من سخرية القدر أن يزايد على المقاومة من يجلس على كنبة في بيت، ويخرج كل يوم بنظرية لم تكلف نقطة دم واحدة ولا حتى نقطة عرق...
بهذا المعنى تحدث منذ زمن ليس ببعيد، أمين عام المقاومة الإسلامية في لبنان، السيد حسن نصرالله...
بهذا المعنى يخرج كل يوم إعلامي أو كاتب أو محلل سياسي ليقول لمن يوجه نقدا إلى المقاومة بعدم امتلاك الحق في هذا النقد...
آخر هؤلاء كان الاستاذ وفيق قانصوه في مقابلته الأخيرة على موقع "بالمباشر"...
قبله كان الاستاذ ابراهيم الامين قد وجه كلاما على شاشة المنار لمن ينتقد المقاومة في مسألة الخطوط والمياه الاقتصادية بأن يتفضل ويذهب ويفعل أكثر مما فعلت هذه المقاومة...
كذلك فعل الاستاذ حسن الدر منذ فترة على شاشة الNBN...
لا يمر يوم إلا ويخرج من يدافع عن المقاومة ويوجه سهاما طائشة تصيب المحب قبل أن تصيب خصوم المقاومة...
قد يقول البعض أن مسألة التفاهم التقني على الترسيم قد اشبع درسا، ويجب الانتقال إلى ما بعد ذلك...
بكل اسف، نحن نعيش منذ الغزو الصليبي لهذا المشرق في مؤامرة يتغير لونها باستمرار دون أن تتغير الأهداف القائمة على السيطرة المطلقة على كل جوانب حياتنا... لذلك يجب أن لا تسكت الألسن عن قول الحق، حتى لا يظن الباطل أنه على حق...
أمس خرج السيد نصرالله ينصف الناس حين ميز بين فئتين في لبنان في تناول قضية الترسيم..
قال السيد إنه لا يبالي بالنقد الآتي من الأعداء، وأعداء الداخل هم قطعا أسوأ بآلاف المرات من أعداء الخارج، وبين النقد الآتي من وطنيين من داخل جمهور أو بيئة المقاومة... إلى هؤلاء تعهد السيد نصرالله بالحديث غداً، يوم السبت في الثامنة والنصف مساءً...
من سخرية القدر فعلاً أن يجد الكثير من المناضلين أنفسهم في نفس الموقف مع أعداء المقاومة في مسألة خطوط الترسيم تلك...
لعل افضل وصف لما حدث في الأشهر القليلة الماضية هو ما سبق أن تمت الإشارة إليه على لسان الدكتور جمال واكيم حين شبه السلطة في لبنان بالولد الذي لم يفتح كتابا ولم يدرس طيلة السنة قبل أن يتدخل والده في الأيام الأخيرة قبل الامتحانات ويجبره على القيام بأقصى ما يمكن عمله في بضعة أيام... فكانت النتيجة أن نجح الولد، لكن بمعدل ١١/ ٢٠... يعني، هه... بالكاد نجح...
السلطة في لبنان كانت تسير بنا إلى الهاوية بعد سنين من إضاعة الوقت والجهد وعدم القيام بما يجب في تحصيل حقوق لبنان في الثروة البحرية، وآخر تلك المآسي، تمنع الرئيس ميشال عون عن التوقيع على تعديل المرسوم ٦٤٣٣ الذي ينص على الخط ٢٩، وإرسال هذا التعديل إلى الأمم المتحدة...إلى أن تدخلت المقاومة فكانت النتيجة تجنب البلاء الكامل والخروج بما امكن...
صحيح أننا لم نحصل على الخط ٢٩ كما كان المفروض أن يحصل؛ لكن المقاومة أجبرت العدو على التخلي عن الخط رقم واحد الذي كانت حكومة فؤاد السنيورة التابعة للأميركيين قد وضعته حدودا لمياه لبنان الاقتصادية والذي كان يتخلى فيه لبنان عن مساحة ٨٦٠ كلم٢، استطاعت المقاومة تحصيلها...
من هذا المنطلق، ومن هذه الزاوية... نعم المقاومة حققت انتصارا غصباً عن أنف سمير جعجع، وسامي الجميل، وپولا يعقوبيان وزمرة من يدعون حمل لواء التغيير لمجرد أن المقاومة أخطأت حين انسحبت من الشارع بعد ١٧ تشرين وتركت الفئران تقود الشارع الغاضب، بدل أن تقوم هي بهذه المهمة...
حين يصر السيد حسن على توصيف ما حصل عليه لبنان بالانتصار، هو ينظر إلى نصف الكأس المليء من هذا التفاهم/ الاتفاق...
ثم إن السيد لم ولا يمكن أن يقول كلمته الأخيرة بعد في هذا الصراع الذي لن ينتهي مع الاستعمار ومع أدواته...
نعم إذا ما نظرنا إلى النصف الفارغ من الكأس، نحن لم نحقق أي انتصار، وربما حتى يمكن القول أننا هزمنا، لأن لبنان قد خسر ١٤٣٠ كلم٢ من المياه الاقتصادية...
هل تتحمل المقاومة مسؤولية هذه الخسارة...؟
هل يحق لنا سؤال المقاومة والبوح بما نؤمن به، أم المفروض أن نسكت لمجرد أن بضعة عملاء من الداخل من أمثال جعجع أو الجميل أو مجموعة من الطفيليين يقولون بما نقول؟
هل علينا السكوت لمجرد أن قال هؤلاء حقيقة أرادوا بها باطل...
نعم، پولا يعقوبيان تزايد على المقاومة... كذلك يفعل ربما ملحم خلف... مارك ضو توقف عن هذه المزايدة ربما بعد توبيخ من السفارة الأميركية التي تريد لهذه المساومة أن تنجح...
لكن الكثيرين ممن يرفضون ما حصل لا ينطلقون من نفس تلك المواقع المشبوهة...
نعم قد نلتقي في هذا الموقف مع الدكتور خليفة مثلاً، لكننا بالتأكيد لا ننطلق من نفس المبادئ...
للدكتور خليفة مواقفه التي سقفها لبنان أولاً، حتى مع بقاء اسرائيل...
نحن لنا سقفنا الذي يقول إن لبنان لا يمكن أن يكون اولا مع استمرار وجود الكيان الإسرائيلي...
نلتقي مع بعض المعارضين في الاصرار على الخط ٢٩؛ لكن هناك من يرى في ذلك حدا أقصى لنزاع مع وجود يقبل به، بينما نرى أن لا حدود لهذا الصراع مع هذا الكيان إلا بالقضاء عليه قضاء مبرما...
نعم، قد نكون حالمين...
نعم، قد تكون الحرب الأوكرانية أظهرت حقائق لم نكن نراها...
نعم، قد يطول الصراع أكثر بكثير مما وعد به السيد نصرالله، خاصة وأن اميركا أثبتت أنها لن تتخلى بسهولة عن سياسة الاستعمار تجاه منطقتنا...
نعم، ما يحدث من أعمال شغب في إيران يخيفنا، ويخيفنا أكثر أن الثورة الإسلامية هناك لم تكن محصنة بالقدر اللازم وبالقدر الذي كنا نعتقد... وربما آن الأوان لضرب اعمال الشغب تلك بيد من حديد...
نعم، قد تضطر القيادة أحيانا إلى المساومة بانتظار العودة إلى المسار الحتمي في الصراع حتى إزالة الكيان عن أرض فلسطين...
نعم، لقد فعلها الامام الخميني حين قبل وقف إطلاق النار وصارح شعبه قائلا إن تجرع السم كان اسهل عليه، لكن مستقبل الثورة الإسلامية كان يحتم هذه المساومة...
نعم، لقد قبل عبد الناصر يوماً مبادرة روجرز، كي يتمكن من بناء جدار الصواريخ... ويعود إلى القتال مجدداً... كان هذا القبول مساومة، وكانت ثقتنا بعبد الناصر كبيرة؛ قبلنا بهذه المساومة، لكننا لم نتوقف عن انتقاد مرحلة ما قبل النكسة والأخطاء الجسيمة التي حصلت؛ كما لم نتوقف عن انتقاد القبول بوقف إطلاق النار على أساس القرار ٢٤٢، ورأينا أن عبد الناصر ٦٧ كان يجب أن يكون نفس عبد الناصر ٥٦... وإن المقاومة والحرب الشعبية هي أفضل سبل التحرر والتحرير...
هذا ما أثبتته المقاومة الإسلامية في لبنان حين حررت معظم جنوب لبنان عبر الكفاح المسلح حصرا...
حين فرضت المقاومة تفاهم نيسان، كان في ذلك مساومة قبلنا بها...
حين حررت المقاومة الأسرى بمفاوضات غير مباشرة، كانت هذه مساومة قبلنا بها...
اليوم نقول للسيد إن ثقتنا به عظيمة... لكننا نصر على وجوب النقد حتى لو كنا مخطئين...
نقد خاطئ هو قطعا افضل من مديح كاذب لخطأ أو خطيئة...
المقاومة تسمو بمن يصدقها القول، وليس بمجموعة الزجل من رجال ونساء الباذنجان...
بانتظار ما سوف يقوله السيد غداً السبت، نعم، لقد حققت المقاومة انتصارا حين نقلت البلد من الهزيمة الحتمية التي كانت السلطة تضعنا بين جدرانها..
لكن تثبيت هذا الانتصار يكون فقط عبر تبني تكتيك يخدم حتمية الصراع حتى زوال الكيان الإسرائيلي من الوجود...
قد يرى السيد النصف المليء من الكأس، لكننا مصرون على التركيز على النصف الفارغ خدمة للهدف الاستراتيجي المتمثل بالقضاء على هذه الغدة السرطانية التي سوف تكون دوما سرطانية لو مهما قيل فينا أننا مغامرون أو أصحاب لغة خشبية أو حتى أننا من الطفيلية اليسارية...
حليم خاتون



