أزمة الحكومة الدستورية في لبنان: تداعيات انسحاب الوزراء الشيعة من مجلس الوزراء على الاستقرار السياسي والمؤسساتي
مقالات
أزمة الحكومة الدستورية في لبنان: تداعيات انسحاب الوزراء الشيعة من مجلس الوزراء على الاستقرار السياسي والمؤسساتي
د. حسين الحسيني
13 آب 2025 , 15:26 م

شهدت الساحة السياسية اللبنانية تصعيدا خطيرا مساء الأربعاء، مع انسحاب الوزراء الشيعة من جلسة مجلس الوزراء، في أعقاب تمرير الحكومة لوثيقة استراتيجية مدعومة من واشنطن تدعو لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. هذا الحدث لا يُعد مجرّد إشكال سياسي عابر، بل يمثّل لحظة مفصلية قد تؤثر على طبيعة العلاقة بين مكونات الدولة، وعلى استمرارية الحكم ضمن الأطر الدستورية المعتمدة في الجمهورية اللبنانية.

في ظل نظام سياسي مبني على التوازن الطائفي والهشاشة المؤسسية، فإن أي اختلال في التوازن الداخلي لمجلس الوزراء لا يُعتبر تفصيلا، بل يُعد مؤشرا على أزمة شرعية متكاملة الأركان، تلامس جوهر مبدأ الحوكمة والدستور.

النصاب الدستوري: المعيار القانوني لاستمرارية الجلسات

وفقا للمادة 65 من الدستور اللبناني، يتطلب انعقاد مجلس الوزراء نصابا قانونيا لا يقلّ عن ثلثي عدد أعضائه، مع اتخاذ القرارات إما بالإجماع أو بأغلبية الحضور، وبالتالي فإن فقدان هذا النصاب أثناء الجلسة – بسبب الانسحاب الجماعي للوزراء الشيعة – يعني عمليا أن الجلسة باتت غير دستورية، ويُحتمل أن تكون كل القرارات الصادرة عنها عرضة للبطلان القانوني.

لا يمكن التعامل مع هذه المسألة بمنطق «الأمر الواقع»، فشرعية القرار التنفيذي في أي دولة ديمقراطية ترتكز أولا وأخيرا على احترام النصوص الدستورية، وليس على موازين القوى داخل الجلسة.

إعادة إنتاج مشهد 2006 ... ولكن بشروط مختلفة

من الناحية الشكلية، يُذكّر هذا الحدث باستقالة وزراء حزب الله وحركة أمل عام 2006 من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إلا أن الاختلاف الجوهري اليوم يكمن في التوقيت والسياق، فالانسحاب هذه المرة حصل خلال الجلسة، وليس استقالة لاحقة لها، مما يجعل الطعن في شرعيتها أقوى من الناحية القانونية.

كما أن الظروف الإقليمية والدولية تغيّرت بشكل جذري، خصوصا مع تصاعد الضغوط الأميركية على حزب الله، ومحاولات إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة اللبنانية والجهات المسلحة خارج إطار الدولة، وهو ما يعطي الوثيقة الأخيرة طابعا استراتيجيا، وربما تحويليا في مسار الدولة.

الأثر المؤسساتي والسياسي: شلل محتمل في آليات اتخاذ القرار

إن انسحاب مكون طائفي رئيسي من السلطة التنفيذية لا يهدّد فقط شرعية الجلسة، بل يُعرّض البلاد لخطر تعطيل مؤسساتي قد يقود إلى:

تجميد العمل الحكومي بفعل غياب الميثاقية.

تعطيل الموازنات أو السياسات الإصلاحية التي تحتاج إلى توافق وطني.

تزايد العجز المالي والسياسي في ظل غياب آليات رقابية ومؤسسية فعالة.

وإذا لم تتم معالجة هذه الأزمة ضمن إطار تفاوضي وطني، فقد نشهد تداعيات اقتصادية سلبية، خصوصا في ظل التزامات لبنان تجاه صندوق النقد الدولي وجهات التمويل الدولية.

حزب الله يرفض القرار: إلغاء فعلي أم تمهيد للمواجهة؟

بيان حزب الله الصادر عقب الجلسة، والذي وصف فيه ما جرى بأنه "خطأ جسيم" وتعهد بالتعامل مع القرار وكأنه "غير موجود"، لا يحمل فقط طابع الرفض السياسي، بل يشير إلى نية واضحة بإلغاء مفاعيل القرار عبر الامتناع عن تطبيقه على الأرض، وربما عبر الضغط لفتح مراجعة دستورية أو سياسية للجلسة.

هنا، تدخل البلاد في منطقة رمادية، حيث تصبح المؤسسات في حالة شبه شلل، وتُفتح الأبواب على صراعات دستورية حول صلاحيات الحكومة من جهة، وحدود التمثيل الطائفي من جهة أخرى.

السيناريوهات المتوقعة: من مراجعة دستورية إلى احتمالات التصعيد

في ظل غياب تحرك فوري من المجلس الدستوري أو رئاسة الجمهورية، تبقى الخيارات المتاحة ضمن نطاق الاحتمالات:

الطعن في شرعية الجلسة أمام المجلس الدستوري.

الدعوة إلى جلسة تصحيحية لاستعادة الميثاقية السياسية والطائفية.

تصعيد سياسي قد يقود إلى استقالة الحكومة أو فراغ تنفيذي جديد.

تدويل الملف في حال استمرار الانقسام الداخلي وتنامي الضغوط الدولية.

الدولة بين نص الدستور وواقع التوازنات

ما جرى في جلسة 7 آب ليس مجرد خلاف سياسي عابر، بل صدمة دستورية تمس جوهر النموذج اللبناني في الحكم، والذي يقوم على التوافق الهش بدلًا من الحوكمة المؤسسية الرصينة.

لبنان اليوم أمام اختبار حقيقي: إما العودة إلى منطق الدستور والمؤسسات، أو الانزلاق إلى فراغ دستوري جديد يُهدد ما تبقى من بنية الدولة.