العالم المهتز بين قمة المناخ وقمة العشرين
دراسات و أبحاث
العالم المهتز بين قمة المناخ وقمة العشرين
د. محمد رقية
8 كانون الأول 2022 , 18:41 م


كتب د. م. محمد رقية 

وسط توترات جيوسياسية كبيرة وأزمات عالمية متشابكة ومعقدة انعقدت قمة المناخ (كوب 27 ) في منتجع شرم الشيخ بمصر وقمة العشرين في جزيرة بالي بإندونيسيا تمثلت في :

1- عالم منقسم بين أمريكا وحلفها الغربي وأذنابهم من جهة وروسيا والصين وايران ودول العالم الثالث من جهة أخرى

2- أزمة طاقة وأزمة غذاء عالمية كرستها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي بدأت في 24 شباط الماضي بسبب الموقف الأوروبي والأمريكي منها .

3- عقوبات أمريكية غربية شديدة على كل من يحاول الخروج عن الهيمنة الأمريكية وخاصة على روسيا وايران وسورية ولبنان واليمن وليبيا والسودان والعراق وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية والعديد من الدول الأخرى في العالم

4- الضغوط الناجمة عن التضخم الذي يطال العالم بأسره وسط ركود عالمي محتمل

5- تداعيات جائحة كورونا على حركة العالم خلال العامين الماضيين ولا زالت تتفاعل من خلال تطوير أنواع جديدة من الفيروس لدى المختبرات البكتريولوجية الأمريكية وهذا ما أكده الجانب الروسي مؤخرا" بشكل موثق

6- كوارث طبيعية عديدة وخاصة الجفاف والفيضانات واحتباس حراري متزايد ستكون نتائجه وخيمة على مستقبل الحياة على الأرض إن لم تتخذ القرارات والإجراءات الجدية اللازمة.

7- تطرف صهيوني غير مسبوق واعتداءات متكررة على سورية ومقاومة فلسطينية شبابية بالحجر والسكين تشكل معجزة حقيقية قل نظيرها .

8- احتلال أمريكي وتركي لأجزاء من سوريا والعراق ودعم لقسد والإرهاب الخارج عن القانون

9- استعصاء في الحل اليمني بسبب الهيمنة والعجز الأمريكي وبسالة الشعب اليمني بجيشه ولجانه الشعبية .

قمة المناخ

ففي هذه الأجواء انطلقت قمة المناخ (كوب27) في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر في منتجع شرم الشيخ بمصر واستمرت اسبوعين لبحث المواضيع التي تهدد كوكب الأرض ومشاكله المناخية ومحاولة إعطاء دفع جديد لمكافحة الاحترار المناخي وتداعياته في عالم منقسم وفي سياق حاجة الدول الفقيرة إلى المال لمواجهة تداعيات تغير المناخ التي أصبحت تحصد أرواحا وتعيث فسادا بالاقتصاد .وقد حضره رؤساء دول ووفود من 196 دولة في العالم

وتمحورت أعمال قمة المناخ 27 (كوب27) حول ثلاث أولويات متشابكة وهي الانبعاثات والمساءلة والمال.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش شدد على أن النضال من أجل المناخ “بات مسألة حياة أو موت لأمننا اليوم ولبقائنا غدا” مع فيضانات غير مسبوقة في باكستان وموجات قيظ متكررة في أوروبا وأعاصير وحرائق غابات وجفاف في مناطق مختلفة من العالم . وأكد أن مؤتمر كوب 27 “يجب أن يرسي أسس تحرك مناخي أسرع وأكثر جرأة راهنا وخلال العقد الحالي الذي سيحدد خلاله ما إذا كان النضال من أجل المناخ سيكون رابحا أو خاسرا”. واقترح ميثاق التضامن المناخي والذي يجمع بين قدرات وموارد الاقتصادات المتقدمة والناشئة لفائدة الجميع.

ووفقا لأحدث تقرير للجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة، والذي نُشِر قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر "كوب 27"، سوف تؤدي التعهدات المناخية الحالية غير الكافية للدول الـ 194 التي وَقَّعَت على اتفاقية باريس للمناخ، إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

وعلى الرغم من أن مسار الاحتباس الحراري العالمي عرف تحسنا منذ أن بدأت مفاوضات المناخ في الأمم المتحدة عام 1995 إلا أنه في ظل السياسات الراهنة يتوقع أن ترتفع حرارة الأرض بـ2,8 درجة مئوية وهو أمر يعتبره الخبراء كارثي.

والمفارقة الغريبة أن دول مجموعة العشرين التي تعقد بنفس الوقت اجتماعها في إندونيسيا مسؤولة عن 80 % من الانبعاثات العالمية المسببة للحرارة ومع ذلك فإن هذه الدول الأغنى في العالم متهمة بعدم تحمل مسؤولياتها على صعيد الأهداف الموضوعة والمساعدات إلى الدول النامية.

وكانت أهم منجزات المؤتمر:

1 - التعهد بتقديم تمويلات مناخية جديدة للمرة الأولى، بما في ذلك صندوق "الخسائر والأضرار" لمساعدة البلدان النامية على معالجة آثار التغيرات المناخية.

ولكن نرى أن "صندوق تعويض الخسائر والأضرار ضروري، لكنه يميل إلى التخفيف بدلاً من الوقاية، وهو ما يشبه جمع التبرعات لشراء ملابس جديدة لأحد الجيران بعد مشاهدة منزله محترقًا، لأنك أسقطت عليه عود ثقاب مشتعل".

- 2- مناقشة قضايا الأمن الغذائي لأول مرة في مؤتمرات المناخ والاعتراف بعلاقة أزمات التنوع البيولوجي بتغيرات المناخ، والإجماع على ضرورة إنتاج طعام صحي ومغذي ومستدام وقادر على الصمود في وجه تغيرات البيئة.

- 3- تضمين ملف المياه للمرة الأولى كوسيلة لمكافحة تغير المناخ، ما يعني إدخال المياه في القطاعات المستحقة للتمويل المناخي كجزء من سياسات التخفيف والتكيف.

4-- إضافة مصطلح "الحلول المستندة إلى الطبيعة" لأول مرة في "قرار الغلاف" الختامي لبيان المؤتمر وتخصيص قسم عن "الغابات" وحمايتها.

5- - زيادة أرقام التمويل من عدة دول لمواجهة مخاطر المناخ التي قدم بعضها لإندونيسيا وفيتنام

6 - رفع سقف التعهدات الدولية لخفض آثار مخاطر التغير المناخي، حيث تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات الغازات بمقدار 57 بالمئة بحلول 2030، وكندا بنسبة 75 بالمئة بحلول عام 2030، كما تعهدت منظمة الأغذية والزراعة "فاو" بوضع خارطة طريق للزراعة تتوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية قبل مؤتمر المناخ المقبل، إضافة لتعهد الرئيس البرازيلي بالتوقف عن إزالة الغابات في منطقة الأمازون بحلول عام 2030.

-7- دعا البيان إلى "تسريع الانتقال النظيف والعادل إلى الطاقة المتجددة". دون تحديد الآليات

والسؤال الأبرز هنا هل سينفذ شيء من هذه التعهدات ؟؟؟

وكانت أبرز الإخفاقات:

-أ- عدم الاتفاق على التخفيض التدريجي لجميع أنواع الوقود الأحفوري بما في ذلك النفط والغاز، ما يعد إهمالاً لمعالجة المسببات الأساسية للتغيرات المناخية.

- ب - عدم تحديد المسارات والخطط لتحقيق هدف الإبقاء على درجة حرارة الأرض بحدود 1.5 درجة مئوية.

ج - فشل إقرار تمويل للحفاظ على الغابات من آثار التغيرات المناخية.

د - شهدت القمة انقسامات عميقة بين الأطراف المشاركة حول المساعدات النقدية المرجوة لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع الآثار الناجمة عن التغير المناخي. كما تعدّ فكرة خفْض استخدام الوقود الأحفوري بكل أشكاله للحد من ارتفاع درجات الحرارة حول العالم، موضع انقسام عميق بين الوفود المشاركة . وتنهج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يخشيان اعتماد آلية مفتوحة للتعويضات، منذ سنوات سياسة المماطلة وتشككان في الحاجة إلى آلية مالية منفصلة، غير أن صبر الدول المتضررة بدأ ينفد.

في الوقت الذي تحتاج فيه البلدان النامية " الى تريليوني دولار سنويا" حتى عام 2030 لإيقاف الاحتباس الحراري وفق ما أكده تقرير أممي بهذا الخصوص وأشار على أنه يجب أن يأتي تريليون دولار، من هذا المبلغ ، من الدول الغنية والمستثمرين وبنوك التنمية متعددة الأطراف. فإن المجتمعين لم يستطيعوا حتى جمع مئة مليار طيلة السنوات الماضية

ه - عدم الوصول لاتفاق حول تصنيف الهند والصين كدول مستحقة للتمويل المناخي أو كدول ملزمة بمساعدة البلدان المتضررة من الانبعاثات.

قمة العشرين

وفي خضم تحولات إقليمية ودولية فارقة وأزمات سياسية واقتصادية متلاحقة عقدت خلال يومي 15 و16 نوفمبر في جزيرة بالي الإندونيسية قمة مجموعة العشرين (G 20 ) تحت شعار "التعافي معا جميعا" لان هذه القمة جاءت بعد ازمتين كبيرتين شهدهما العالم وهما أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية واسفرت عن تداعيات اقتصادية سلبية على العالم وتراجع معدلات النمو وخاصة في الدول المتقدمة. وشارك فيها 17 رئيس دولة وغاب الرئيس الروسي بوتين وتمت هذه القمة في فترة انعقاد قمة المناخ التي بدأت في 6 نوفمبر ، وقد رافقها لقاء بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ. وتشمل مجموعة العشرين الدول التالية التي تسبب 80 بالمئة من أزمة الاحتباس الحراري العالمي المهددة للحياة :

الولايات المتحدة الأمريكية, الصين , روسيا , الهند , البرازيل , كندا, استراليا , الأرجنتين، ، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وجمهورية كوريا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي

وتأسست المجموعة عام 1999 لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي عبر سياسات الدول الأهم اقتصاديا في العالم. وهذه المجموعة يمثل إنتاجها 80 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي. وحصها من حجم التجارة العالمية يشكل 75 بالمئة. ومجموع سكان هذه الدول يمثل ثلثي سكان الكرة الأرضية.

وعقب سلسلة اجتماعات وزارية تحضيرية لقمة مجموعة العشرين، فشلت في التوصل إلى توافق بسبب الانقسامات العميقة بين الغربيين وروسيا ودول الجنوب بشأن الحرب في أوكرانيا، كثفت إندونيسيا الدولة المضيفة الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق خلال القمة.

ودعت وزارة الخارجية الروسية في بيان المجموعة إلى التركيز على القضايا الاقتصادية التي تأسست من أجلها المجموعة التي تجمع الاقتصادات الرئيسية في العالم، بدلاً من القضايا الأمنية التي تقع ضمن اختصاص الأمم المتحدة.

ركزت قمة مجموعة الـ20 على 4 قضايا رئيسية ظلت قائمة في عشرات الاجتماعات التحضيرية والوزارية التي استضافتها إندونيسيا طوال العام:

أولا: منظومة صحية عالمية لمواجهة الأوبئة

ثانيا" التعامل مع أزمة الغذاء وأزمة المناخ

ثالثا" التحول في مجال الطاقة

رابعا: تحديات التحول الرقمي

لقد أكد رئيس جمهورية إندونيسيا في كلمة الافتتاح أن العالم يواجه تحديات غير مسبوقة من الأزمات, والحروب , مشيرًا إلى أن إندونيسيا تركز على أهمية مبدأ الحوار لسد الفجوات والاختلافات؛ لمواجهة التحديات العالمية، وإيجاد حلول حسب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بعيدا" عن الحروب . وقال أن أزمتي الأمن الغذائي، وأمن الطاقة، تؤثران بشكل أكبر على الدول النامية. مشددًا على أهمية الاستعداد لمواجهة أي جائحة مستقبلية, والتعاون المشترك بين الدول لدعم التعافي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي, والتركيز على تحول الطاقة.

وخلال القمة، شكلت الحرب في أوكرانيا الموضوع الأبرز، وقد اعتمدت الدبلوماسية الصينية خطابا متوازنا، وحافظت على مصالحها مع موسكو، واختارت في المقابل ألا تغالي في استفزاز الغرب، رغم الدعوات إلى إدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

وقد ركز البيان الختامي للقمة على النقاط التالية

1- التأكيد على الالتزام بأسعار الصرف الصادرة عن وزارات المالية والبنوك المركزية في الدول الأعضاء بتاريخ أبريل/ نيسان 2021

2- على الدول الأعضاء أن تتخذ إجراءات مؤقتة وتضع أهدافا محددة للمساعدة في توفير الطاقة للدول الأكثر تأثرا بارتفاع الأسعار.

3- إن البنوك المركزية لمجموعة العشرين تراقب عن كثب تأثير ضغوط الأسعار على توقعات التضخم، وستواصل التقييم المناسب لوتيرة تشديد السياسة النقدية بطريقة واضحة تعتمد على البيانات". وأكد على استقلالية البنوك المركزية لتحقيق هذه الأهداف ودعم مصداقية السياسة النقدية".

4- إن دول العشرين اتفقت على السعي للحد من ارتفاع درجات الحرارة عالميا إلى 1.5 درجة مئوية.

5- "لا بد من الالتزام بالقوانين الدولية والنظم الثنائية التي تحمي الأمن والاستقرار.. وإن استخدام السلاح النووي أو التلويح به غير مقبول

6- لفتت قمة العشرين إلى "الإعراب عن بالغ الأسى حيال الحرب في أوكرانيا". التي تقوض الاقتصاد العالمي.

7- رحب البيان باتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، مشيرًا إلى أهمية استمرار العمل بالاتفاق وتنفيذ بنوده من قبل جميع المعنيين.

8- وناقشت القمة كيف يمكن أن تلعب مجموعة الـ20 دورا في تعزيز الجوانب الاقتصادية للتحولات الرقمية، ودور الشباب والمرأة والأعمال التجارية في التطبيقات الخادمة للمجتمعات.

9- دشن وزراء الصحة والمالية بمجموعة العشرين صندوقا بقيمة 1.4 مليار دولار للتعامل مع أي وباء عالمي جديد قد يتفشى مستقبلا.

وفي الخلاصة يمكن القول :

- بأن قمة هذا العام، كانت الأصعب على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية المدعومة أمريكيا" وغربيا" ، بالإضافة إلى المواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين، والتوترات العالمية المرتبطة بإمدادات الطاقة وتشبث أمريكا بكل قوتها لمحاولة بقاء هيمنتها على العالم .

- المجموعة ليست منظمة دولية وهي أشبه بمنتدى غير رسمي وبالتالي المجموعة لا تتخذ قرارات ملزمة قانونيا للدول الأعضاء فيها.

- رغم الأحداث المَناخية المأساوية - مثل الفيضانات التي غَمَرت ثلث الأراضي الباكستانية في آب الماضي والصيف الأكثر حرارة وجفافاً في أوروبا منذ 500 عام – والجفاف في افريقيا والشرق العربي وحرائق الغابات العالمية , فإن كلا القمتين لم تتخذ إجراءات جذرية للتصدي لهذه المشاكل التي تهدد مستقبل البشرية.

- على مدى ثلاثة عقود، أظهر النظام السياسي الدولي مرارًا وتكرارًا عجزه المحبط والمفجع والغريب عن التعامل مع مشكلة لها، حل بسيط في جوهرها هو: إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري" وايجاد البدائل اللازمة لذلك .

- حتى في مجال التحول الرقمي لم تتخذ القمة اجراءات مفيدة كحواجز حماية عالمية بشأن التكنولوجيا والخصوصية الشخصية وانتهاك حقوق الإنسان أو الاتفاق الرقمي العالمي من أجل إنترنت مفتوح ومجاني وآمن وشامل". أو النزاهة في الاتصالات العامة وتعزيز محو الأمية المعلوماتية من أجل تحول شامل للجميع. أو منصات التضليل القاتل سعيا وراء الأرباح, التي سعى الأمين العام أن يطرح بعضا" منها

- حققت القمة الحد الأدنى من التوافق وعدم التسبب في الانشقاق او الانقسام لكنها لم تحقق الهدف المرجو ، وهو رأب الصدع وتوفير فرصة للحوار بين الغرب وروسيا

- أن “الحسنة ربما الوحيدة في هذه القمة هي الصندوق المزمع إنشاؤه لمواجهة الكوارث التي يمكن أن تحل بالعالم، فضلاً عن النظرة الأكثر إيجابية إلى قضية المناخ”.

- بحلول عام 2050، سيقترب عدد سكان العالم من عشرة مليارات. وإن عمل أو تقاعس مجموعة العشرين سيحدد ما إذا كان لدى كل فرد من أفراد عائلتنا البشرية فرصة للعيش بسلام وأمان على كوكب سليم بيئيا" أم لا .

*باحث أكاديمي وكاتب سياسي

المصدر: موقع إضاءات الإخباري