في يوم الثامن من كانون الأول هذا العام 2022، تقدم الرفيق جميل مزهر نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صفوف الجماهير المحتشدة التي جاءت من كل حدب وصوب، من كافة انحاء قطاع غزة الصامد، كي تشارك الجبهة احتفالاتها، وترفع معها الصوت عالياً وهي تقول:
لا للاستسلام... نعم للمقاومة
لا للانقسام... نعم للوحدة
لا اتفاقيات اوسلو والتطبيع... نعم لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني
نعم لمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني
رفعت هذه الشعارات وغيرها، وسط الهتافات التي صدحت بها حناجر الجماهير، تأييدا للجبهة ومواقفها، في استفتاء جماهيري حاشد، شارك فيه الرجال والنساء، الشباب والشابات، ولم يغب عنه الأطفال، وبمشاركة واسعة من المقاومين، وفي المقدمة منهم كتائب الشهيد ابو علي مصطفي التي حملت سلاحها وقالت ان خيارنا هو المقاومة.. .ثم المقاومة... ولا شيء غير المقاومة والسلاح وسيلة الكفاح وطريقا للتحرير.
ولا شك ان هذا الحشد الكبير وفي هذا العرس الوطني الفلسطيني، حمل الكثير من الدلالات والمعاني اهمها:
ان شعبنا لا زال يؤمن بخيار المقاومة وتحرير كل فلسطين، ويرفض مشاريع التسوية و تقديم التنازلات، كما يؤمن بالوحدة الوطنية ومنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، استنادا الى برنامجها السياسي وميثاقها الوطني الاساسي قبل التعديل.
وجاءت لتوجه رسالة واضحة للجبهة الشعبة تقول: نحن معكم.. نؤيد مواقفكم.. نراهن عليكم، انتم من تدقون الخزان وتقرعون الجرس.. انتم حصان الرهان في الميدان القادر على اخراج الثورة والفصائل من ازمتها وتجسيد وحدتها.. والقادر على تحقيق اهداف الشعب وطموحاته.
جاءت لتقول للجبهة، اتينا للمشاركة في الإحتفال والمباركة لكم، لكننا اتينا كي نحملكم المسؤولية لاعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني برمته، سياسيا و كفاحيا.
وانا ارجو ان تكون الجبهة قد التقطت هذه الرسالة .
اعتلى الرفيق جميل مزهر المنصة والقى خطابا طويلا استعرض فيه الأوضاع على الساحة الفلسطينية أساسا، وتناول اهم القضايا العربية والدولية. مشيرا في خطابه الى المؤتمر الوطني الثامن ونتائجه.
كان الخطاب منذ البداية وفيا للمقاومة وارواح الشهداء والأسرى والجرحى وعائلاتهم، عندما توجه لهم بالتحية اسما..اسما وقائدا.. قائدا، وعاهدهم على مواصلة المسيرة الكفاحية، وهذا دليل كبير على المكانة التي يحتلها هؤلاء في فكر وتاريخ الجبهة الشعبية وتراثها.
لقد تناول الخطاب الكثير من القضايا الملحة التي تشغل بال المواطن الفلسطيني والعربي في هذه المرحلة، واعطى اجابات واضحة عليها من وحي قرارات المؤتمر الوطني الثامن وتاريخ الجبهة، و تمسكها بمبادئها واستراتيجيتها، وتمثل ذلك بالحديث عن الانقسام والوحدة الوطنية وعن الهدف المرحلي و ازالته من ادبيات الجبهة وحديثه عن منظمة التحرير.
لست هنا بصدد تقييم ما جاء في الخطاب الذي اتفق معه منذ بدايته عندما توجه بالتحية لأرواح الشهداء، ووجه التحية للاسرى والمعتقلين وحيا صمود شعبنا واشاد بالمقاومين من كل الفصائل والكتائب واسود العرين.. وصولا إلى اختتام الخطاب بعبارة ما لم نحققه بالمقاومة سنحققه بالمزيد من المقاومة، مما يؤكد عزم الجبهة واصرارها على التمسك بخط المقاومة مهما كانت الصعوبات.
ولكنني بصدد الحديث عما غاب عن الخطاب، وهو بتقديري لا يقل أهمية عن ما هو وارد في الخطاب
_اولا...
رغم طول الخطاب وتناوله الكثير من القضايا والأمور على الساحة الفلسطينية، الا ان الخطاب لم يتطرق لانتفاضة الحجارة التي حققت الكثير من الانجازات، واهمها نقل ثقل الثورة الفلسطينية من الخارج الى الداخل وغيرها الكثير الكثير، خاصة ان ذكرى الانتفاضة تترافق مع ذكرى الانطلاقة، ومن وجهة نظرى كان حقا للانتفاضة، وواجبا على الرفيق مزهر، ان يتحدث عنها وعدم اغفالها وتجاهلها وكان يتوجب ان تاخذ جزءا من الخطاب.
_ ثانياً...
تجاهل الحديث عن السلطة الفلسطينية والتنسيق الأمني الدنس، عند تطرقه لموضوع الاعتقالات السياسية ومن أي طرف أتت، وكان جديرا بالرفيق جميل مزهر ان يتناول ذلك، وتسمية الأشياء بمسمياتها. هل يعقل في خطاب مركزي، وفي هذه الظروف، عدم الحديث عن ذلك خاصة اننا وشعبنا نعاني من ذلك في كل يوم اعتقالات ملاحقات المناضلين وتكميم أفواههم وزجهم في السجون.
ادرك شخصيا واعرف جيدا موقف الجبهة لكن لابد من التاكيد عليه في مثل هذه المناسبات للأهمية
_ثالثا ...
كان يجب الحديث بوضوح وصراحة عن سبب الإخفاق في تحقيق الوحدة الوطنية حتى الان رغم كل المحاولات، ومن المسؤول عن ذلك ولماذا فشلنا، بمعنى الإشارة بالبنان وتسمية المسؤولين المباشرين عن عرقلة استعادة الوحدة، ولا يكفي العموميات.
وهذا يقودني لطرق باب آخر متصل، أبعد كل ما جرى ويجري من قبل القيادة المتنفذة، هل يمكن الإستمرار في البحث عن وحدة مع هذه القيادة، وبالشروط القديمة المجحفة، هذه القيادة التي اصبحت في الموقع الاخر.. موقع الحفاظ على مصالحها وليس مصالح الشعب. ويجب ان نصارح شعبنا بذلك، ونذهب للعمل من اجل سحب الشرعية منهم، وهم فاقدينها بعد كل ماجرى.
ولماذا ننتظر جلسات الحوار في عواصم العالم كان يتوجب عل الجبهة استغلال هذه المناسبة للمبادرة في اطلاق دعوة لحوار وطني شامل يشارك فيه الكل الفلسطيني (الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية والمنظمات الجماهيرية والشخصيات الوطنية، وان تخطوا خطوة باتجاه الفعل والخروج من دائرة الإنتظار، كون الوضع لم يعد يحتمل والمسؤولية تقع على الجميع).
ولا يجوز استمرار معالجة قضية الوحدة الوطنية ومنظمة التحرير اليوم بنفس الطريقة التى عالجناها بها سابقا، ما بعد اوسلو ليس كما قبلها، وما بعد التنسيق الأمني ليس كما قبله، وما بعد الإعتراف بدولة الكيان ليس كما قبله، وما بعد معركة سيف القدس ونفق الحرية واسود العرين ليس كما قبلها.
نحن امام مرحلة جديدة تتطلب برامج جديدة وقيادة جديدة على المستوى الوطني.
_رابعا...
كان في تقديري ومن الواجب الحديث عن معركة سيف القدس، ونفق الحرية، وربط ذلك بتنامي المقاومة التي نعيشها الان واهميتها، هذه عناوين محددة صالحة بشكل كبير للتثوير والتعبئة والتحريض.
خامساً...
عند الحديث عن حصار قطاع غزة كان يجب التوقف امام الدور المصري ولو من موقع المطالبة بفتح المعابر والحدود، ولماذا تغلق مصر حدودها وهي المتنفس الوحيد للقطاع، يجب ان يعلو الصوت في مثل هذه المناسبات للمطالبة بذلك بعيدا عن المجاملات.
هذه بعض الملاحظات على الخطاب، ربما اكون قد اصبت وربما اخطات، اطرحها من موقع المحبة للجبهة والرفاق في قيادتها، على امل ان تبقى الجبهة تمثل النموذج والقاطرة التي تقود القطار.
وكان بودي لو ان الرفيق جميل تحدث عن الاستخلاصات والدروس من تجربة الجبهة الطويلة للاهمية
هناك العديد من النقاط الاخرى اقل اهمية لا يتسع المجال للحديث عنها.
وفي الختام اعتذر من الجبهة والرفيق مزهر، اذا شعرتم ان هذه الملاحظات ليست في مكانها. لكنني مقتنع باهميتها ووجوب الحديث المستمر عنها وتناولها خاصة في مثل هذه المناسبات.
مرة أخرى ابارك للجبهة عيدها، واتمنى لها المزيد من التقدم والنجاح على طريق تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة دولته على كامل التراب الفلسطيني
ومعا على مواصلة الدرب حتى تحرير كل فلسطين.
طارق ناصر ابو بسام
براغ...13/12/2022