مجموعات الأبواق المُسبَقة الدفع في لبنان، من الجديد إلى ال MTV، إلى ال LBC، بكل فروعها، إلى الشاشات الاليكترونية التي تفرًخ كما الفطر في الغابات هذه الأيام...
كل هذه الأبواق، تلف وتدور، تريد نصب المشانق لكل لبناني تجرأ وكان في موقع حادثة العاقبية...
فجأة، صارت كل تلك الأبواق، مجتمعين وفرادى، "أوادم، ولاد أوادم، والزعران" هم من تجمهر من الأهالي في العاقبية...
بين من يقول إن الأمر مجرد حادث، وقد يكون الأمر كذلك، رغم الشك بأن الإمبريالية الأميركية قد تنام كما يفعل محور المقاومة أحياناً...
وبين من يقول إن هنالك كمينا نصب لدورية ال UNFIL، كما تفتقت عبقرية وزير داخلية غبي، في نظام لبناني أكثر غباء...
بين أولئك وهؤلاء، يتم تحميل الفعل لفاعل هو مجرد عامل من العوامل التي تأسست أو تتأسس في لبنان بفعل حرب عالمية شُنت على لبنان في الثاني عشر من تموز يوليو سنة ٢٠٠٦ وانتهى الفصل الأول منها على غير ما كان متوقعاً...
عشية ال ٢٠٠٦، ألهم الله قوما، والحمد لله الذي لا ينسى؛ ألهم الله قوما أن يقوموا بعمل محدود، يقوم على أسر جندي صهيوني أو أكثر...
في الظاهر... السبب المباشر كان القيام بعملية تبادل تعيد كل الأسرى اللبنانيين ومعهم الأسرى العرب المنسيين، والاسرى الأمميين الذين غادروا بلادهم البعيدة من أجل كلمة حق يتم اغتصابها كل يوم في أرض فلسطين خاصة، وفي بلاد المشرق والمغرب والجنوب الفقير من هذا الموكب عامة...
الهدف، كان استعادة المبادرة بعد أن غُزي القوم في عقر دارهم يوم حوّلت الإمبريالية الأميركية جثة رفيق الحريري إلى تجارة وجدت لها في لبنان، وفي العالم العربي، وحتى داخل عائلة الحريري الأب الكثير من المساطيل...
في الواقع، كانت العملية خطوة أخرى إلى الأمام ترد فيها المقاومة التي شاء الله أن تكون إسلامية على اقتحام الإمبريالية وأزلامها لهذه المنطقة...
اقتحم هؤلاء لبنان من بوابة اغتيال رفيق الحريري وما رافقها من تنمر قوى الفريق المضاد لفكر المقاومة على قوى هذه المقاومة التي لا تزال جنينية رغم مرور عشرات السنين على فعل اغتصاب فلسطين والزلازل التي خلفها هذا الاغتصاب...
اجتمع العالم إلى طاولة حسني مبارك في شرم الشيخ على البحر الاحمر، وخضع للإمبريالية الأميركية التي حملت مشروع شرق أوسط جديد يجب أن يكون تحت إمرتها وإمرة وكيلها في العالم العربي، اسرائيل...
هناك، اجتمع أشباه الرجال من زعامات عربية مرتدة، إلى جانب قوى الشر الأطلسي ووافقهم الروسي الذي كان لا يزال يحلم بموقع تحت شمس الامبريالية، وكذلك الصيني الذي يبني ذاته في السر ولا يرى ضيرا في بيع قضية تخلى عنها أهلها في أكثر من محطة... من حروب جيش الإنقاذ المزيف في فلسطين الاربعينيات، إلى القبول بتدمير العراق، مرورا بكامب ديفيد ووادي عربة وأسلو وما خفي من بيع بكارة فلسطين في سوق نخاسة داعشي كان فيه المشتري دوما نفس ذلك المرابي، يهودي البندقية الذي تحدث عنه وليام شكسبير بأوضح ما يستحق من صفات...
لا يريد كل هؤلاء، بما في ذلك المقاومة نفسها إدانة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ولا وزير خارجيته عبدالله بو حبيب اللذين كان وراء إهمال مصطنع، وحركات بهلوانية ضد روسيا في الأمم المتحدة مما سمح للولايات المتحدة الأميركية تمرير تعديل على مهام القوات الدولية غير ذلك الذي كان في القرار ١٧٠١...
رغم الانتصار العسكري الذي حققته المقاومة سنة ٢٠٠٦ بصمود اسطوري في وجه تحالف دولي/ محلي وقف وراء اسرائيل من أجل القضاء على حزب الله، أضطر هذا الحزب إلى القبول بقرار لا يعكس واقع ما حصل على الأرض حيث مرغت المقاومة أنف العدو وعملائه بوحل العجز عن التقدم ولو امتار على جبهات تمتد من عيتا إلى بنت جبيل إلى وادي الحجير الذي كان مقبرة دبابات الميركافا من الجيل الرابع الأحدث عالمياً في ذلك التاريخ...
قَبِل حزب الله بالقرار ١٧٠١، رغم تسجيل المقاتلين المجاهدين سطورا بيضاء على الصفحات السوداء من تاريخ الصراع المليء بهزائم الأنظمة العربية ضد مغتصب الكرم الفلسطيني...
رضي المظلوم ولم يرض الظالم...
قبل حزب الله على مضض بقرار وقف العمليات الحربية لأن خيار القتال كان يتطلب وجود شعب مستعد للجوع والعطش والبرد والحر والشهادة كما كان شعب فيتنام، بل كما كانت مسيرة الحسين فعلا... تلك المسيرة التي حولها البعض إلى سيرة للرواية وليس للحياة...
هذا ما لم توفره البيئة الموجودة في كل العالم العربي، وفي بلاد الشام خاصة للمقاومة كي ترفض ال ١٧٠١، وتفرض شروط الإنتصار...
القضية في العاقبية لمن فاتهم العقل عند الكثيرين من مقدمي النشرات الإخبارية، وعند الجديد دياسبورا، وعند جوزيفين ديب كأبرز مثال للردة، هي أن الإمبريالية اختارت العنصر الإيرلندي من أجل دق إسفين بين هذا الشعب الإيرلندي الطيب وبين شعب المقاومة...
هناك، في نظرية المؤامرة التي يرفضها من لا يريد أن يرى ويقرأ التاريخ؛ هناك امبريالية يقظة لا تُفوت فرصة لمنع هذا الشرق من النهوض...
من أجل هذا الهدف، يريدون قلب حقائق تموز عبر سفك الدم الإيرلندي وتصوير هذا الدم على أيدي من هزم حلف الأطلسي في لبنان وسوريا والعراق... وحتى في اليمن...
لم يكتفوا بال ١٧٠١ الذي حجب جزءًا من الانتصار العظيم؛ بل يريدون السير به لإعادة لبنان الى عصر ما قبل الكورنيت والصواريخ والمسيرات التي عجزوا عن مجابهتها...
قد وجدوا في لبنان، بضعة مساطيل سهلوا الأمر ويجدون اليوم مجموعة كبيرة من مساطيل الإعلام الذين يعزفون على نغم السلاح لعلهم يطالون منه...
لمن لا يريد التذكر...
في الثمانينيات من القرن الماضي، يوم كان الطفيلي أمينا عاما لحزب الله، وكانت *"السطلنة"* إحدى سمات بعض المناضلين يومها...
يوم كان يتم اختطاف رهائن في بيروت وصلت إلى حد خوف كل ذي شعر اشقر أو عيون ملونة من قيام بعض المغفلين داخل حركات المقاومة باختطافهم...
يومها، اختطفت المخابرات البريطانية استاذاََ مرموقاً من أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت وقامت بتصفيته ليظهر الأمر وكأن حزب الطفيلي هو المسؤول...
كان الاستاذ المذكور من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية، وكان عضوا قياديا في الجيش الجمهوري الإيرلندي الذي يقاتل لحرية ووحدة إيرلندا...
كان الاستاذ المذكور يحظى بحماية الأميركيين الكاثوليك من أصول إيرلندية...
وكان اغتيال هذا القيادي الحر صعباً وقد يسبب مشكلة للأميركيين...
وجدت المخابرات البريطانية ومعها المخابرات المركزية الأميركية الحل في موجة الخطف العشوائي الغبي الذي كانت تعيشه بيروت يومها، فرصة...
تم اختطاف واغتيال أحد أهم المناضلين ضد الامبريالية في الغرب، وإلباس التهمة لأغبياء الطفيلي يومها...
عندما يعيد التاريخ نفسه أمام شعب واعٍ، يصبح هذا التاريخ مسخرة...
لكن عندما تتوافر أبواق الأغبياء على شاشات الاغبياء، وعلى صفحات صفراء، وعندما تغفو أعين المناضلين ولو لحظة، يعيد التاريخ نفسه ويكون مأساة تطال المناضلين والابرياء الضحايا، سواء كانوا من الكتيبة الإيرلندية، أو من تلك الجموع التي لا تزال تقاوم ال ١٧٠١، معدلا كان أم لا، على طريقة "الحربقة اللبنانية"... وليس بصلابة النضال الذي لا يجب أن يكون فيه اي هوادة...
حليم خاتون