كتب حليم خاتون / رمي الحمولة الزائدة... هل يمكن إنقاذ السفينة؟
مقالات
كتب حليم خاتون / رمي الحمولة الزائدة... هل يمكن إنقاذ السفينة؟
حليم خاتون
12 كانون الأول 2022 , 10:15 ص


يعتمد الأمر عن أي سفينة يتحدث المرء وقد كثرت سفن الإبحار في الأمواج الهائلة...


هناك سفينة قضية الأمة الأكبر المتعلقة بفلسطين تتلاطم مع أمواج عالية من الخيانات والتطبيع والخضوع للهيمنة الأميركية حتى وإن بدا أن هناك من يغازل روسيا حينا أو الصين حينا أخرى؛ كل ذلك يجري وفق إثارة غيرة الزوج الأميركي عبر ملاطفة الروسي أو الصيني، وردا على ما لا يزال يدور في الفلك الإيراني والذي تقول النبوءات أن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية أعطت الضوء الأخضر للإستمرار فيه وإن كان ذلك سوف يسير ببطء بعد عودة نتنياهو إلى رأس السلطة في دولة الاستيطان، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في إيران والتي بينت وجود هوة ليست صغيرة بين الأجيال فيما يتعلق بهوية الالتزام الديني للدولة...


سفن أخرى اصغر حجماً، لكنها كبيرة كفاية تحمل هم الكيانات الوطنية الناتجة عن سايكس بيكو... سفن استمرارية النظام القائم في كل من تلك الكيانات، كل كيان على حدة، ولكل كيان سفينته... 

هنا تتلاطم أمواج من نوع آخر... تعدد الطوائف، تعدد الأعراق، تعميم الفساد ليصبح عرفا مقبولاً، بل حتى عرفا مدانا في العلن، لكنه موجود في الواقع، ومسنود من الخارج رغم كل الكذب والرياء...


هناك أخيراً وليس آخرا، سفن العلاقات الداخلية بين فئات مختلفة داخل كل كيان...


اليوم، تكاد الأمواج العاتية أن تغرق سفينة تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار العوني...

قد لا تكون الحمولة زادت على ظهر هذه السفينة، بقدر ما يمكن أن يكون أن التقادم ينهك هيكل المركب بعد أن طعن السن في عمر أحد قبطاني هذا المركب...


كل الكلام الذي يمكن أن يدور حول التفاهم، وبنود التفاهم يظل مجرد شكليات أخفت مضموناً لم يذكر علانية عند كل من الطرفين...

لم يفصح أي من الطرفين عن المراد فعلا من هذا التفاهم...

الكليشيه شيء، والمراد شيء آخر...

ماذا أراد حزب الله، وماذا أراد التيار؟

لأن ما خفي اعظم، ولأن الطرفان يلتزمان بعض الصمت الذي تخرق آفاقه بعض التسريبات أحياناً، وبعض التصريحات أحياناً أخرى؛ يضطر المرء إلى محاولة قراءة ماذا أراد كل من حزب الله والتيار العوني من هذا التفاهم...


هل تخلى حزب الله عن أي مبدأ جوهري من أجل كسب حليف مسيحي قوي أراد في يوم من الايام اختزال ١٤ آذار في شخص بطل وهمي عائد من المنفى، قبل أن تتدخل فرنسا وحتى اميركا والسعودية من أجل اعادة حياكة العلاقات بين الجنرال من جهة، وسعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وغيرهم ممن يخاصم حزب الله الى حد العداء...؟ سؤال منطقي..


في المقابل، هل تخلى التيار العوني عن أي مبدأ في أسس بناء الدولة مقابل الحصول على دعم أكبر الأحزاب جماهيرياً، واقوى هذه الأحزاب على الإطلاق، عسكرياً؛ رغم كل التناقض القائم بين الفكر الديني والفكر العلماني الذي تبين فيما بعد أن العونيين كانوا يتخذون منه ورقة تين لبنانية، مقابل تعصب انعزالي مسيحي لم يعف عليه الزمن تماما داخل الطوائف اللبنانية كلها دون استثناء؟


إذا كان المكتوب يقرأ من العنوان، فإن مراد كل من الطرفين يقرأ مما أدت إليه الأمور...

انخرط حزب الله في شؤون السلطة إلى درجة القبول بكل موبقات هذه السلطة أو على الأقل السكوت عن هذه الموبقات...

كان هذا ربما شرطا من شروط مراعاة التيار العوني ودعمه حتى استطاع ابتلاع معظم نصف الكعكة المخصص للطائفة المسيحية...

على ما يبدو، احتاج التيار العوني إلى رافعة شعبية، تتمتع برصيد عال من المصداقية حتى يصل إلى أعلى هرم السلطة، إلى رئاسة الجمهورية؛ وقد وجد هذا الأمر في حزب الله...

قد لا يكون هذا التيار وحده المذنب في ما وصل إليه من انعزالية طائفية بغيضة جعلته يتخلى عن أهم مبادئه في بناء الدولة العلمانية، حتى وصل الأمر بدينامو التيار جبران باسيل أن يمنع توظيف نواطير أحراش من منطلق طائفي أكثر بغضا...


هذا ما حصل مع حركة أمل التي أسسها الإمام موسى الصدر على أسس بناء الدولة المدنية في لبنان، لكنها انتهت إلى دخول سوق الطائفية بيعا وشراء على حد وصف الرئيس نبيه بري لما آلت إليه هذه الحركة داخل منظومة القوى في لبنان...


استطاع جبران باسيل اختزال التيار العوني في شخصه هو بعد أن ذابت شخصية الجنرال في شخصية الرئيس الذي كان من المفترض أن يمثله ميشال عون...


قد يقول أي مراقب بسيط أن كل هدف التيار العوني من التفاهم مع حزب الله إنما كان تسلقا على ظهر هذا الحزب كي يصل ميشال عون الشخص، وليس المبدأ، إلى رئاسة الجمهورية، وقد حصل هذا بالفعل...

قد يقول أي مراقب بسيط أن هدف جبران باسيل الصريح حتى لو لم يعلن ذلك، هو وراثة ميشال عون في رئاسة الجمهورية، إن لم يكن الآن، فبعد مرحلة انتقالية من الشغور أو حتى رئاسة انتقالية يستفيد منها جبران باسيل نفسه في تبديل قشور المبادئ عند التيار وتبديل ثوب التحالف مع الحزب الذي لا يعجب الكثيرين في الخارج، ولا يعجب أهل المنظومة الطائفية في الداخل... 

لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو إلى أي مدى يمكن لحزب الله والتيار أن يذهبا في هذا الخلاف الناشئ الذي وصل عند بعض وجوه هذا التيار إلى حد الأعمال الصبيانية الأقرب إلى البهلوانية السياسية...


حتى الآن يبدو أن حزب الله الذي اعتاد على سياسة التوافق لن يذهب بعيداً إلى حد القطيعة مع التيار تماما كما يفعل مع كل خصومه ربما باستثناء القوات اللبنانية التي لم تخرج بعد من وضعية التعامل مع الشيطان في سبيل الاستفراد بالساحة المسيحية اولا قبل الانقضاض على كامل النظام في لبنان...


يبدو أن جبران باسيل يضغط من أجل الحصول على التزام من حزب الله له هو شخصياً يشبه ما حصل مع الرئيس عون...


جبران باسيل يقفز من عاصمة إلى أخرى ليس من أجل لبنان، بل من أجل نفسه...

وإذا كان لا بد من ثمن مؤقت يدفعه للأميركيين بعد الترسيم وتحرير غاز البحر الفلسطيني من الأعماق لصالح الغرب يوافق فيه على وصول جوزيف عون إلى الرئاسة عبر البوابة القطرية... هو سوف يفعل ذلك دون القطع مع حزب الله الذي وحده يستطيع دوما وضع فيتو على من يريد ومن لا يريد انطلاقا من شعبية شيعية، وشرعية مقاومة...


هل يبتز باسيل الحزب؟..

على ما يبدو، سوف يجاري حزب الله باسيل بتحفظ... لأنه لا يريد القطع مع ميقاتي أيضا...


أما ما جرى في جلسة مجلس الوزراء، فهو وإن كان لزوم ما لا يلزم؛ حيث امن على ما يبدو مرور مشاريع نهب وتغطية فساد وفقاً للمعطيات التي أوردها جان عزيز على شاشة الجديد... رغم كل هذا، يبدو أن أي حل في لبنان غير قادر على التحقق، ببساطة لأن من يستطيع الضغط لبناء الدولة الوطنية المدنية في هذا البلد، لا يريد فعل ذلك... ومن يتحدث برنامجه عن مدنية الدولة وعلمانيتها، غاطس حتى العظم في مشاريع كونفيديرالية الطوائف في وطن هو أيضاً أوهن من بيت العنكبوت...

                           حليم خاتون