فجأة دوت صفارات الإنذار...
وفي الوقت نفسه دقت اجراس الهواتف كلها، الثابتة والمنقولة مع رسالة نصية تقول إن هذه تجربة لحالات الطوارئ...
في اليوم نفسه بدأ الحديث يدور حول محاولة انقلابية...
تبدو الأمور منسقة...
يبدو أن السلطات تستبق الأمور...
مع التركيز في بعض الاقنية على نجاعة الأسلحة الألمانية في أوكرانيا وكيف أن دبابة الليوبارد التي يطلق عليها اسم صائدة المروحيات استطاعت إسقاط صاروخ روسي كان يستهدف البنى التحتية في أوكرانيا...
السلطات في المانيا، كما في فرنسا وباقي أوروبا الأساسية، تتمنى لو لم يدخل بوتين هذه الحرب...
فقط عبيد أوروبا الشرقية من بقايا حلف وارسو وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق يرتجفون خوفاً لأنهم يعرفون جيداً أن الدب الروسي استيقظ بعد الإهانات والتعامل مع هذا البلد وكأنه جمهورية موز من العالم الثالث...
كانت أوروبا الأساسية تمشي على خيط رفيع وتحاول تمتين العلاقات الاقتصادية مع روسيا...
بالإضافة إلى كون روسيا مصدر معظم الطاقة الرخيصة التي تحصل عليها القارة الأوروبية، تشكل السوق الروسية الممتدة على حوالي ١٧ مليون كلم٢ اهم أمكنة الاستثمار التي قد تفوق في الأهمية كل أسواق العالم الثالث مجتمعة...
لقد ترك نظام رأسمالية الدولة الصارم الذي حمل زورا صفة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي السابق؛ ترك روسيا مهمشة متخلفة إلى درجة أن الخروج من موسكو عشرات الكيلومترات فقط، كان كافيا لإظهار مدى تخلف البنى التحتية بسبب انتشار الفساد الذي كانت تغطيه بيروقراطية ما كان يسمى زورا بالحزب الشيوعي الذي كان يمتطي على ظهر ماركس ولينين وشعار ديكتاتورية الطبقة العاملة ليفرض استبداد مجموعة من التكنوقراط الأيديولوجي الذي أحكم السيطرة مع وصول امين الحزب الشيوعي في كييف، الأوكراني ليونيد بريجنيف إلى قمة هرم السلطة...
كل ما فعله غورباتشوف كان تفكيك الدولة بدل إصلاحها...
أما حقبة يلتسين، فقد كانت ترتكز أساسا على عاملين ساهما بتدمير روسيا:
١- الطبقة الفاسدة المؤلفة من انتهازيي الحزب الشيوعي الذين كانوا يشكلون الأغلبية العظمى من هذا الحزب والذين نهبوا الدولة بانتظام إلى أن استولوا على معظم الشركات الرابحة عبر الخصخصة...
٢- الرأسمال (اليهودي!) الذي برع في الدخول فورا لشراء كل الاقتصاد الروسي بأبخس الأثمان...
مع بوتين تغيرت الأمور كثيراً...
أراد الرجل استعادة الدولة والبدء بالبناء...
كانت وجهته أوروبا بشكل عام وألمانيا خصوصاً...
تاريخياً، كانت روسيا تتطلع دوما باتجاه أوروبا...
بدأ بوتين العمل على هذا مع المستشار الأسبق غيرهارد شرودر الذي أراد على ما يبدو توثيق العلاقات الألمانية الروسية لتعود روسيا كما كانت ايام القيصر بطرس الأكبر الذي بنى الإمبراطورية الروسية العظيمة... لتعود دولة تفرض نفسها على الحضارة الأوروبية...
كان المفروض بالعلاقات الروسية الألمانية أن تكون تحت معادلة رابح رابح...
فتحت السوق الروسية أبوابها لكل ما هو الماني...
من سيارات المرسيدس والأودي وصولا إلى البوظة...
زاد عدد المهاجرين الروس إلى ألمانيا ليتجاوز الثلاثة ملايين مهاجر ليصبحوا الجالية الأجنبية الثانية بعد الأتراك...
مع أن معظم هؤلاء دخلوا إلى ألمانيا تحت سقف قانون عودة كل من هو من جذور ألمانية وكان هؤلاء كثرا لأن روسيا كانت دوما مقصد رجال الأعمال الألمان ، منذ القيصر بطرس الذي اعتمد على التكنولوجيا الألمانية والفن المعماري الايطالي لبناء عاصمته بطرسبرغ فوق الأراضي التي استعادها من الغزاة السويديين... وصولا إلى الإمبراطورية كاترين الثانية التي تنحدر هي نفسها من أصول ألمانية والتي تحتل في سلم الأهمية في بناء الدولة؛ تحتل المرتبة الثانية بعد بطرس الأكبر...
رغم أن هذه الجالية تنحدر بشكل عام من أصول ألمانية، إلا أنها لا تزال بعد ثلاثة عقود من العيش في المانيا تتبنى اللغة الروسية لغة أم، وتطلق على ابنائها وبناتها اسماء روسية...
كانت احلام شرودر وبوتين كبيرة جداً...
تم الاتفاق على تحويل المانيا الى مركز الطاقة الرخيصة ليس فقط للاقتصاد الألماني بل أيضاً للتوزيع على كل القارة العجوز...
استطاعت الولايات المتحدة الأميركية إزاحة شرودر عبر عاملين:
١- الفضيحة التي تحدثت عن استعمال شرودر لسيارة المستشار الرسمية أثناء عطل نهاية الأسبوع وتضخيم هذا الأمر في الإعلام إلى درجة اتهام الرجل بالفساد...
٢- انتهاز غضب الجناح اليساري بقيادة لافونتين داخل حزب شرودر الديمقراطي الاجتماعي مما أطلقوا عليه اسم الليبرالية...
رغم انشقاق اليسار الذي أخذ معه نسبة كبيرة من الحزب ورغم الدعاية اليمينية ضد شرودر، استطاعت المستشارة أنجيلا ميركل التفوق عليه بنسبة ضئيلة جدا من الأصوات أمنتها لها خصوصا الجالية التركية المنزعجة من التقارب الروسي الألماني ما يؤدي إلى تفوق نفوذ المهاجرين الروس على نفوذهم هم...
الغريب في أمر المجتمع الألماني هو أن ورثة لافونتين من اليسار يتفقون مع اليمين المتطرف في رفض دخول المانيا إلى الصراع في أوكرانيا...
ومعظم جمهور هاتين الفئتين التي قد تصل إلى حوالي ٢٠٪ من الأصوات تقف إلى جانب بوتين في هذه الحرب...
لكن ما حصل هو أن الاحتلال الأميركي غير المباشر لألمانيا استطاع السيطرة على فكر الشباب الألماني ودفعه إلى الفكر الفردي بعد أن كانت المانيا تقوم على نمط الفكر الجماعي والعمل الاجتماعي لخدمة المجتمع...
بدأ الاميركيون العمل على هذا بعد أن كانت أوروبا عامة، وألمانيا خاصة، ساحة الاحتجاج الأساسي ضد الهيمنة الأميركية والحروب الاستعمارية الأميركية في فيتنام...
خلق الاميركيون مناخا آخر، تارة عبر رياضة كرة القدم وتارة أخرى عبر برامج السوبر ستار والسوبر موديل والسوبر طبخ وغيرها من برامج الواقع التي تنتشر عندنا في لبنان والعالم العربي أيضاً بهدف صرف الشباب عن التفكير في نمو المجتمعات والاتجاه بدل ذلك إلى احلام فردية أنانية يسهل على الأميركيين اللعب بمآلاتها...
الحديث عن الديمقراطية في الغرب هو نوع من المبالغة...
وكلما زادت المشاكل، سوف نرى اتجاهات لاديمقراطية...
في الفترة الأولى من حرب أوكرانيا، استطاعت البروباغاندا الغربية إخفاء حقيقة أن الغرب دفع بوتين دفعا إلى هذه الخيارات الصعبة...
لكن الكثير من الألمان بدأ يرى الأمور بوضوح أكبر...
حتى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تعرضت للتآمر وتم شقها...
فرضت اميركا على ألمانيا إيقاف العمل بمشروع نورد ستريم ٢ للغاز الذي كان سيحول شرق ألمانيا إلى أهم مراكز الطاقة في العالم، وكان بالإضافة إلى عدة مشاريع أخرى سوف يزيد من التفوق الاقتصادي الألماني ما كان سوف يهدد الهيمنة الأميركية على القارة العجوز...
لهذا ربما، يزيد الحنين إلى التعامل مع روسيا في شرق ألمانيا...
ولهذا ينحدر معظم من تم توقيفهم من شرق البلاد حيث يقوى التيار اليساري وتيار اليمين القومي المتطرف...
من يتابع النقاشات في البرلمان الألماني، يرى بوضوح أن العداء لسيطرة اميركا على ألمانيا قد استطاع الوصول حتى إلى داخل قبة هذا البرلمان...
وقد جاءت الأزمة الاقتصادية العنيفة والتضخم شبه القاتل لهذا الاقتصاد القائم على الوفرة في الإنتاج لتزيد من الغضب من اميركا التي فرضت سقفا لسعر النفط الروسي وتركت قانون السوق يفرض على مؤسسات الإنتاج الاوروبية، والألمانية خاصة أن تستغني عن الغاز الروسي لصالح الغاز الأميركي المسال الذي يزيد سعره على ضعفين ونصف...
بغض النظر عما حصل...
يمكن القول إن مجموعة من أقل من مئة فرد كانوا ينوون اقتحام البونديستاغ على غرار غزوة جماعة ترامب للكابيتول...
هو مجرد عمل صبياني عنفي ضد دولة عميقة لا تكترث لما تسببه الدول العميقة التابعة عالميا للسلطة المالية الأميركية من كوارث...
هؤلاء نتاج التشويه الذي مارسته اميركا على المناضلين...
حطمت العقائد لتنتج رعاعا لا يعرفون غير الاحتجاج بالتكسير....
حليم خاتون