لماذا الاستهداف المستمر للجـبهة الشعبية ولماذا لازالت تمثل خياري وماذا تعني
فلسطين
لماذا الاستهداف المستمر للجـبهة الشعبية ولماذا لازالت تمثل خياري وماذا تعني
طارق أبو بسام
8 كانون الأول 2022 , 18:23 م


الرفاق والرفيقات الاعزاء،

قبل عامين من الآن سبق وان كتبت مقالا مطولا من جزئين، الاول تحت عنوان (لماذا الاستهداف المستمر للجبهة الشعبية)، والثاني تحت عنوان (لماذا مازالت الجبهة تمثل خياري).

وفي مناسبة انطلاقة الجبهة رأيت أن ما كتبته في حينه، هو عملياً جوهر وأساس ما أريد قوله اليوم، وكل يوم، وأرى أنه من المفيد اعادة نشرهما مجددا للأهمية، وفيما يلي النص المكتوب كما نشر في حينه.

لماذا الاستهداف المستمر للجبهة الشعبية ولماذا لازالت تمثل خياري وماذا تعني بالنسبة لي بعد ٥٣ عاما من الانتماء اليها.

تزايدت في الفترة الاخيرة حملات شرسة ومنظمة، استهدفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من قبل سلطات الاحتلال الصهيوني ودولته، مترافقة مع حملة امريكيه، انضم اليها عدد كبير من الدول الاوروبية، حيث يواصل العدو الصهيوني حملات القمع والملاحقة والاعتقال لنشطاء الجبهة وكوادرها بشكل مستمر، هذه الحملة التي لم تتوقف يوما منذ انطلاقة الجبهة، وتزايدت هذه الحملة في الاشهر الاخيرة. ولا يكاد يمر يوما دون ان نسمع عن اعتقال وملاحقة واكتشاف خلايا تابعة للجبهة تخطط للعمل ضد العدو.

وقامت الولايات المتحدة بوضع الجبهة على قائمتها للارهاب، وفعلت الامر نفسه بعض الدول الاوروبية، في محاولة منها للحد من نشاطات الجبهة وتحركاتها دعما للقضية الفلسطينية، ومنعها من النضال السياسي، الاعلامي، الجماهيري والقانوني ضد العدو وممارساته، ومن اجل بث الرعب والخوف بين ابناء الجالية، وهذا ما يحصل تارة تحت شعار محاربة معاداة السامية، وتارة تحت شعار ملاحقة مناهضي (اسرائيل) والواقفين في وجه مايسمي مشاريع السلام، اوالذين يهينون القيادات الصهيونية ورموزها، كما حصل في محاكمة الرفيق ابراهيم ابراهيم في المانيا بتهمة اهانة نتنياهو. هذا وقد برأت المحكمة الرفيق من هذه التهمة في المرة الاولي، وضغط صهيوني تم اعادة المحاكمة مرة ثانية، وانتصر حق الرفيق ابراهيم مرة اخري في التعبير عن رايه، وفاز بالحكم لصالحه.

ان صدورهذا القرار ورغم كل الضغوطات الصهيونية يكتسب اهمية خاصة في هذه المرحلة، كونه يشكل سابقة يمكن البناء عليها والاستفادة منها في القيام بالنشاطات في الفلك الأوروبي وكسر حاجز الخوف من التهم الجاهزة.

وتترافق هذه الضغوطات مع سياسة التركيع والتجويع التي تمارسها سلطة اوسلو ورئيسها من خلال فرض الحصار المالي على الجبهة، وذلك بقطع مستحقاتها من الصندوق القومي هذه المستحقات التى حصلت عليها بفضل تضحياتها ودورها، وبفضل دماء الشهداء والجرحى اللذين قدمتهم من اجل فلسطين، وبفضل اسراها المعتقلين، هذا الحق المقدس للجبهة واسر شهدائها وجرحاها ومعتقليها، لايحق لكائن من كان أن يعبث به، وهنا يحق لنا أن نتسائل كيف يمكن ان نفسر ان تقوم السلطة بدفع اموال طائلة لبعض المنظمات الغير فاعلة والتى لم يعد لها حضورا في الساحة ولم يبقي منها سوي الاسم، وتقطع مستحقات التنظيم الثاني في منظمة التحرير، كيف تدفع رواتب لبعض المسؤولين تزيد عن عشرة آلاف دولار شهريا مضافا لها الامتيازات والمصاريف النثرية، بينما حصة الجبهة ثمانون ألف شهريا ويتم قطعها!!!.

لا تفسير آخر لهذا إلا أنه يأتي ضمن التساوق مابين السلطة والعدو في محاولة الضغط المتواصل والمتشابك مابين العدو والسلطة على الجبهة في محاولة تركيعها ولي ذراعها، ودفعها للقبول بخيار الاستسلام.

الا ان هذا لن يحصل مهما فعلوا وقد جربوا مرات عديدة.

ورغم تاثير ذلك، ستبقى الجبهة صامدة رافعة راية المقاومة، متصدية للتنازلات، شامخة في عنفوانها متمسكة بالثوابت الوطنيةن وهي عصية على الكسر.

لم ولن ينجحوا في تطويعها او كسر ارادتها…

ان كل ماتقدم ليس بجديد، فالجبهة كانت مستهدفة دائماً ومنذ تأسيسها وانطلاقتها منذ عام ١٩٦٧، هذا الاستهداف الذي لم يتوقف لحظة واحدة.

الجبهة مستهدفة لما تحمله من فكر تقدمي، انساني، ديمقراطي. مستهدفة لما تحمله من وضوح سياسي حدّد ومنذ البداية معسكر الاعداء ومعسكر الاصدقاء، كما حدد طبيعة العدو الذي نواجه، واكد ان صراعنا مع العدو هو صراع وجود لا صراع حدود، وانه لامجال للتعايش مع هذا العدو…

الجبهة مستهدفة لما تمثله من تمسك بخيار المقاومة، خيار الكفاح المسلح وعدم التراجع عنه.

الجبهة مستهدفة لانها كانت ومازالت متمسكة بتحرير فلسطين، كل فلسطين، ورفضت المساومة على اي شبر من ترابها.

الجبهة مستهدفة لانها رفضت سياسة التنازلات في اوسلو وقبل وبعد اوسلو…

الجبهة مستهدفة لانها قدمت نموذجا جسد الربط بين القول والعمل والتصقت بشعبها وشاركته المعاناة…

الجبهة مستهدفة كونها شكلت نموذجا اخلاقيا يحتذى به في العمل الوطني وتمسكت بالوحدة الوطنية ومنظمة التحرير في اصعب الظروف، ورفضت و حاربت الانقسام.

الجبهة مستهدفة لانها رفضت ان تكون تابعة لأحد.

الجبهة مستهدفة لانها جسدت عمليا الربط بين البعد الوطني والقومي وبين القومي والاممي.

الجبهة مستهدفة لانها شكلت نصيرا و معينا لحركات التحرر والاحزاب والمنظمات التقدمية العربية والعالمية.

الجبهة مستهدفة لانها ابقت بندقيتها ونضالها تجاه فلسطين ومن اجل فلسطين، ولم تشارك في الاقتتال الداخلي.

الجبهة مستهدفة كونها تنظيم يؤمن بدور المراجعة والنقد والنقد الذاتي، تنظيم يعترف بالخطأ ويعمل على تجاوزه.

الجبهة مستهدفة كونها تؤمن بدور المرأة اجتماعيا وسياسيا ونضاليا. تؤمن بحرية المرأة، وان تقدم اي مجتمع يقاس بحرية ودور المراة فيه.

الجبهة مستهدفة كونها التنظيم الاكثر خطورة على وجود العدو…

لهذه الاسباب والعديد غيرها تستهدف الجبهة.

نعم لقد جاء الجواب على هذا السؤال وفي اكثر من مناسبة ومن قبل قادة العدو الصهيوني في تصريحاتهم المتعددة ان الجبهة الشعبية تشكل التنظيم الاكثر خطورة عل العدو، لما تمثله من روح كفاحية عالية وما تمتاز به من وضوح في الرؤيا وماتملكه من قدرة على التنظيم والتخطيط وثبات مواقفها وصلابة مبادئها.

لذا ليس جديدا ان تتعرض الجبهة لكل هذه الحملات والضغوطات، فالجبهة لما حملته من افكار وماطرحته من برامج وما اتخذته من مواقف شكلت استجابة لطموحات شعبنا الفلسطيني والعربي، وهذا ما يفسر الانتشار الواسع للجبهة في كافة ارجاء المعمورة، حيث تمتد من المحيط الى الخليج ومن امريكا الشماليه الى الجنوبيه، ومن اسيا الى افريقيا، ومن اوروبا الى أستراليا.

ليس هذا فقط، وإنما امتازت أيضاً بنوعية أعضائها ومناصيرها وما يتميزون به من مواصفات تعلموها في مدرسة الحكيم وابي علي ووديع وغسان وابي ماهر اليماني وغيرهم من القادة الكبار.

بعد ذلك لابد من استعراض سريع لأبرز محطات استهداف الجبهة:

المحطة الأولى

انشقاق الديمقراطية

بعد تأسيسها بفترة قصيرة لا تتجاوز ال ١٤ شهرا تعرضت الجبهة لانقسام داخلي، حيث خرج فريق منها سمي ( الجبهة الشعبيية الديمقراطية لتحرير فلسطين)، وقد كان لهذا الانقسام اسبابه الداخلية والخارجية، وساهمت العديد من القوى الفلسطينية والعربية بتشجيع هذا الانقسام.

وهنا لسنا بصدد الحديث عن الانقسام واسبابه ومن يتحمل المسؤوليه ودور الاخرين فيه، فهذه ليست مهمة هذه المقالة، وانما مهم جداً ان نسجل ان هذ الانقسام لعب دورا كبيرا في اضعاف دور الجبهة الشعبية والتأثير عليه. ومن عاش تلك التجربة يعرف تماما ماكانت تتمتع به الجبهة ودورها في النضال الفلسطيني، والذي كان موازيا لدور فتح و متفوقا عليه في الكثير من المواقع والمواقف في ذلك الوقت.

لقد تراجع دور الجبهة نسبيا تحت تأثير هذا الانشقاق، لكن الجبهة بقيت تنظيما مميزا ورائدا واستمرت في لعب دور محوري في الساحة الفلسطينية والعربية والعالمية.

والسؤال الذي اريد ان اطرحه هنا، على الجميع وامام الجميع، وهو سؤال افتراضي طبعاً، تصوروا لو ان الانقسام لم يحصل وبقيت الجبهة موحدة واحدة، ماذا كان سيكون دورها، بالتأكيد اكبر بكثير مماهو عليه الان.

المحطة الثانية

اغلاق مكاتب الجبهة الشعبية وإبعاد أعضائها من مصر في عام 1970 بعد مشروع روجرز، ومن المعروف ان مصر كانت تشكل ساحة اساسية للنضال الفلسطيني للجبهة في ذاك الوقت مما اثر على دورها في العمل مع قطاع غزة ودورها العربي ايضا.

المحطة الثالثة

انشقاق الجبهة الثورية

بدعم من قوي فلسطينية وعربية حدث انشقاق مجموعة من الجبهة في محاولة اخري لاضعاف دورها، وقد خسرت الجبهة من خلال ذلك عددا من كوادرها وأعضائها. الا ان هذا الانشقاق لم يعمر طويلا وانتهى هذا التنظيم بعد فترة قصيرة ولم يعد موجودا.

المحطة الرابعة

بقيت الجبهة ممنوعة في اغلبية الدول العربية من ممارسة نشاطها في تعبئة الجماهير الفلسطينية وتنظيمها، وكان يتم اعتقال أعضائها وإبعادهم تحت مبررات انهم يشكلون خطرا على الدولة. ولم يسمح للجبهة بفتح المكاتب والقيام بالنشاطات السياسية والإعلامية كما هو الحال بالنسبة لفتح وغيرها.

المحطة الخامسة

استمرار حملات الملاحقة والاعتقال والاغتيال لناشطي الجبهة طوال السنوات الماضية منذ الانطلاقة وحتى الان. وقد نجح العدو في بعض الاحيان لكنه فشل في محاولات عديدة.

المحطة السادسه

الاغتيالات في صفوف القيادة

فمن اغتيال الرفيق غسان كنفاني في عام ١٩٧٢ مع كل ما شكلته هذه العملية من خسارة كبيرة جدا لفلسطين والثورة بشكل عام، والجبهة الشعبية بشكل خاص، حيث كان غسان قائدا ورمزاً كبيراً لايعوض، فهو السياسي والاديب والصحافي والاعلامي والرسام والذي رحل وهو في قمة العطاء. وقبل نهاية نفس العام جرت محاولة فاشلة لاغتيال الرفيق بسام ابي شريف عضو المكتب السياسي للجبهة والذي استلم مهام الاعلام بعد الشهيد غسان، محاول اغتيال أودت بأصابع يد وعين وفقدان السمع باحدى الاذنين.

وبعد هاتين العمليتين تواصلت المحاولات الصهيونية لاغتيال الحكيم الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد وغيرهما، الا انها لم تنجح في ذلك مباشرةً ولفترة طويلة، إلا أنها نجحت بعد ذلك في اغتيال وديع حداد بواسطه السم كما بات معروفا في عام ١٩٧٨.

واستمرت في محاولاتها حتي نجحت في اب عام ٢٠٠٠ من اغتيال الامين العام القائد المعلم والرمز ابوعلي مصطفي في رام الله، وكانت تريد من هذه العملية القضاء على دور الجبهة وليس اضعافه فقط وهذا ما صرح به العديد من المسؤولين الصهاينة.

لقد وجه الكيان الإسرائيلي من خلال هذه العملية ضربة مؤلمة جدا وموجعة جدا ليس فقط للجبهة الشعبية كون الرفيق ابو علي كان قائدا مميزا في شخصيته وحضوره السياسي والجماهيري وخبرته العسكرية والتنظيمية وما مثله من نموذج قيادي يصعب تعويضه وهنا للتاريخ نسجل للرفيق ابوعلي دوره الكبير والنقلة النوعية التي احدثها في صفوف الجبهة وتفعيل دورها في الداخل بعد عودته حيث استشعرت دولة الكيان هذا الخطر الكبير الذي يمثله هذا القائد ليس على مستوى الجبهة فحسب بل على المستوى الوطني الفلسطيني عموما.

ولم تمهله وقامت باغتياله وهنا اقول بعد الترحم على هذا القائد الاسطوره ماذا لو قدر له ان يعيش عدة سنوات في الداخل وماذا كان ممكن ان يفعل.

المحطة السابعة

الاعتقالات في صفوف القيادة

لم تكد الجبهة ان تتعافي وان تعيد ترتيب امورها بعد عملية اغتيال الرفيق ابوعلي وانتخاب امين عام جديد هو الرفيق القائد سعدات، وبعد العملية النموذجيه الرائعة والتي شهد لها الجميع ردا على عملية اغتيال الرفيق ابوعلي حيث تم تصفية الوزير الصهيوني رحبعام زئيفي، وبوقت سريع جدا. هنا ادرك العدو ان الجبهة برحيل امينها العام ابو علي لم تنكسر ولازالت فاعلة، وبدأ يعمل من أجل اعتقال وتصفية القائد سعدات، وهنا قامت سلطة أوسلو بدورها الوظيفي نيابة عنه وبالتنسيق معه في تحقيق ذلك، عبر الخديعة التي تمت من توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية انذاك، وبقرار من عرفات. وبقي الرفيق ورفاقه الآخرين المسؤولين عن تنفيذ حكم الاعدام للوزير الصهيوني في سجن المقاطعة ولم تستجيب القيادة لكافة المناشدات لاطلاق سراحهم حتى حوصرت المقاطعة وتم نقلهم لسجن اريحا، وفق ما بات معروفاً باسم صفقة المقاطعة سيئة الصيت والسمعة، حيث قامت قوات الاحتلال بعد مدة باقتحام السجن واعتقال الرفيق سعدات ورفاقه وبقية القصة معروفة للجميع. وبعد ذلك تم اعتقال الرفيق ملوح نائب الأمين العام في ذلك الوقت من قبل سلطات الاحتلال واعتقلت القيادية في الجبهة الرفيقة خالدة جرار كل ذلك وكل هذه الضربات المتتالية كان الهدف منها مرة أخرى القضاء على الجبهة لكنهم لم يفلحوا ولن ينجحوا في ذلك.

واستمرت الجبهة، رغم أنف الحاقدين، ورغم الخسارة الكبيرة وهذه الضربات في القيام بعملها واستطاعت ان تخرج من هذه الصعوبات الكبيرة وتعود لممارسة دورها وتعيد تنظيم صفوفها، وطبعاً هذا كما قلنا سابقاً هو أحد اسباب الاستهداف الدائم للجبهة، فهي كالعنقاء تخرج بعد كل ضربة اقوى وأقوى.

هذا ماجعل العدو مربكا متخبطا لعدم قدرته على تحقيق اهدافه، واقلها اضعاف دور الجبهة ان لم يكن القضاء التام عليهز وبدأ بتكثيف عمليات الاعتقال والمطاردة والاغتيال في الفترة الأخيرة والسنوات الماضية في سبيل تحقيق ذلك ورغم هذا استطاعت الجبهة أثناء الاجتياح الصهيوني وما يسمى عملية السور الواقي، وقامت بدورها الكامل في الدفاع عن الشعب والوطن ولم يفت في عضدها اغتيال أمينها العام، واعتقال خلفه، وساهم رفاقنا في المعارك جميعها وقدمت الجبهة خيرة أبنائها وعلى رأسهم الرفيق القائد الشهيد ربحي حداد عضو اللجنة المركزية الذي استشهد في معركة الدفاع عن البلدة القديمة في نابلس، والرفيق القائد رائد نزال قائد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في قلقيلية وعدد آخر من أعضاء الجبهة البواسل.

المحطة الثامنة

إستمرار حملات الاعتقال والمطاردة للرفاق، مع هدم بيوتهم ومعاقبة اهاليهم حسب سياسة العقاب الجماعي في انتفاضة الحجارة، وانتفاضة الاقصي في محاولة اخرى منه لردع الجبهة وعدم تمكينها من ممارسة دورها الكفاحي، الا ان الجبهة كانت في كل مرة تخرج من المازق وتواجه العدو من حيث لايدري ولا يعلم وتعود لممارسة دورها بشكل اكبر.

ومهما فعل العدو وخطط لن يستطيع القضاء على الجبهة فهي الآن تيار فكري تنظيمي واسع يتواجد في كل بيت فلسطيني وقد نقول في كل بيت عربي تقدمي.

في النهاية كيان الاحتلال عدو لنا نعرف كيف نواجهه، والمشكلة ليست هنا، المشكلة مع هذا الكيان الوظيفي المسمى سلطة أوسلو وما يمارسه ضد الجبهة وما يفرضه من حصار مالي تنفيذا لاوامر أسياده، ولا يصب الا في خدمتهم.

ورغم كل هذا ستبقى الجبهة الشعبية شامخة حاملة راية العز والحرية، راية تحرير فلسطين، كل فلسطين راية الكفاح المسلح رايةالعودة وتقرير المصير، راية القضاء على الاحتلال راية المساواة والعدالة

هذا القسم الاول من مقالتي التى رايت ان تكون من قسمين اما القسم الثاني والذي يتناول لماذا لازالت الجبهة تمثل خياري بعد اكثر من ٥٣ عاما من الانتماء لها سيكون في الايام القريبة القادمة

في الأيام السابقة كنت قد كتبت الجزء الاول من مقالتي التي حملت عنوان لماذا الاستهداف المستمر للجبهة الشعبية، ولماذا لازالت تمثل خياري، وماذا تعني بالنسبة لي بعد ٥٣ عاما من الانتماء اليها.

في القسم الاول من المقالة تناولت لماذا لاستهداف المستمر للجبهة، وفي القسم الثاني ساتناول االجزء الآخر من عنوان المقال.

بداية اعتذر منكم بشدة بسبب التاخر في كتابه الجزء الثاني، وذلك لأسباب خارجة عن إرادتي، وبالتحديد بسبب وعكة صحية اصابتني وجعلتني غير قادر على مواصلة نشاطي، اما الان وقد تجاوزتها، فها انا اضع بين ايديكم الجزء الثاني حتي تستكمل المقالة.

قبل بضعة اسابيع كنت مشاركا في جلسة حوارية مع عدد من الاصدقاء والأخوة المثقفين العرب، كان حاضرا فيها اخوة ورفاق من العراق وسوريا، لبنان واليمن، مصر والجزائر، تونس ومن فلسطين.

كانت جلسة ممتعة ورائعة، تم فيها حوار جيد ومثمر تناول العديد من القضايا على الساحة العربية والتي تشغل بال المواطن العربي في هذه الفترة خاصة (الربيع العربي) والنتائج الكارثية التي وصلنا إليها من خلال المؤامرات، والتي هدفت وتهدف الى تقسيم المنطقة،والقضاء على اية قوة عربية مناهضة للصهيونية ودولة الكيان الغاصب ورافضة لمشاريع امريكا على المنطقة، واقامة ما سمي بشرق اوسط جديد. كما تم في هذه الجلسة ايضا مناقشة الموضوع الفلسطيني

وتم التوقف امام صفقة القرن وقرار الضم وخطوات التطبيع واوسلو والوحدة الوطنية الفلسطينية وموضوع الانقسام، وغيرها من الموضوعات، وموقف المنظمات الفلسطينية منها خاصة الجبهة.

وبعد ان قمت بتقديم مداخلة مطولة حول الوضع وموقف الجبهة من التطورات ودورها في الساحة وبعد حوار شامل ومعمق، وقف احدهم وسألني قائلا: اخ ابو بسام انت من المناضلين القدامى وشاركت في الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها ومضي اكثر من نصف قرن ولازلت تشارك في العمل الوطني دون كلل او ملل، رغم كل ماحصل. ومازلت تتمتع بروح كفاحية ومعنويات عالية، رغم حالة اليأس والاحباط التي نعيشها ومن البداية اخترت الجبهة الشعبية وانخرطت للنضال في صفوفها منذ التاسيس ولازلت تفتخر وتعتز كونك تنتمي لهذا التنظيم

فماذا تعني لك الجبهة الشعبية بعد هذا العمر الطويل، وهل لازلت متمسكا بهذا الخيار، ولو عادت بك الامور الى الوراء، هل ستختار نفس الطريق ام انت نادم على ذلك.

قلت له سارد عليك ولكن ارجو ان تتحمل اجابتي الطويلة على هذا السؤال وان يتسع صدرك لما ساقوله.

قلت له الجبهة تعني لي الكثير الكثير، لدرجة لا استطيع ان اتصور ولو لحظة واحدة ان اكون بعيدا عنها او خارجها. لقد اصبح هذا التنظيم جزء من حياتي وكياني، انا جزء منه وهو جزء مني ولا يمكن الفصل بيننا.

لقد اخترت هذا التنظيم منذ التاسيس من خلال الحس العفوي وبالفطرة، حيث كنت في السابعة عشرة من عمري، ولا ادعي انني كنت امتلك الوعي النظري والسياسي وكانت هذه المرحلة بالنسبة لي بداية تبلور هذا الوعي.

لقد شكلت الجبهة بالنسبة لي الخط السياسي الواضح الذي يقوم على تحديد معسكر الاعداء والاصدقاء.

كما شكلت بالنسبة لي الموقف الحازم الذي يقول لاتعايش مع الكيان الصهيوني، وشكلت بالنسبة لي ايضا نموذجا يدعوا لتحرير فلسطين كل فلسطين .ويرفض المساومة والتنازل، وشكلت نموذجا يجمع مابين السياسي و الكفاحي من خلال شعار كل مقاتل سياسي وكل سياسي مقاتل.

ومثلت لي ايضا الفكر التقدمي الذي يدافع عن الفقراء والمظلومين

ومثلت بالنسبة لي التمسك بوحدة الارض الفلسطينية والشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده في الضفة و غزة وال ٤٨ والشتات

الجبهة تعني بالنسبة لي التمسك بالوحدة الوطنية ومنظمة التحرير استنادا للبرنامج والميثاق الوطني والثوابت الوطنية

الجبهة تعني لي رفض الانقسام وعدم الانجرار للصراعات الداخلية وعدم التلوث بالدم الفلسطيني ورفضها للاقتتال الداخلي.

الجبهة تعني لي محاربة الفساد والفاسدين

الجبهة تعني لي الحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل وربطه مع بعده العربي

تعني بالنسبة لي ربط القطري مع القومي عبر موقفها من القوي التقدمية والوطنية العربية

الجبهة تعني لي القدرة على ربط القومي مع الاممي مع التمسك بخصوصية الوضع الفلسطيني

وهذا ما جسدته من خلال علاقاتها مع الدول الاشتراكية والحفاظ على خطها السياسي المميز

كما تعني لي العمليات النوعية ووراء العدو في كل مكان هذا الشعار الذي كان يرعب العدو والرجعيات العربية

الجبهة تعني لي النموذج الذي قدمته في العلاقة مع الجماهير وقول الحقيقة لها النموذج الذي يلتصق بالجماهير ويعيش آلامها

الجبهة هي التنظيم الذي تصدي بقوة للعدو الصهيوني في معركة الكرامة وفي معارك لبنان المتعددة وصولا لحرب ١٩٨٢

الجبهة تعني لي الرافعة والمحرك دون اهمال دور الاخرين الانتفاضة الاولي انتفاضة الحجارة والثانية انتفاضة الأقصى

الجبهة تعني بالنسبة لي التصدي لنهج التسوية منذ برنامج النقاط العشرة عام ١٩٧٤ وصولا لاتفاقيات اوسلو

الجبهة هي الفصيل الاول الذي اجري عملية تبادل اسري مع العدو في عام 1968

الجبهة هي الدفاع عن المرأة وحقها في المساوة مع الرجل

الجبهة هي الاعتماد على الشباب وتكريس دورهم في الثورة

الجبهة هي الكادر الملتزم ثقافيا وفكريا ويخوض معركة ضد استلاب الوعي الفلسطيني

الجبهة هي احترام الرأي والرأي الاخر واتباع الحوار الديمقراطي

وربط الفكر بالممارسة والقول بالعمل، الي جانب كل ذلك انني اري الجبهة من خلال

١- الحكيم جورج حبش صاحب الرؤيا السياسية الثاقبة والتجربة الديمقراطية الرائدة والذي قدم نموذجا فريدا في المنطقة العربية والساحة الفلسطينية، حيث كان القائد الاول الذي يتخلي عن الامانة العامة وهو لازال قادرا على العطاء. شكل نموذجا في الصدق والعطاء. وهو الذي رفض اتباع العنف مع المنشقين عن الجبهة وارسي قاعدة للحوار عنوانها الطلاق الديمقراطي اذا اختلفت الآراء داخل الحزب ولم يعد ممكنا التوصل إلى حل ورفض اللجوء الي القوة كما حصل مع بعض التنظيمات

٢- ابوعلي مصطفي الامين العام الثاني للجبهة بعد الحكيم والذي لم يختلف اثنان علي توليه هذ المنصب وهذا ما كان في المؤتمر الوطني السادس

لقد مثل الرفيق ابو علي نموذجا قياديا مميزا للقائد الصلب والشجاع، حيث تمتع بعزيمة كالفولاذ وشموخ كالجبال إلي جانب حسه العاطفي وحبه لابناء شعبه هذا القائد صاحب المواقف المبدأية الصلبة وهو القائل عندما وطأت اقدامه تراب فلسطين بعد عودته للداخل ( عدنا لنقاوم ولم نعد لنساوم)، ودفع حياته ثمنا لهذه المواقف الشجاعة.

٣- احمد سعدات الامين العام الثالث للجبهة، وهو صاحب المقولة الشهيرة بعد اغتيال ابوعلي مصطفي وعند انتخابه امينا عاما ( العين بالعين والسن بالسن والدم بالدم)، هذا الرفيق الذي مازال يقبع في سجون الاحتلال بعد اعتقاله من خلال مؤامرة دنيئة تواطأت فيها السلطة ورئيس مخابراتها مع العدو.

٤- وديع حداد صاحب شعار وراء العدو في كل مكان وما ادخله من رعب في قلوب الاعداء

٥- غسان كنفاني عميد الادب الفلسطيني المقاوم الكاتب والصحفي والروائي المبدع

٦- ابو ماهر اليماني ضمير الثورة، القائد الجماهيري الذي رفض الامتيازات عندما كان عضوا في اللجنة التنفيذية وبقي ملتصقا مع الجماهير ورفض مغادرة المخيم وحارب الفساد والاستسلام.

٧- جيفارا غزة القائد الجبهاوي الذي سيطر على قطاع غزة ليلا كما قالت تصريحات قيادة العدو واقام سلطة المقاومة في القطاع

٨ - ابونضال المسلمي والذي قاد و باقتدار مع المرحوم ابو جهاد انتفاضة الحجارة

٩- تيسير قبعة والذي مثل نموذجا في قيادة الدبلوماسية المقاومة اثناء عمله كنائب لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني

١٠- صابر محي الدين القائد والمفكر الفلسطيني الصامت الذي قاتل بصمت ورحل بصمت

١١- صلاح صلاح هذ القائد الذي قاوم، ولازال رغم تجاوزه الـ ٨٥ عاما اطال الله في عمره وأعطاه الصحة والعافية ليستمر، وهو ما زال يعمل بعزيمة يفتقر لها الشباب

١٢- عمر قطيش هذ الرفيق الذي امضي حياته مناضلا، وبقي يعمل وهو يصارع المرض حتى وفاته،

والجبهة تعني لي الرفيقات المناضلات ليلي خالد رسمية عودة وداد قمري امينة دحبور مريم ابو دقة سميرة صلاح واول شهيدة للثورة الفلسطينية شادية ابو غزاله.

13 - الجبهة تعني لي الرفاق القادة عزمي الخواجا (ابوعصام) وحمدي مطر (ابو سمير) وابو مشهور اللذين شكلوا قلاعا للصمود والتحدي في سجون الرجعية في الأردن، وقدموا نموذجا في العلاقة مع الجماهير.

الجبهة تعني بالنسبة لي الرفيق ابو منصور قائد معارك جبال الخليل وصاحب التجربة الرائدة.

الجبهة تعني بالنسبة لي التحالف مع قوى الثورة العالمية واليسار في المانيا وايطاليا واليابان وتركيا وفي بلدان امريكا اللاتينية.

الجبهة تعني لي الشهيد مظفر الايراني منفذ عملية سينما حين، وكوزو أوكاموتو الياباني ورفاقه منفذوا عملية مطار اللد، كما تعني المناضل كارلوس منفذ عملية احتجاز وزراء اوبك في فينا، والرفيق المناضل الكبير جورج عبدالله الذي مازال يقبع في السجون الفرنسية منذ ٣٨ عاما وبقي في السجن رغم قرار المحكمة اطلاق صراحه في سابقة فريدة من نوعها وتحت الضغط الصهيوني.

الجبهة تعني لي ابو طلعت العجرمي عضو اللجنة المركزية مسؤول تنفيذ عملية تحرير الحكيم من السجون السورية، الذي استشهد في معارك المواجهة مع النظام الاردني في عام 1970، الجبهة تعني ابو أمل عضو اللجنة المركزية الذي استشهد في عام 1976 دفاعا عز مخيم تل الزعتر.

واولا واخيرا الجبهة تعني لي آلاف الشهداء و الجرحى والمعتقلين، وأبطال العمليات النوعية،

الجبهة تعني لي تشكيل جبهة الرفض، وجبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني، ضد مشاريع التسوية ومن اجل مقاومتها قبل اوسلو وبعده.

الجبهة تعني لي انها بقيت ترفع راية المقاومة عندما رفع الكثيرون راية الاستسلام وبقيت تقاوم، وهي جزء لا يتجزأ من محور المقاومة.

الجبهة تعني لي قيادة الجبهة القابضة على الجمر، المتمسكة بالوحدة الوطنية والثوابت الوطنية الرافضة لنهج التسوية والاستسلام.

كما ان الجبهة تعني بالنسبة لي ماتمثله من تيار جماهيري واسع ينتشر في كافة أنحاء المعمورة، حيث اصبح من الصعب ان تجد مكانا لاوجود للجبهة فيه.

هذه هي الجبهة التي عرفتها وانتميت لها ولا زلت متمسكا بهذا الانتماء افتخر واعتز به

هذ ا خياري وهذه قناعاتي التي لم تتغير ولو خيرت الان مرة أخرى لما اخترت ان اكون سوى عضوا في هذه الجبهة ولست نادما على ذلك

ان خياري هذا لايعني عدم احترام خيار الاخرين فهذا حق مقدس للجميع

واخيرا اقول ان الجبهة ليست كاملة الاوصاف فهي تخطيء وتصيب، ومن يعمل يخطيء والكمال لله وحده.

هذه اسباب اختياري واستمرار تمسكي بالجبهة

اقولها بشكل متواضع وارجو ان اكون على حق

طارق أبو بسام

براغ، ‏08‏/12‏/2022 

المصدر: موقبع إضاءات الإخباري