إكتب الاستاذ بـراهـيـم الأمين
لا شيء يبقى على ما هو عليه. الجغرافيا نفسها تتبدل، ومعها أنظمة وسكان وأنماط حياة. لكن النار بقيت العنصر الحاكم في التغيير نحو الأفضل أو الأسوأ.
وفي عالمنا اليوم، لا تزال القوة الفعلية بيد أهل الشر من الغرب الأبيض، وكل المتعاونين معهم من حكام أو قوى منتشرة على مساحات العالم.
وما الحرب المفتوحة ضد روسيا سوى دليل إضافي على أن شهية الغرب للتوسع والقهر لا تزال مفتوحة.
وإذا كان هؤلاء لا يهتمون لخسارة الملايين من مواطني بلادهم المترفة الكثير مقابل صرف الكثير من الأموال والطاقات على إطالة أمد الحرب بقصد تدمير العدو، فكيف لهم أن يسألوا عن مصير بقية الشعوب؟
في بلادنا، ومنذ عام 2003، انطلق مشروع الاستعمار الجديد بقيادة الولايات المتحدة. دُمِّرت دول وأُزيلت أنظمة واستُبدلت بحكم الفوضى غير البنّاءة...
وتشقّقت مجتمعات وتوسعت الانقسامات بين فقراء العالم باسم السياسة والدين والعقيدة والحدود.
لكن عجز الغرب عن الانتصار التام في الاستيلاء على هذه الدول دفعه، كما في كل مرة، إلى ترك الفراغ والدمار ثمناً تدفعه الشعوب التي قاومت الغزو.
فيما تدفع شعوب الدول المستقرة المعادية للغرب الأثمان بحصار يقوى عاماً بعد عام.
في منطقتنا، تتواصل محاولات تثبيت الاحتلالات العسكرية المباشرة. ويستمر تسليح الحكومات والجيوش لقتل شعوبها، أو الاعتداء على جيرانها.
ويستمر، أيضاً، الحصار المطبق على كل من يصنف في خانة المتمرد. وفي هذا النوع من السياسة، لا مكان للأخلاق.
يكفي سؤال أهم الأكاديميين والعلماء والمفكرين والباحثين وقادة الجامعات والرأي، في كل الغرب المتطور، عن حجم تأثير هؤلاء في تعديل موقف واحد من مواقف حكومات الغرب التي تدمر بلاداً بأكملها، من سوريا والعراق واليمن ولبنان، إضافة إلى استمرار الجريمة المفتوحة ضد فلسطين.
خلال السنوات العشر الماضية، مورست كل أنواع الحروب ضدنا. شُنّت حملات عسكرية، واشتعلت حروب أهلية، وارتفع منسوب الانقسام الطائفي والمذهبي، وفُتحت النار من خلال حملة إعلامية - دعائية غير مسبوقة ضد كل من يصنّف خصماً للآلة الغربية.
مع ذلك، صمدت دول وشعوب وقوى. لكن صمودها عرضة لموجة ضغط جديدة عبر حصار غير مسبوق، هدفه ليس تجويع الناس فقط، بل إنهاء أي شكل للدولة المركزية، ودفع بعض الدول المستقرة إلى الانشغال بفوضى داخلية كبيرة، كما هي الحال مع إيران...
وكما هي الحال في سوريا التي تعيش أسوأ ظروفها الاقتصادية والمعيشية، فيما العراق مقبل على موجة جديدة من الحصار المالي، وتالياً الاقتصادي، مع تعزيز انقساماته السياسية.
ويُترك اليمن لمصيره القاسي ما لم يرضخ للشر الآتي من الشمال والغرب، ويُمنع لبنان من إنتاج كهرباء لبضع ساعات، ومن فتح الأبواب أمام خيارات تمنع سقوطه الشامل.
أما فلسطين فتعيش في ظل زنار وشتاء من النار والقتل والقهر والتهجير.
لا يزال الصمود والصبر عنوانين لخيار المرحلة. لكن الدائرة تضيق على الجميع، وصار من الضروري أن يفكر الخصوم قبل الحلفاء، بأنه في حال كان الغرب وأنصاره من العرب يملكون قوة النار والاقتصاد والدعاية...
فإن في بلادنا قدرات يمكن إدراجها تحت عنوان «العصا الغليظة» التي تقود المؤشرات إلى أنه لن يطول الوقت قبل استخدامها لإشعار الآخرين بأن الأمان ورغد العيش لن يبقى حكراً على قسم من دون الآخر من شعوب هذه المنطقة.
«العصا الغليظة» هي السلاح الذي يفترض به تشكيل تهديد فعلي لكل مصالح الغرب ولكل عناصر التفوق لدى عملائه في المنطقة.
ورغم أن لهذا الخيار عواقبه وأثمانه الكبيرة، لكنه خيار الضرورة بعدما قرر الغرب السير في الصراع، بموافقة ومشاركة عربه وأنصاره في الإقليم، ولم يترك لنا من خيار سوى أن نقابله بالنار التي تحرق كل شيء.
وفي هذا الخيار، ليس دعوة للانتحار، بل دعوة لضربة غليظة تكسر الطوق حيث لا يجرؤ الآخرون!