كتب الأستاذ / إيهاب شوقي
مع تصاعد حدة المعركة الدولية بين روسيا من جهة وأمريكا والناتو من جهة اخرى في أوكرانيا، والتي ترتدي الغطاء الأوكراني، عوضًا عن المواجهة المباشرة بين قوات الطرفين، بدأت الانزلاقات تحدث في ساحات أخرى، وهو ما ينذر بأن المعركة تتسع أفقيًا بديلًا عن المسار الرأسي الذي ينذر بحرب مباشرة لا يمكن توقع مدى عواقبها الكارثية. وهذا الاتساع الأفقي نرى ظلاله في العديد من الساحات، فبالإضافة إلى المحيط الروسي، والتوتر بين بولندا وبيلاروسيا والانزلاق التدريجي لدول شرق أوربا المحيطة بأوكرانيا، نرى أن الساحة الأفريقية بدت فيها تغيرات وصراعات واستجدت بها حروب ليست بعيدة عن الصراع الدولي مثل السودان، وبدأت الانقلابات العسكرية تطل برأسها مرة أخرى مثل الانقلاب الأخير في النيجر.
وهنا يجب إلقاء الضوء على متغيرين كبيرين يلخصان اتساع رقعة الصراع الدولي والذي دخلت فيه الصين أيضًا إلى جانب روسيا:
1ــ فيما يخص انقلاب النيجر، فقد لوحظت مظاهر لافتة داخل البلاد، حيث نزل السكان المحليون إلى الشوارع حاملين الأعلام الروسية والشعارات المؤيدة لروسيا.
كما أعلنت محطة "فرانس 24" التلفزيونية و"إذاعة فرنسا الدولية" أن بثهما أوقف في النيجر، وهو ما يعني أن الانقلاب موجه صراحة ضد فرنسا والغرب، وأنه محسوب على التوجه شرقا نحو روسيا وفقا لما تؤيده الشواهد الشعبية.
وما يعزز ذلك أيضا، فإن جمهورية أفريقيا الوسطى الصديقة لروسيا ومالي وبوركينا فاسو، أعلنت بالفعل عن عزمها على دعم النيجر في حالة شن عدوان غربي عليها.
ويعتقد المراقبون للوضع، أن الأوضاع خطيرة ومتوترة وقد يبدأ هجوم غربي على النيجر انطلاقا من أراضي نيجيريا ومن هبوط برمائي في مطار نيامي عاصمة النيجر.
ويجمع هؤلاء على أن الهدف الرئيسي للتدخل المحتمل هو السيطرة على مناجم اليورانيوم والمصنع الرئيسي الذي ينتمي إلى شركة "أورانو" الفرنسية، وتستخدم منتجاته في المقام الأول لتوفير الطاقة لأوروبا، وأن أوروبا، على ما يبدو، مستعدة لاتخاذ أي إجراءات للحفاظ على نفوذها في مستعمراتها السابقة، حتى لو أدى ذلك إلى الفوضى والفتنة.
2ــ فيما يتعلق بالصين، فقد تعرضت طموحات الصين في أوروبا لانتكاسة كبيرة بعد إشارة إيطاليا إلى خطط لترك مبادرة الحزام والطريق، وهو وضع وصفته "فورين بوليسي"، بأنه يؤكد على تحول واسع في أوروبا بعد تزايد قلق الحكومات من اعتمادها الاقتصادي على بكين.
وكانت الاقتصادات الأوروبية الكبرى قد رفضت التوقيع على المبادرة، وكانت إيطاليا هي العضو الأول والوحيد في مبادرة الحزام والطريق منذ 2019، في خطوة أغضبت واشنطن ومثلت انتصارًا سياسيًا كبيرًا للصين.
ومن خلال هذا الخروج ستوجه روما ضربة محرجة لبكين في الذكرى العاشرة للمبادرة، وهو ما يعكس تفكيرًا يتجاوز أوروبا، حيث تخلفت أوروبا عن نهج المواجهة الذي تتبعه واشنطن مع الصين، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكامل الاقتصادي، لكن يبدو أن هذا الأمر تغير.
3ــ المواقف التركية الأخيرة تشبه الموقف الإيطالي المتحول، حيث شكلت المواقف انحيازا وميلا صريحا لأمريكا على حساب الكثير من التوازنات الحساسة مع روسيا، مثل اعادة قادة ازوف لاوكرانيا والموافقة على انضمام السويد وفنلندا للناتو وعودة التصريحات العدائية للنظام السوري، وهو ما يشي بضغوط أمريكية وغربية تصل لحد التخيير بين التحالف أو العداء وبأن المعارك دخلت مرحلة المعارك الصفرية بشكل معلن.
هنا قد نكون إزاء ساحات محتملة في منطقتنا، حيث التوتر الراهن في سوريا بين أمريكا وروسيا وتزايد نذر الاشتباك وعودة عمليات دا.عش الخادمة دومًا للمعسكر الصهيو أمريكي.
ولا شك أن استمرار وتعميق الحصار على سوريا ولبنان لا يبتعد عن هذا الصراع، حيث المطلوب أمريكيًّا انفجار الأوضاع الداخلية والفوضى والانهيار في الساحات التي لا تستطيع السيطرة عليها بشكل كامل.
وهنا جاء الدور التاريخي للمقا.ومة التي انبرت للتحذير من أي حماقات وأعلنت عن استعدادها وجهوزيتها للمواجهة ولكل الاحتمالات، ووضعت إصبعها على الجرح وأشارت به إلى المسؤول الرئيسي وهو أمريكا والتي لا تبالي بالفوضى والفتن وتدمير الشعوب خدمة لمصلحتها في الصراع الدولي.
ولكن أمريكا تجازف هذه المرة بربيبتها "اسرائيل" لأن المعارك لو اندلعت فستكون ضد الوجود الأمريكي كله بالأصالة والوكالة، وعلى رأس هؤلاء الوكلاء يأتي الكيان الصهيوني وعملاؤه.