلة وذات صلة بالنقاش العام المشروع، ولكن هناك مسافة كبيرة بين ادعاءات انتهاك السيادة الإسرائيلية والتنازل عن حقوق الوطن عندما يتعلق الأمر بالحقوق الاقتصادية، والمطالبات بإجراء استفتاء، واتهامات بيع الوطن.

صحيفة معاريف:

في عالم تفقد فيه الحدود الجغرافية معناها يكون الحفاظ على الوضع الحالي أمر غير مقبول

بقلم: ران أدليست

الشخص العاقل، بغض النظر ما إذا كان من اليمين أو اليسار، الذي ينظر إلى الخريطة ويقوم بجولة في الضفة الغربية، يفهم أنه في مرحلة ما محكوم علينا أن نعيش في دولة ثنائية القومية. أعني، ان ما هو حاصل اليوم، هو دولة فصل عنصري.

هذا سيحدث في يوم من الأيام عندما تنهار كل التقلبات والانعطافات السخيفة حول الحدود الغريبة والمتغيرة والأسوار الواقية والأسوار الأمنية التي تفصل الأسرة عن الأسرة وبين الإنسان وأرضه. وسيحدث هذا لأن الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم مصلحة مشتركة، هي أن يعيشوا حياة معقولة تعني الاقتصاد والتجارة والثقافة والدين والتنقل الحر بين نهر الأردن والبحر. وهذا لن يحدث إلا عندما يكون هناك كيان جيو استراتيجي ثنائي القومية بين الأردن والبحر. ولكي تحدث هذه الخطوة الضرورية بأقل دموية، يجب أن تكون هناك لعبة تمهيدية بيننا وبين الفلسطينيين، وهي الحوار حول دولتين.

قدّم رئيس الوزراء يائير لابيد في الأمم المتحدة، اللعبة التمهيدية عندما تحدث عن الدولتين كسياسة لحكومته وكحاجز أمام دولة ثنائية القومية. وكذلك نتنياهو. لكن الفرق هو أننا نصدق لبيد. والسؤال هو ما إذا كان هو يثق بنفسه.

في هذه الأثناء نحن في موعد الانتخابات، ومسألة الدولتين ما هي إلا وسيلة للتحايل. عندما تواجه حكومة جديدة الواقع، ستصبح هذه وسيلة للتحايل وخدعة انتخابية. الفكرة هي أن المحادثات والاتصالات لصالح دولتين ستستمر من ثلاث إلى أربع أو خمس سنوات، وهذا هو مصير الصراع الدموي الذي يبدو غير قابل للحل. الاتجاه هو الحدود الجغرافية التي تفقد تدريجيا الحكومة المركزية قدرة على الحفاظ عليها باعتبارها غير سالكة.

التمسك مثلنا، في العالم الناشئ والمتغير، مع شعب كامل تحت الحذاء بالحجج الدينية والأمنية التي لا أساس لها، أمر غير مقبول ويائس. فقط رسم ذكي لحدود إسرائيل وفلسطين مع تعويض الضحايا من كلا الجانبين خلال سنوات المفاوضات سوف يجفف الحماس لاحتلال تلة أخرى والدافع لغزو تلك التلة.

الأساس المنطقي للحديث عن دولتين في الطريق إلى كيان واحد، هو أن إجراء المفاوضات بحد ذاته سيدعم آمال الفلسطينيين والإسرائيليين الذين هم في طريقهم إلى دولتهم غير المهددة. وهو ما يجب أن يمنع، أو على الأقل يقلل، من سلسلة الانفجارات العنيفة التي نشعر بها كل صباح ومساء..

الدافع الذي سيحرك المفاوضات، هو الرغبة الأساسية للسكان اليهود في الانفصال عن الفلسطينيين. وقد حدد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في استطلاع أجري في اذار 2020 أن 69٪ من اليهود في إسرائيل يعتقدون أنه من الأفضل لليهود والعرب العيش بشكل منفصل. وفي نيسان 2021، تم إجراء مسح مماثل للمعهد، أظهر ان 45٪ فقط من المستطلعين اليهود كانوا يعتقدون ذلك قبل عملية "حارس الأسوار". وما يقرب من 70٪ ممن عرّفوا أنفسهم على أنهم اليمين السياسي، يؤيدون الحياة المنفصلة لليهود والعرب، مقارنة بأقل من النصف بقليل في الوسط، وحوالي الثلث من اليسار.كذلك، وافق حوالي 80٪ من الأرثوذكس المتطرفين على أن اليهود والعرب يجب أن يعيشوا منفصلين، مقارنة بحوالي ثلثي المتدينين التقليديين والدينيين وأقل بقليل من نصف العلمانيين.

هذا هو الأساس للمحادثات التي ستؤدي بطبيعة الحال إلى إقامة المؤسسات الفلسطينية وشرعيتها، والأولوية المطلقة للجيش الإسرائيلي يجب أن تبدد أي مخاوف. وطالما أن المحادثات تجري في ظل ظروف هادئة، فسوف ينشأ وضع يتم فيه مناقشة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والشخصية، وستكون هذه العلاقات الطبيعية لوحدة الدولتين في وحدة جيواستراتيجية واحدة. لكل بلد برلمانه الخاص، ويسيطر على الأراضي والمواطنين في إقليمه، وحكومة عظمى من المفترض أن تتعامل مع الحياة اليومية ومبادئ القانون والحكم. ستكون هناك توترات، وستكون هناك مصالح متضاربة، وستكون هناك نهايات متطرفة تؤدي إلى أعمال شغب. وطريقة التغلب عليها هي إجراء محادثات مستمرة مع التهدئة في نفس الوقت الذي يكون فيه الهدف هو بناء أغلبية مدنية كبيرة على الجانبين تعارض المتطرفين في الجانبين.

يتركز أكثر من 90٪ من السكان الإسرائيليين والفلسطينيين في الحدود الحالية التي تتداخل مع حدود عام 67. وهناك إجماع فلسطيني على الكتل الكبيرة، وسيجري بحث وضع المستوطنات خلال المباحثات.

في السنوات الأخيرة، أظهرت الاستطلاعات التي أجراها البروفيسور جلعاد هيرشبيرغر والبروفيسور سيون هيرش فيلر من جامعة رايخمان، مسحا للسكان الذين سيتم إخلاؤهم في اتفاقية مستقبلية. معظمهم براغماتيون. حتى إذا لم يؤيدوا الإخلاء، فسيكونون مستعدين لقبول الحكم، بشرط أن يتم الإخلاء بقرار حكومي أو استفتاء. وحتى اليوم ، هناك أغلبية في إسرائيل تؤيد فكرة المناطق مقابل السلام، لكن هذا الاتجاه يتعرقل بسبب سياسات الحكومة التي تحافظ على حالة الطوارئ الدائمة.

الهدف من المحادثات بين البلدين، هو غنهاء على الوضع الذي تحافظ فيه إسرائيل على جبهات دموية في لبنان وسورية وغزة، وبالطبع في إيران، حيث قد يتحول الاحتكاك على الجبهات الخمس إلى جولة كبرى من الحرب.

الجيش الإسرائيلي قوي، لكنه غير قادر على التعامل مع كل هذه الجبهات، فهو لا يستطيع اليوم السيطرة على الحريق في المناطق، وحالة الطوارئ ستتطلب استخدام نيران مضادة على السكان المدنيين، أو سقوط صواريخ على المنازل، ولا يريد أي شخص عاقل أن يعيش في بلد ينشغل بالمذابح كعقيدة قتالية.

هذا مثل الضفدع. هذه المرة لن تتحول إلى أميرة وتحمل عقربا على ظهرها، لكنها ستتنبأ بمصير دولة إسرائيل. وعلى غرار الضفدع، والبرمائيات القادرة على العيش في الماء وعلى الأرض، هكذا ستولد الدولة ثنائية القومية. وعلى الشعب اليهودي أن يقرر ما إذا كان ثنائي القومية وعلى قيد الحياة، أم انه ميت.

ترجمة: غسان محمد