كتب الصحافي غسّان سعود:
لن تغادر السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا عوكر، قبل أواخر آذار المقبل.
الاسم الذي اختارته الإدارة الأمريكية لخلافتها، يكشف عن المقاربة الأمريكية للبنان في المرحلة المقبلة.
حين كان يُسأل عن لبنان في أروقة الإدارة الأمريكية، في السنوات القليلة الماضية، وتحديداً منذ عام 2018، كان الجواب غير الرسمي شبه الموحّد: بأنه ليس على الرادار الأمريكيّ اليوم،وتزامناًمع اعتماد واشنطن استراتيجيةَ الأرضِ المحروقة، التي تُضعِفُ أصدقاءها أكثر من خصومها، (من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلى القطاع المصرفي والمحتكرين الأساسيين في القطاعات التجارية والاستشفائية والتعليمية)، لم يكن لدى السفراءهناما يفعلونه سوى توزيع الكمّامات في الشارع، وإنتاج إعلانات تلفزيونية،ولعب دور السكرتاريا لدى ديفيد شينكر، في إدارته للمجموعات «التغييرية»، ولدى عاموس هوكشتاين، في إدارته لملف الترسيم.
ففي هذين الملفين الأساسيين لواشنطن، تحرّكت الإدارة الأمريكية، بشكل مباشر، وكان دور دوروثي شيا أقل بكثير من دور موظفة متدرّبة؛ علماً أنَّ في العاصمة الأمريكية من يتحدث عن إعجاب بتسيير شيا أمورَ السفارة، من دون استراتيجية واضحة،وأن تكليفهابمَهمةنائبة رئيس البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ترفيعٌ لها.
إبلاغ واشنطن الخارجيةاللبنانية بأنّ خليفة شيا ستكون ليزا جونسون، يعني أن تغييراً كبيراً يطرأ على المقاربة الأمريكية للبنان.
فجونسون لا تشبه إليزابيت ريتشارد، ودوروثي شيا، ومورا كونيلي، وميشال سيسون، إذ إنها تملك أكثر من كلمة سر، وترتبط بغرف صناعة القرار في الإدارة الأمريكية؛ وهي تنقّلت بين مواقع حساسة في العالم، من أفريقيا،حيث يحتدم الصراع الأمريكي -الصيني، إلى بروكسل، حيث كانت مندوبة بلادها في مكتب الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وداخل الولايات المتحدة،عُينت ليزا جونسون مديرة لمجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط منذ عام 2001، ومديرة لمكتب إسرائيل السياسي - العسكري، في مكتب شؤون الشرق الأدنى في الخارجية، ومراقِبةً في مركز العمليات، في مكتب شؤون الشرق الأدنى، ونائبةً لقائد الكلية الحربية الوطنيةالأميركية ومستشارته للشؤون الدولية، ومديرةَ مكتبِ أفريقيا والشرق الأوسط، في «مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدّرات وإنفاذ القانون».
وجونسون تعرف لبنانَ جيداً، إذ خدمت في سفارة بلادها في بيروت بين عامي 2002و2004. ولديها أيضاً صداقاتها وعلاقاتها، مع مستويات لبنانية متنوّعة.
جونسون (التي ستكون بمثابة قائمة بالأعمال، إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية)، لم تتحدث طوال حياتها أمام الإعلام. بقدر ما تتحدث شيا في يوم واحد؛ وهي لا تملك صفحات خاصة باسمها الحقيقي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تقوم ببطولة إعلانات على تلفزيونات الدول التي تخدم فيها.
تملك جونسون أكثر من كلمة سر، وترتبط بغرف صناعة القرار في الإدارة الأميركية
مقابل غرامها شبه المَرَضي بالإعلام،الافتراضي والتلفزيوني، وبتطبيل صفحات جمعيات المجتمع المدني المعتاشة على فتات سفارتها لها، يُبَيِّنُ البحثُ عن جونسون، أنها أكثر حذراً وانتقائية، وأشدُّاهتماماً بالمضمون الأمني - السياسي المباشر.
أمّا ماتحكّم بأداء شيا،فكان عقلاً إعلامياً - إعلانياً أراد تعويض التراجع الأميركي،على أرض المنطقة، بالحضور الافتراضيّ، فيما العقل الذي يتحكّم بأداء جونسون أمنيٌّ-عسكريٌّ بامتياز.
فهي ليست مديرة مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط فقط، إنما هي أيضاً مديرةمكتب إسرائيل في الخارجية، ونائبة قائد الكلية الحربية الوطنية الأمريكية،ومديرة مكتب أفريقيا والشرق الأوسط، في «مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدّرات وإنفاذ القانون»، ومندوبة الولايات المتحدة لدى الناتو.
مقابلات جونسون القليلة، الموجودة على «يوتيوب» ومواقع التواصل، ترجّح أنها ستكرِّر ،في كل المناسبات، استخدامَ العبارات الجاهزةَ نفسَها، كـ«محاربة الفساد لا تتعلق بالعمل الحكومي فقط، إنما بالدفاع عن النفس، وتعزيز الديمقراطية، وتأمين العدالة الاقتصادية»، و«لا يتعلق الأمر بالفساد الحكومي على المستويات العالية فقط، إنّما بالفسادعلى جميع المستويات» و«وظيفتنادعمكم وتشجيعكم» و«عملنا مع المجتمع المدني مهم جداً».
ستشكل هذه العبارات أساس المواقف التي ستكررها جونسون، من دون أيّ زيادةٍ أو نقصان؛ لكنّ الأهمّ هو العبارة التالية: «فخورة بالعمل مع شركاء الولايات المتحدة، بتنشيط التدريب وبمشاركة المعلومات».
لـ«مشاركة المعلومات» حيِّزٌ مهمٌ، في خطاب جونسون: مكافحة المخدّرات تحصل من خلال «مشاركة المعلومات»، ومكافحةالفسادتمر بـ«مشاركة المعلومات»ولومن طرف واحد إذ يفترض بالمواطن والقاضي ورجل الأمن،أن يستسهلوا حمل الهاتف والاتصال بشركاء السفارة الأمريكية، لمشاركتهم المعلومات.
ولن تنسى جونسون، في مقابلاتها، تكرار أنها «تتعلم منكم الكثير، عن ثقافتكم الغنية»، وتتطلع دائماً، لبناء «مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ويقاتل الفساد، ويحترم سيادة القانون»، مكرّرة «حركاتِ»شَيا،في ما خصّ الغزلَ الدائمَ، بالمُناخِ والمحميات، ومذاقٍ التّبّولةِ والكِبّة النيئة.
وفي ظل حماستهاللـ«هايكنغ»، يُفترَضُ أن تشهدالمتاجرُارتفاعاً في مبيعات الأحذية الخاصة بهذه الرياضة؛ علماً أنها، خلافاً لشيّا، أكثر سرعة في إيصال الفكرة، وتوحي بأنه يمكن الوثوق بها.
وهي، بالطبع، ما كانت لتتقدم نحو كل هذه المناصب لو لم تكن جدية جداً في عملها.
جونسون من مواليد واشنطن عام 1967؛ بعد نيلها إجازة في العلوم السياسية، من جامعة ستانفورد، تخصّصت بالشؤون الدولية، في جامعة كولومبيا، قبل أن تكمل دراستها، في «استراتيجية الأمن القومي»، في National War College.
دخلت السلك الدبلوماسي الأمريكي، عام 1992، وتشغل الآن منصب كبيرة مستشاري جنوب ووسط آسيا، في مكتب نائب الرئيس الأميركي، ومديرة مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط، منذ عام2001، ونائبة مدير مكتب الشؤون الكندية.
خدمت في لبنان بين العامين 2002 و2004، حين كان فانسنت باتل سفيراً لبلاده في بيروت، وشهدت عملية التسلّم والتسليم، بينه وبين خلفه جيفري فيلتمان، وهي تشبه باتل، في الشكل الهادئ غير المتطلّع إلى الأضواء، وفيلتمان في المضمون؛ علماً أن مجرد اختيارها لقيادة غرفة العمليات الأمريكية في بيروت، يوحي بأنّ الإدارةالأمريكية تجاوزت مرحلة المراوحة، نحو الحسم الذي نادراً ما يكون لمصلحتها.



