الكيان بين التوسع والانكماش وحتمية التلاش\ م. زياد ابو الرجا
مقالات
الكيان بين التوسع والانكماش وحتمية التلاش\ م. زياد ابو الرجا
28 تشرين الأول 2022 , 23:13 م


ان دولة الكيان الصهيوني على ارض فلسطين كقاعدة متقدمة للمركز الامبريالي في الوطن العربي هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا حدود لها وابرز ما يميزها عن بقية الدول انها دولة توسعية وعنصرية. فحسب القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة هي تلك الدولة التي قامت على ٥٤% من مساحة فلسطين وما تبقى هو دولة عربية فلسطينية مع وضع القدس تحت رعاية واشراف الامم المتحدة. الا ان الكيان لم يلتزم بالقرارات الدولية واستمر بالتوسع عبر المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين الامنين وعدم وجود جيوش عربية وطنية مما مكنه من الاستيلاء على ٧٨% من ارض فلسطين. اعترفت هيئة الامم المتحدة ودول العالم بدولة اسرائيل واصبحت امرا واقعا ((Status qua)) فرضته القوة واخذت الدولة وضعا يجسد حقيقة (( Defacto)) لكنها ليست شرعية ولا مشروعةبالنسبة لنا.

قامت اسرائيل بالمشاركة الفعالة بالعدوان الثلاثي على مصر- بحكم المهمات المنوطة بتنفيذها كرأس حربة لجيوش المركز الامبريالي -وحين فشل العدوان الثلاثي لاسباب ذاتية تمثلت في المقاومة البطولية للجيش والشعب المصري والتفاف الجماهير العربية حول قرار مصر بالمجابهة والتصدي والاسباب الدولية التي فرضت معادلة فشل العدوان الثلاثي. وأممت مصر قناة السويس وتم الجلاء البريطاني عن اخر شبر من ارض الكنانة.

بقيت مصر الناصرية كقاطرة لقوى التحرر العربي وكداعم ومدافع عن حركات التحرر وخاصة في افريقيا مصدر تهديد وجودي للانظمة الرجعية العربية التي تتقاسم مع الكيان الصهيوني الادوار والخدمات الموكلة لها من المركز الامبريالي.

الان لم يعد سرا ما كشفته الوثائق التي رفعت عنها السرية عن تآمر القوى الامبريالية والكيان والانظمة الرجعية العربية على جمال عبد الناصر ومصر الناصرية من خلال الاعداد لحرب حزيران عام ١٩٦٧م والتي انتهت بهزيمة ساحقة للجيوش العربية. حيث انجزت دولة الكيان اكبر احلامها التوسعية حين حين احتلت واستولت على قطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء واحتلت واستولت على الجولان السوري والاهم من كل هذا وذاك احتلالها واستيلاءها على كامل الضفة الغربية التي تمثل المسوغ والمبرر الديني الذي على اساسه قام المشروع الصهيوني الاستيطاني بان دولة اسرائيل قلبها وقالبها (( يهودا والسامرة))

عندما وقف الجنرال اسحق رابين على الضفة الشرقية لقناة السويس بصحبة بعض الصحفيين استخدم منظاره الحربي باتجاه الضفة الغربية للقناة مركزا على العمق المصري طويلا وفي طريق العودة على متن مروحية نقل عسكرية تكلم معه احد الصحفيين الذي كان يجلس بجانبه وسأله الا ان رابين لم يجبه حيث كان شارد الذهن وحين اكتشف الصحفي ذلك سأله ما الذي يشغل بالك وانت المنتصر ؟ فاجابه رابين عندما نظرت الى ما وراء الضفة الغربية لقناة السويس ايقنت دون ادنى شك ان هذا هو اقصى ما تستطيع اسرائيل انجازه من التوسع وادركت ان قادم الايام لا ينبئ بالثبات على هذه الارض ومن الان فصاعدا سيبدأ مشروع اسرائيل التوسعي في التراجع والانكماش. لقد صدق رابين بحسه كجنرال استراتيجي وسياسي محنك حيث بدات حرب الاستنزاف التي استعادت فيها الجيوش الميدانية الثلاثة ثقتها بالنفس وبحتمية الانتصار. توجت حرب اوكتوبر المجيدة ١٩٧٣ حرب الاستنزاف وخاض الجيش المصري في سيناء اكبر واعظم حرب دبابات بعد حرب العلمين في الصحراء الغربية . صحيح ان النتائج السياسية التي ترتبت على هذه الحرب لم تجسد المنجز العسكري العظيم لكنها لا يمكن ان تخفي المنجز الاستراتيجي الذي وضع الحد الفاصل بين مرحلتين فاصلتين استراتيجيا مرحلة عجز الكيان عن التوسع ومرحلة ان الحد الادنى من التضامن العربي يفضي الى التحرير والنصر. قال كيسنجر بعد تلك الحرب(( يجب الا يتكرر هذا مرة اخرى)).

مع اشتداد عود المقاومة الفلسطينية في لبنان ارادت دولة الكيان ان تثبت للمركز الامبريالي انها ما زالت قادرة على التوسع والتصدي للقوى الوطنية والثورية ومارست هذه الاستراتيجية ضد لبنان فقامت عدة مرات بجتياح الجنوب اللبناني وكانت تصل الى حدود نهر الليطاني ولكنها كانت تواجه بمقاومة فلسطينية لبنانية شديدة وضعتها مرة اخرى في دائرة العجز عن القيام بمهماتها الموكلة اليها. كان اجتياح واحتلال عاصمته بيروت عام ١٩٨٢ م هو الدليل والبرهان الذي ارادت دولة الكيان ان تقدمه كاوراق اعتماد للمركز الامبريالي ولمستوطنيها بانها ما زالت قادرة على لعب دورها بالاضافة الى توفير الامن والامان لمستوطنيها. وعل الرغم من الرز والورود الذي انهمر على القوات الصهيونية الغازية في بيروت الشرقية وما ترتب على هذا الاجتياح من مغادرة القوات الفلسطينية للبنان ومجازر صبرا وشاتيلا، التي يندى لها جبين الانسانية، ونزول القوات الاطلسية وعلى راسها المارينز الامريكية وتوقيع اتفاق ١٧ ايار الا ان سورية وقوى المقاومة الوطنية اللبنانية وما بقي من قوات الثورة الفلسطينية في لبنان وسورية شنت هجوما معاكسا على القوات الاطلسية وادمتها واجبرتها على الرحيل واسقطت اتفاق ايار المهين مع الكيان وارغمته على الانكفاء جنوبا حيث شكل جيبا عميلا في الجنوب وجيش من العملاء على راسه انطوان لحد. استمرت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وبدعم الدولة السورية حتى تمكنت من تحرير الجنوب اللبناني وهروب الجيش العميل مع القوات الصهيونية الى داخل فلسطين المحتلة. انسحبت القوات الصهيونية تحت ضربات المقاومة اللبنانية وكان اول تحرير بدون مراسم تسليم واستلام في تاريخ الحروب الحديثة. حين اغلقت القوات الصهيونية البوابات الحدودية خلفها شكل هذا الاغلاق التوقيع الرسمي وبالختم الاحمر من قبل دولة الكيان على وثيقة اقرارها بعدم قدرتها على التوسع وانتهاء دورها التوسعي.

من التداعيات والارتدادات التي ترتبت على تحرير لبنان ونصر مقاومته بقيادة حزب الله الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ان اندحار الكيان عن قطاع غزة والجنوب اللبناني دفعه الى الاحتماء خلف الجدران العازلة في الضفة الغربية لنهر الاردن والحدود اللبنانية كتأكيد مرة اخرى عن عجز الكيان عن التوسع وحماية مستوطنيه.

بعد الاحتلال الامريكي للعراق وتمترس القوات الامريكية على الحدود السورية العراقية وجها لوجه مع الجيش العربي السوري ذهب كولن باول صاحب اكبر كذبة عن اسلحة الدمار الشامل العراقية الى سورية مهددا ومتوعدا القيادة السورية بانها ستواجه نفس مصير العراق ان لم تطرد الفصائل الفلسطينية وعلى راسها حماس من سورية. الا ان القيادة السورية لم تستجب لمطالبه ورفضتها جملة وتفصيلا وبقيت ثابتة على دعمها لحزب الله والمقاومة الفلسطينية. في الوقت الذي كانت فيه القوات الامريكية في العراق تواجه مقاومة عنيفة والكيان يعاني ازمته طرحت امريكا مشروع خلق شرق اوسط جديد يعيد للكيان الصهيوني دوره وللقوى الرجعية العربية هيبتها والابقاء على هيمنتها على الشرق الاوسط، كنز الطاقة النفطية والغازية، والذي لا يتم تحقيقه الا بسحق حزب الله في لبنان ودعميه وعلى راسهم سورية. شنت القوات الصهيونية حربها على لبنان للتخلص من حزب الله لكن الناطق الرسمي لهذا العدوان كان جونداليسا رايس حيث قالت: ان الهدف النهائي لهذه الحرب هو خلق شرق اوسط جديد. يكون خاليا من اية قوة مقاومة او ممانعة وفي الايام الاخيرة لتلك الحرب، قالت قيادة جيش الكيان انها اصبحت عاجزة عن الاستمرار بها الا ان امريكا وبعض العرب طالبوها بالاستمرار. وانتهت تلك الحرب الضروس بهزيمة نكراء لجيش الكيان والمشاريع التي اعدت للشرق الاوسط الجديد.

مرة اخرى اكدت هذه الحرب وبرهنت على ما خشيه الجنرال اسحق رابين من عجز الكيان عن التوسع مرة والى الابد. لقد تجذر هذا العجز واصبح من المسلمات حيث لم يجرؤ الكيان على القيام باي عمل عسكري على لبنان وتمتع اهل الجنوب اللبناني بالامن والامان في بيوتهم وممتلكاتهم وصاروا يزرعون محاصيلهم على حافة السياج الفاصل بين الحدود ويجلس المواطن اللبناني امام منزله يدخن الارجيلة ويشرب القهوة ومثل ما يقول اللبناني: حاطط اجر عا اجر وفردة صرمايتو بوجي الجندي الصهيوني.

بعد ذلك لم يعد بيد الكيان وامريكا الا وسيلة واحدة لضرب المقاومة في لبنان، عمادها شيطنة حزب الله وتصويره على انه الحاكم المطلق للبنان وهو المسؤول الاول والاخير عن خراب لبنان وسبب ازماته المستعصية وسلطوا قوى الارهاب والعملاء المحليين واجهزة الاعلام المختلفة والطابور الخامس ومجندي ال N .G.O الذين تحركهم امريكا، وقامت بافقار الشعب اللبناني ونهب ودائعه ومدخرات مواطنيه ونسبوا كل ذلك لحزب الله على امل ان تتخلى حاضنته الشعبية عنه. فشلت كل المحاولات وخرج منها حزب الله اكثر قوة واصرارا على حماية لبنان واخراجه من ازماته المالية وذلك بتمكين لبنان من حقه في استخراج ثرواته النفطية والغازية بكل حرية حين وضع معادلة (( لا لاستخراج النفط والغاز من المياه الفلسطينية المحتلة الا بضمان حق لبنان باستخراج واستثمار ثرواته النفطية والغازية حتى لو ادى ذلك الى حرب شاملة مع الكيان.))

اما وقد انتزع لبنان حقه عنوة واقتدارا وبتوقيعه التفاهم، دخل نادي الدول المنتجة للنفط والغاز. وللتغطية على هزيمة الكيان ومنعه من الاستيلاء على ثروات لبنان البحرية، اعادت تشغيل المحركات القديمة التي ثبت عجزها سابقا وقاموا بحملة تضليل شعواء ضد لبنان محورها ان حزب الله اعترف باسرائيل وكذلك الدولة اللبنانية، ان توقيعها على التفاهم - الاتفاق يعد اعترافا رسميا باسرائيل. متناسين ان التوقيع لم يتم على وثيقة واحدة ولم يتم اي لقاء مباشر بين الطرفين اللبناني والصهيوني.

مرة اخرى اذا ما تم الابتعاد عن الجدل البيزنطي حول ما جرى اعتراف بالكيان من عدمه تبقى النقطة الفاصلة استراتيجيا هي (( عجز الكيان التام عن ممارسة السياسة التوسعية ومن ثم الانكفاء او الانكماش خلف الجدران التي اقامها في الضفة الغربية وشمال فلسطين على الحدود اللبنانية من حرب اوكتوبر المجيدة عام ٧٣ الى راس الناقورة اوكتوبر ٢٠٢٢ انتصارات عربية بالنقاط متراكمة ومستمرة وهزائم وتراجعات للكيان.

لقد انتهت احلام دولة الكيان في التوسع والقدرة على مجابهة قوى المقاومة وانقلبت الى كابوس يهدد الوجود واصبحت القيادة الصهيونية قبل مستوطنيها تعيش هذا الكابوس والذي بات الان تعمقه وترسخه المقاومة الفلسطينية البطولية التي تتجلى ساطعة بانتشارها جغرافيا وشعبيا. لقد اصبح ضروريا ولزاما اكثر من اي وقت مضى ان تعيد القوى العربية (( انتليجنسيا واحزاب وقيادات وجماعات وافراد)) التي اتخذت مواقف عدائية من محور المقاومة وراس حربته وقائده حزب الله ان يكسرو الجمود ويفتتو التكلس الذي طبع حدة مواقفها وجمود قوالبها بروح بعيدة عن التجزئة والتفرق والاحساس بفداحة الخطب وسوء المنقلب ان هي استمرت على حالها وتزمتها وتمترسها خلف تخلفها وتبعيتها لامريكا ودفن راسها في الرمال كالنعام والعمى المتعمد عن رؤية مجريات الصراع الكوني الذي سيولد حتما نظاما عالميا جديدا متعدد الاقطاب وعادل. لا مكان فيه لهيمنة طرف على اخر وما حصول لبنان على حقه في استخراج ثرواته الا نتيجة لهذا الصراع بعد ثبات وصمود المقاومة اللبنانية ووضع معادلتها على الطاولة (( لا استخراج للنفط والغاز الفلسطيني الذي يسيطر عليه الكيان الا بحصول لبنان على حقوقه)).

يا دعاة التشرذم والطائفية والمذهبية والعرقية والتبعية العمياء ويا باعة المجد بالدولار والذهب ان امتنا تحقق الانتصار تلو الاخر رغم انفكم وانف من يقف وراءكم وان هزائم الكيان متتالية. من اوكتوبر ٧٣ الى اوكتوبر ٢٠٢٢ نصف قرن من الصراع انتهى بتحطيم احلام الكيان الصهيوني بالتوسع والاستقرار وهو الان يعيش كابوس وجوده؛ قادة ومستوطنين.

نعم يا تاريخ سجل بان امتنا تحقق انتصارات متراكمة بالنقاط والكيان لا يجني الا التخبط والخيبات،

وما هي الا بضع سنوات حتى تفرض امتنا ارادتها وينجز الله وعده لامة كانت وما زالت شعبا وارضا حاضنة لكل انبياءه ورسله وسيقضي امره ويفعل ما يريد ولا راد لامره وقضاءه وهو الفعال لما يريد،

وما كان ربك بظلام للعبيد حقا اننا لمنتصرون.

فاشهدو فاشهدو.

م / زياد ابو الرجا. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري