اللبناني بارع في اختراع التعابير...
متشائل، لولار، توزيع الخسائر...
في اللغة المحكية، كل هذا له اسم واحد... "لت حكي"...
لكن في لغة السلطة والمال، هذا يحمل معنى واحداً فقط...
البراعة في سرقة الناس...
خرج النائب قبلان قبلان غاضباً من جلسة مناقشة إقرار الكابيتال كونترول...
"نحن نريد حماية أموال المودعين"، صرخ النائب، قبل أن يضيف معلقاً على سؤال أحد الصحفيين أن حركة أمل ترفض القانون المقترح لكنها لا تمانع في منع التحويلات إلى الخارج...
برافو...
كلمة حق تأخرت ثلاث سنوات وتسع وثلاثين يوماً...
بدأ الحراك مساء السابع عشر من تشرين الأول...
قُطعت الطرقات...
أقفلت المصارف ابوابها الخارجية، وبدأ العمل الداخلي خلف الأبواب المغلقة...
تحويل أكبر كمية من الأموال الى حسابات أصحاب المصارف وكبار رجال السلطة في مصارف الخارج...
لو كان هناك رجال دولة كما المفروض، كان يجب دعوة الحكومة إلى اجتماع طارئ خلال أقل من ٢٤ ساعة...
كان على الحكومة ارسال مشروع قانون ملزم إلى البرلمان تطلب فيه منع أي تحويلات إلى الخارج تتجاوز ٥٠٠ أو الف دولار في الشهر...
كانت خزنة المصرف المركزي لا تزال تحوي حوالي ٣٣ مليار دولار...
كانت خزائن المصارف تحوي أكثر من عشرين مليار دولار...
لم تقم الحكومة بأي شيء من هذا القبيل...
تركز الاهتمام على محاولة إقناع سعد الحريري عدم القفز من الزورق...
لم ير اي حزب على الساحة، من أقصى اليمين المسيحي المتمثل بالقوات حتى اقصى اليمين الاسلامي المتمثل بحزب الله؛ لم ير اي من هؤلاء ضرورة لوضع قانون يمنع تهريب الأموال الى الخارج...
إذا كانت القوات اللبنانية تنفذ المخطط الأميركي وتعمل على إفلاس البلد، ماذا كان يريد حزب الله؟
الحقيقة أن حزب الله كما هي العادة، كان نائما على حرير...
قيادة حزب الله التي تحكم سلفا بالتآمر الأميركي الغربي، لم تستطع أن ترى حقيقة هذه المؤامرة التي كانت تمادت في كسر كل المحرمات...
لم تدع قيادة حزب الله أي مسؤول اقتصادي ولا اي خلية ازمة؛ وإذا كانت قد فعلت ولم تتخذ أي إجراء فبئس هذه الاجتماعات...
لم تحتج المقاومة حتى إلى أي اجتماع لخلية أزمة؛ كان يكفي الإنصات إلى التحذيرات التي كان خبراء الاقتصاد يطلقون...
أخطأ الوزير شربل نحاس في التوصيف، فاستغل لصوص الثنائي ما حصل للوصول إلى شيطنة هذا الوزير...
تم تحويل كلماته المحقة إلى باطل...
كما اتفق الرؤساء الثلاثة في دفع الوزير نحاس إلى الاستقالة للتخلص من مشاريعه لإقامة دولة...
كان القرار اتخذ على كافة المستويات...
الرد على دعوة الوزير نحاس بتوزيع عادل للخسائر بالدفع إلى قصر هذه الحمولة على الفقراء والعمال والموظفين...
منذ اليوم الأول، تقرر تحطيم دفاعات الليرة اللبنانية امام الدولار...
مقابل كل خسارة في قيمة الليرة، ومع حبس المصارف لأموال المودعين، كانت المصارف تتجاوز الأزمة وتتخلص من حمولة هذه الودائع؛ يساعدها في ذلك قرارات اعتباطية من المصرف المركزي حددت اللولار اولا ب٣٩٠٠ ليرة ثم ب ٨٠٠٠ ليرة...
طبقت المصارف هيركات على الطبقات غير الغنية بدأ بعشرين في المئة حتى وصل اليوم إلى أكثر من ٩٥٪...
جرى كل هذا وسط تشجيع من السلطات الثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية، فيما التزمت كل الأحزاب الصمت المطبق في البدء لتنتقل إلى التلميح ثم الادعاء برفض ما يحصل، وكأنها ليست على علم بهذا الذي يحصل...
لا يزال بعض السذج من اللبنانيين يعتقدون أن أحزابهم تعمل من أجل التعافي وإعادة أموال المودعين، بينما الحقيقة هي أن هذه الأحزاب على اختلافها، تنتظر ابتلاع الهيركات لهذه الأموال...
تبين لكل الأحزاب اللبنانية ان شعب لبنان هو افضل "بالوعة" سرية للأزمات...
شعب من التجار بأسوأ ما يمكن أن تكون عليه التجارة كان يعيش على هامش التاريخ عبر لعب دور السمسار...
شعب من السماسرة حيث الكل يسرق من الكل...
افضل حل كان عبر سرقة أموال هؤلاء اللصوص الصغار لأنهم لا يقوون على العض...
١٠٪ من اللبنانيين قرروا أن على تسعين بالمئة من هؤلاء يجب أن يدفعوا الخسارة...
الهيركات هو السلاح الافضل...
الزمن يسير، والفقراء ينسون...
لمن يظن أن هناك حلولا في الأفق...
لمن ينتظر استعادة الأموال المنهوبة...
لمن لا يزال مؤمناً بالاقتصاد الحر والملكية الخاصة النقية...
لمن لا يزال يعتقد بأن للأخلاق مكان في هذا الزمن اللبناني القذر...
سوف يتم التعافي في اليوم التالي لخسارة الفقراء لكل ما يملكون...
لكن هل سوف يتم التعافي فعلاً؟
أم أننا وقعنا أسرى احلام ابليس في الجنة...
الأكيد، هو أننا لا نعرف كيف نرد على المؤامرة...
مرة أخرى ينام حزب الله...
ومرة أخرى يكسب الأميركيين...
حليم خاتون