من الواضح أن روسيا لم تحقق أهدافها من المواجهة العسكرية على الأرض في المرحلة الأولى من الحرب، قبل التعبئة.
والتخلي عن خيرسون ليس سوى الحلقة الأخيرة من تلك المرحلة، ولكن أوكرانيا لن يكون لديها الفرصة بعد الآن لتحقيق تفوق في القوى البشرية. سيرفع الجيش الروسي في غضون شهر من الآن عدد الجنود المشاركين في الأعمال العسكرية بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف، ما سيعيد زمام الهيمنة إلى القوات المسلحة الروسية.
في الوقت نفسه، فالأعمال العسكرية ليست سوى جزء من الحرب، وكما قلت أكثر من مرة، هي الجزء الأصغر. وأوكرانيا هي مجرد أداة، أو بالأحرى واحدة من الأدوات، واحدة من البيادق، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية عدد من هذه البيادق. ومن خلال قتال الجيش الأوكراني، نحن لا نلحق الضرر بالغرب، ولن تؤدي هزيمة الجيش الأوكراني لا إلى تحقيق النصر على الغرب، بل ولن تنهي حتى المرحلة العسكرية من الصراع، حيث من المرجح أن ينضم إلى الحرب أعضاء أخرى في "الناتو" من شرق أوروبا.
لا يسعني إلا أن أكرر، لا يمكن لروسيا هزيمة الغرب الموحد في حرب ساخنة كانت أوكرانيا "محظوظة" بما يكفي لتكون ساحة معاركها.
لذلك فيجب أن تكون مهمة روسيا إحداث أكبر قدر من الضرر للاقتصاد الغربي، مع تقليل خسائرها في الأعمال القتالية في أوكرانيا.
لهذا فإن الجبهة الرئيسية التي يمكن لروسيا أن تكسب فيها الحرب هي الجبهة الاقتصادية، وروسيا تعمل بشكل جيد على هذه الجبهة حتى الآن. بل ربما أفضل مما كان متوقعا. ولم يشعر المجتمع الروسي بشكل عام أن البلاد كانت في حالة حرب حتى سبتمبر، قبل التعبئة. ولكن حتى بعد سبتمبر، فقد أثرت الحرب على قلة من السكان، فيما عاش غالبية السكان حياة طبيعية، حتى بدون انخفاض كبير في مستويات الاستهلاك.
تدهورت مؤشرات الاقتصاد الكلي بشكل طفيف حتى الآن، ومن المرجح أن تنخفض أكثر في عام 2023، ولكن على خلفية الحرب مع الغرب الموحد، فإن مثل هذا الانخفاض الطفيف يعد نجاحا واضحا، في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات التضخم في نصف بلدان الاتحاد الأوروبي عن المؤشرات الروسية.
أي أن روسيا كانت تطيل الوقت حتى وصلت للشتاء في حالة جيدة إلى حد ما. لسوء الحظ، أن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي هو الوجه الآخر للعملة، وثمن ذلك كان الفشل على الجبهة، ذلك أن التعبئة كان من شأنها أن تعزز القوات، لكن تأثيرها كان سيصبح مزعزعا لاستقرار المجتمع الروسي. لسوء الحظ، كان من الضروري الاختيار بين الأمرين.
ومورد الاستقرار الداخلي هو العامل الحاسم في حرب الاستنزاف بين روسيا والغرب.
بشكل عام، لا يسع المرء إلا أن يعترف بأن القيادة العسكرية والسياسية الروسية ارتكبت عددا من الأخطاء، والجيش الروسي لم يكن مستعدا بما فيه الكفاية للحرب مع الغرب الموحد، إلا أنني أعتقد أن الانتقادات والنقاشات حول التغييرات الضرورية يجب أن تترك لمرحلة ما بعد النصر.
لا أشك في أن النصر لروسيا ليس فقط ممكن وإنما حتمي. فالغرب محكوم عليه بالانهيار الاقتصادي، بغض النظر عن تصرفات روسيا أو حتى وجودها. والشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ الغرب، أو على أقل تقدير يقلل من حدة الأزمة، هو تدمير الصين، والذي من شأنه أن يمنح الصناعات الغربية مساحة للنمو. لكن من غير المرجح أن تتمكن المجتمعات الغربية من تحمل مصاعب الفترة الانتقالية دون ثورات وفوضى.
باختصار، فإن ترك خيرسون هو بالطبع حقيقة مؤسفة، وبالتأكيد يضيف مخاطر لنا. ومع ذلك، فلا أظن أنه يتعين علينا الحكم على مآلات الحرب في أوكرانيا قبل نهاية ديسمبر، وعلى احتمالات المواجهة مع الغرب في أبريل أو الصيف المقبل. تحتاج روسيا إلى كسب الوقت، والصمود حتى نهاية عام 2024، مع استمرار إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر الاقتصادي لأوكرانيا والغرب.
آمل أن يتصرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل حاسم وفي الاتجاه الصحيح بهذا الصدد.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف