كتب إيهاب شوقي:
مقالات
كتب إيهاب شوقي: "هل اطّلعَ خدّامُ إسرائيل على مصيرِ اتفاقيات "السلام" ومسار الأوهام؟"
ايهاب شوقي
20 كانون الأول 2025 , 21:21 م

انتقل الصراع مع الـعـدوّ الصهيــوني من مرحلة الإجماع على المـقاومة والحـرب والتي أفرزت قلة شاذّة وُصِفَتْ بالخيانة إلى مرحلة التفاوض التي أفرزت معسـكراتٍ متباينةً ومتصارعة، استَهلَكَتْ واستنفدت القوّةَ العربية والإسـلا مية، لصالح الـ.ـعـ.ــدوّ الصهيـ.ـوني ورعاته في الغرب، وفي مقدمتهم أميركا التي ادّعت، في المراحل كُلِّها،أنّها وسيط، بينماهي المحرك والقائد الفعلي للعـدوان.

وعندما اتجهت الأنظمة العربية إلى منطق التفاوض، انقسمت المعسكرات وسادت حالة ضبابية سمحت لبعض القوى الخائنة بالتسلل إلى الصورة وتبييض وجهها تحت ستار (السلام المزعوم) بينما بقيت قوى وحركات متمسكة بثوابت المـ.ـقاومة، ليتبلور معسـ.ـكران رئيسان، أحدهما معسـ.ـكر المـ.ـقاومة، والثاني معسـ.ـكر (السلام)، وهو خليط من المفرطين وأصحاب الرهانات الخاطئة ويتوارى بينهم الخونة والعمــ.ــلاء وكلهم يتحدثون بمنطق وعنوان واحد وهو التفاوض و"السلام"!.

ويراهن معسـ.ـكر المـ.ـقاومة على حقائق تاريخية ثابتة، وهي ان الحقوق لا تستعاد الا بالمـ.ـقاومة والقوّة، بينما يظل معسـ.ـكر (السلام) يراهن على أوهام أثبتت الأحداث وأثبت التاريخ انها لا تعيد الحقوق بل تؤدي إلى المزيد من الخسائر والإجراءات التصفوية وأطماع الـ.ـعـ.ــدوّ في الابتلاع الكامل للحقوق التاريخية.

ومؤخرًا أقدمت الدولة في لبنان على خطيئة في سياق الرهان على التفاهم والتفاوض بمعزل عن أوراق القوّة، وهو ما يترجم إلى "المفاوضات من موقف الضعف"، وذلك بتعيين مفاوض مدني ضمن وفد لبنان المشارك في اجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار.

وخطورة الخطوة هذه أنها تخرج باتفاق وقف إطلاق النار من نطاقه وكونه تفاهمًا عسـ.ـكر يًا يتطلب قادة متخصصين لإتمامه في اطاره العسـ.ـكر ي والأمني، إلى نطاق آخر سياسي يفتح مسارًا لتفاوض مباشر واتفاق سياسي وتدشين مسار تفاوضي قد ينتهي كسوابقه التاريخية مع الدول العربية التي أقامت اتفاقيات (سلام) وتطـ..ـبيع مع الـ.ـعـ.ــدو، وهو وضع مشابه لاتفاق 17 أيار الذي ولد ميتًا بسبب الرفض الشعبي ورفض المـ.ـقاومة، وهو تكرار للأخطاء، بل والخطايا التاريخية، التي راهنت على "السلام" والتطـ..ـبيع ولم تجن سوى المزيد من التصفية للحقوق من عدو ينظر إلى التخلي عن المـ.ـقاومة باعتباره استسلامًا يزيد من شهيته لابتلاع المزيد من الأراضي والحقوق.

وهنا يجب التذكير بشكل مختصر بهذه الخطايا التاريخية التي وصفت زورًا بـ"السلام"، وما نتج عنها من مأساة حالية ترفع فيها "إســـ.ـرائيـل" علنًا خريطة "إســـ.ـرائيـل الكبرى" دون حياء من العالم ومن الدول التي ارتمت في أحضان "السلام" المزعوم وسعت وراء أوهامه.

أولا: معاهدة "السلام" المصرية "الإســـ.ـرائيـلية" (1979):

وهي معاهدة جاءت بعد اتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1978، حيث افتتحت مصر مشهد توقيع المعاهدات مع الـ.ـعـ.ــدو، بدعوى استعادة سيناء وبوعود فضفاضة لـ"السلام الشامل" وإعادة الحقوق للفلسـ.ـطينيين، وبموجبها حصل أنور السادات ومناحيم بيغن على جائزة "نوبل للسلام" لعام 1978، وبموجبها فرّطت مصر بكافة أوراق القوّة الناعمة والخشنة وأصبحت رهينة الديون الخارجية والداخلية بعد ارتهانها لصندوق النقد الدولي ودول الخليج، وبموجبها لا تستطيع مصر حتّى إدخال المساعدات لجوعى غزّة على حدودها بعد أن كانت تدير القطـ.ـاع وتسعى مع أمتها لاستعادة القدس المحتـ.ـلة وأراضي 48، وأصبح سقف خطاب مصر هو المبادرة السعودية والحديث عن أراضي 67، وأصبح منع تهجير الفلسـ.ـطينيين إلى سيناء قمة البطولة!.

ثانيًا: اتفاقيات "أوسلو" (1993-1995):

وهي اتفاقيات إطارية بين منظمة التحرير الفلسـ.ـطينية و"إســـ.ـرائيـل"، أدت إلى اعتراف متبادل وإنشاء السلطة الوطنية الفلسـ.ـطينية، وناقشت منذ 32 عامًا ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي ونصت الاتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستـ.ـوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

ورغم تفريط منظمة التحرير بمعظم فلسـ.ـطين التاريخية وتمسكها بالضفّة وغزّة فقط، إلا أن الـ.ـعـ.ــدوّ وراعيه الأميركي اكتفيا بسلطة فلسـ.ـطينية شكلية في رام الله وبمرور الوقت أصبحت سلطة تنسيق امني تعمل لصالح الـ.ـعـ.ــدوّ وتستهـ.ـدف المـ.ـقاومة، ووصل الحال للإعلان عن نية ضم الضفّة وتهجير أهل غزّة ورفض الحديث عن أي دولة وأي دور لسلطة فلسـ.ـطينية!.

ثالثًا: معاهدة "السلام" الأردنية "الإســـ.ـرائيـلية" (وادي عربة) 1994:

وبموجبها أصبح الأردن ثاني دولة عربية توقع "معاهدة سلام" رسمية مع الـ.ـعـ.ــدوّ "الإســـ.ـرائيـلي"، وتناولت المعاهدة إلى جانب إنهاء حالة العداء تسوية الخلافات الحدودية وقضايا المياه، كما وضعت أسسًا للتعاون في مجالات متعددة مثل السياحة والتجارة.

ونصّت المادّة التاسعة على الاعتراف بالدور الخاص للأردن في رعاية المقدسات الإسـلا مية في مدينة القدس، وتعهدت "إســـ.ـرائيـل" بإعطاء هذا الدور أولوية عالية في مفاوضات الوضع النهائي.

كما وافقت "إســـ.ـرائيـل" على تزويد الأردن سنويًا بـ50 مليون متر مكعب من المياه، ومنح الأردن حق الانتفاع بـ75٪ من مياه نهر اليرموك. كما اتفق الطرفان على تطوير مصادر مائية جديدة والتعاون في مـ..ـواجهة فترات الجفاف، بما في ذلك مساعدة "إســـ.ـرائيـل" للأردن في تقنيات تحلية المياه، وتعهد الطرفان بـالتعاون في معالجة قضية اللاجئين الفلسـ.ـطينيين، بما في ذلك إنشاء لجنة رباعية تضم "إســـ.ـرائيـل"، الأردن، مصر، وممثلين عن الفلسـ.ـطينيين للعمل على إيجاد حلول للقضية.

وبعد 31 عامًا من الاتفاقية نجد ان الـ.ـكـ..ـيان يعلن القدس عاصمة أبدية له بل ويمنع سفير الأردن من دخول باحة الأقصى وتلوح "إســـ.ـرائيـل" علنًا بضم الضفّة وتهجير الفلسـ.ـطينيين للاردن، وحتّى على مستوى اتفاقيات المياه، يتهم خبراء دوليون في قطـ.ـاع المياه "إســـ.ـرائيـل" بسرقة المياه الأردنية من نهر الأردن، ومياه الآبار الجوفية بمنطقة وادي عربة والغمر جنوبي المملكة، بل يتم بيع تلك المياه إلى الجانب الأردني بواقع 50 مليون متر مكعب سنويًا.

رابعًا: "اتفاقيات إبراهام" للتطـ..ـبيع 2020

وهي مجموعة من الاتفاقيات التي توسطت فيها الولايات المتحدة، وأسست لتطـبيع العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين "إســـ.ـرائيـل" وأربع دول عربية إضافية، وهي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والتي قوبلت بطمع أميركي و"إســـ.ـرائيـلي" في استغلال الاتفاقيات لحــ..ــصـ.ـار المـ.ـقاومة والتنسيق الأمني والاستخباراتي وتحويلها إلى حلف عسـ.ـكر ي "ناتو عربي"، ولم تشفع هذه الاتفاقيات للأنظمة العربية في مطالبها ومناشداتها لوقف حـ.ــرب الإبادة، بل لم تشفع حتّى في إنقاذ دولة مثل السودان من الحـ.ـرب الاهلية والدمار.

نظرة على اتفاقية 17 آيار:

معاهدة أو اتفاق 17 أيار 1983 كان مشروعًا لما سميّ "اتفاق سلام" بين الحكومة اللبنانية و"إســـ.ـرائيـل"، وقد ألغي قبل المصادقة عليه بعد أقل من عام أمام الرفض الشعبي باعتباره "اتفاق عار"، وهو جرى في ظروف مشابهة للظرف الراهن، وقد تسبب باهتزاز حكم الرئيس أمين الجميّل وإضعاف الزعامات التي أيّدت الاتفاق، وبالتالي لا ينبغي لدولة عاقلة ان تكرّر ذات الخطأ والعقل والوطنية يحتمان الاستقواء بالمـ.ـقاومة لا معاداتها. لأن الثابت الأكيد والوحيد هو أن التفريط بأوراق القوّة وأي تفاهم مع الـ.ـعـ.ــدوّ على حساب المـ.ـقاومة هو بمثابة تكرار لنفس الخطيئة ويعد سيرًا في مسار ابتلاع المزيد من الحقوق، بل وابتلاع لبنان بأكمله. والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى، بدءًا من دخول الـ.ـعـ.ــدوّ لرفـ.ـح منتهكًا "اتفاقية السلام" مع مصر واحتـ.ـلاله معبر فيلادلفيا مخالفًا اتفاقية المعابر وبروتوكولات "كامب ديفيد" الملحقة بالاتفاقية ودخوله إلى سورية حيث ترتع قواته ودباباته ومسيراته في دمشق وريفها وتنصب الحواجز وتعتقل السوريين وتسعى علنا لتقسيمها طائفيًا رغم ركون السلطة الجديدة إلى التفاوض وتمهاهيها مع مسار التطـ..ـبيع، ويسعى الـ.ـعـ.ــدوّ لضم الضفّة وانتهاك اتفاقيته مع الأردن، ناهيك عن اتفاقياته مع الفلسـ.ـطينيين التي ابتلعها بالكامل.

الأكثر قراءة قصة طريفة: الشيخ والضب.. سوء الفهم مصيبة
قصة طريفة: الشيخ والضب.. سوء الفهم مصيبة
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً