كتب الأستاذ حليم خاتون:
أكثر من سنتين من الصراخ ضد سياسة الدعم الشعبوية في لبنان انتهت بأن سرقت شركات الاحتكار الكبرى في هذا البلد أكثر من ثلاثين مليار دولار من أموال المودعين، بينما ازداد الفقراء فقرا...
سنتين نُشرت خلالها كل الحسابات التي تقول إن حصة الفقراء من هذا الدعم لا تزيد على بعض الفتات...
الحد الادنى من الفتات؛ حتى لا تتوقف الممارسة، سواء مات هؤلاء الفقراء ام لا...
أساسا فقراء لبنان أموات بلا إرادة...
كل هذا، بينما تفوز تلك الشركات والطبقة الحاكمة والمصارف بأكثر من ٩٩٪ من أموال الدعم التي تُرمى في برميل تلك الشركات المؤدي مباشرة إلى جيوب كبار لصوص الاحتكار في هذا البلد...
الاميركيون بارعون في شفط الدعم حسب البلد، وحسب الظروف...
في فنزويلا، كانت الحكومة تملأ المخازن والمستودعات بكل انواع البضاعة المدعومة؛ فتقوم مافيا ما يسمى المعارضة والمنظمات غير الحكومية مباشرة بشراء معظم هذه البضائع وتهريبها إلى كولومبيا تحت إشراف المخابرات المركزية الأمريكية حين كانت تلك البلاد لا تزال تحت سلطة تابعة بالمطلق للأميركيين...
استمر هذا الأمر تحت شعارات شعبوية في فنزويلا عن وجوب استمرار الدعم من أجل الشعب إلى أن فقدت حكومة مادورو كل الاحتياط المالي، وفنزويلا بلد نفطي غني جدا...
مهما كبر احتياط أي بلد، هو لن يستطيع مجابهة كمية الأموال الضخمة التي بإمكان حكومة اميركا ضخها لامتصاص كل تلك البضائع المدعومة...
اميركا ليست كما بقية البلدان...
تستطيع اميركا طباعة ما يحلو لها من الدولارات وشراء كل العالم...
كما يقول أحد الاقتصاديين:
قيمة الدولار تحفظها الأساطيل الأميركية وجيوش الغزو...
ببساطة، قيمة الدولار يعود إلى خضوع العالم للبلطجة الأميركية...
نفس الأمر حصل ويحصل مع أموال المودعين في لبنان، باستثناء واحد: وضع الأميركيون رجلهم على رأس المصرف المركزي وامنوا له من الخطوط الحمر والحصانات ما يكفي لكي يكون الحاكم المطلق الذي لا يدير فقط مالية الدولة، بل يدير معها السلطتين التنفيذية والتشريعية...
حتى بعد إلغاء الدعم بشكل شبه تام، استطاع رياض سلامة الحفاظ على مسارب أخرى للاستمرار في أخراج الدولارات الباقية من البلد، وكذلك إخراج أية دولارات سوف تدخل رغما عن الحصار غير المباشر عبر تحويلات اللبنانيين إلى أهاليهم وعبر الأموال التي تتدفق على الأحزاب والمنظمات غير الحكومية...
طبعاً، من غير الممكن السيطرة على دولارات حزب الله، لكن من الممكن شفطها عبر هوفر المنصة والسوق السوداء، والأمر لا يكلف أكثر من طباعة المزيد من أوراق الليرة التي لم يعد لها قيمة....
أما الأموال التي تعتبر حاجة أميركية في كل الحالات الأخرى من أجل استمرار إحكام السيطرة الأميركية على لبنان... فهذه تكاليف زهيدة مقابل أهمية المشروع الأميركي لمنطقتنا...
يقوم المصرف المركزي بامتصاص هذه الدولارات عبر السوق السوداء ثم يقوم بانزالها إلى السوق عبر منصة صيرفة بشكل أساسي من أجل تأمين استمرار النظام القائم...
تقوم منصة صيرفة بنفس الدور الذي تقوم به الأجهزة في حالات الكوما الطويلو الأمد...
أما الخسائر في هذه العملية، فيدفع ثمنها المودعون بكل فئاتهم...
إلا أن المصيبة تقع حصرا على صغار المودعين لأن معظم كبار المودعين يستفيدون من منصة صيرفة التي تسمح لهم باستمرار الاستيراد الذي وصل سنة ٢٠٢٢ إلى ١٩ مليار دولار، لم يدخل إلى لبنان منها وفق البيانات الجمركية حتى نصف الكمية المفروضة...
أي أن الشركات تشتري بضائع من الخارج بقسم من الأموال الخارجة من صيرفة، وتقوم بتخزين بقية المبالغ في البنوك الأجنبية في الخارج...
وفق نظرة بسيطة إلى تناقص الاحتياط، يتبين أن الخسائر الناجمة عن منصة صيرفة تتراوح بين ١,٥ و٣ مليارات دولار سنويا...
هذه الخسارة لا تذهب من المصرف المركزي الذي طار كل رأسماله منذ سنين...
ولا تتحمل هذه الخسارة الحكومات المتعاقبة لأن النظام بكامله يعيش على الأجهزة والديون منذ ما قبل ٢٠١٦ في احسن الاحوال؛ ويذهب بعض الخبراء بتاريخ هذا الإفلاس المالي للنظام حتى سنة ١٩٩٧...
من يغطي هذه الخسائر إذا؟
ببساطة، وعلى بلاطة، وبعمليات حسابية غير معقدة وغير صعبة، تماما كما في نظرية رأس المال والربح لكارل ماركس، يتبين أن التغطية تجري من المكان الوحيد الذي لا يزال فيه دولارات في لبنان، الاحتياط الذي يعود للمودعين...
طالما أن الخسائر يدفعها المودعون، وطالما أن كل أنواع الدعم قد رفعت وصولا حتى إلى حليب الأطفال، أليس الأجدر إلغاء منصة صيرفة والقيام بإرجاع أموال المودعين بمعدل مليار أو مليار ونصف المليار سنوياً، وترك التجار والمستوردين ياخذون كل ما يحتاجونه بسعر السوق السوداء، لأن اسعارهم من الأساس هي بدولار هذه السوق السوداء، وذلك بدل الاستمرار في اعطائهم أرباحا يقومون بتحويلها عن طريق الاستيراد الوهمي إلى الخارج...؟
طبعاً، من السذاجة الاعتقاد أن رياض سلامة أو الحكومة أو مجلس النواب سوف يلجأ إلى هذا الحل لأن كل هؤلاء بلا استثناء مرتبطون بهذه العملية المكونة من حلقة بيع وشراء الدولار مع وجود محطتى صيرفة والسوق السوداء للإمتصاص والضخ حسب الحاجة...
ما الحل إذا؟
في دولةِِ، الرؤساء فيها والحكومات والسلطات التشريعية والقضائية وحتى الإعلام مرتهنون للخارج، لا يوجد سوى حل واحد...
في النهاية، الحياة وقفة عز...
لكن لا حزب لمن وما تنادي...
حليم خاتون