كتب خضر رسلان,
ما إن أصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح في منتصف العام 2020 قراراً بـ «منع أيّ وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية من إجراء أيّ مقابلة مع السفيرة الأميركية (دوروثي شيا)، مستنداً بذلك إلى القرار الصادر عن حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي الذي يحظر على السفراء الإدلاء بأحاديث وتصريحات ما لم يحصلوا على إذن من وزارة الخارجية وفقاً لنصوص اتفاقية فيينا المنظمة للعمل الديبلوماسي، حتى شُنّت على القاضي مازح حملة قاسية وشرسة بهدف شيطنته والطعن في أهليته، وتوّج ذلك بطلب استدعائه للمثول أمام لجنة لمساءلته من قبل مجلس القضاء الأعلى؛ هذا المجلس نفسه الذي شهد ويشهد بأمّ العين تدخلات السفيرة الأميركية والتي بلغت ذروتها بحسب المصادر الإعلامية عند تهديدها كلّ أركان الدولة بالويل والثبور إذا لم يُطلق سراح أحد اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الأميركية، والذي سبق وأصدر بحقه القاضي طارق البيطار مذكرة توقيف على خلفية تفجير مرفأ بيروت…
*السؤال الذي يطرح نفسه والموجّه الى كلّ حاملي شعارات السيادة وحماية الحقوق والشراكة الوطنية، بغضّ النظر عن التقييم لإجراءات القاضي بيطار، لماذا هذا الصمت المطبق والمريب الذي شمل معظم القوى والشخصيات والمرجعيات الدينية؟ وأين ذهبت الشعارات سواء منها السيادة الوطنية التي لا يبدو أنها خُدشت؟ والمضحك المبكي انّ الكثير منهم المطلع على حيثيات وظروف الخرق الأميركي للسيادة اللبنانية الذي بدا واضحاً ومتداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال فيديو طائرة أميركية أخرجت عامر فاخوري المتهم بالعمالة لـ «إسرائيل” من سفارة واشنطن في عوكر إلى خارج لبنان؛ في محاولة تبرير للسفيرة الأميركية إملاءاتها واعتبار الموقوف الأميركي الجنسية بمثابة رهينة، وهي الجهات نفسها التي لم تكترث بل عذرت الولايات المتحدة بقرصنتها واختطافها للعديد من المواطنين اللبنانيين سواء من البحر او من بلاد بعيدة عنها واقتيادهم رهائن وزجّهم في السجون الأميركية لسنوات طويلة دون اكتراث او ردّ فعل.
السؤال الآخر الى رافعي مبدأ المشاركة وحفظ الحقوق أين أصواتكم وعظاتكم التي تعلو وتصدح؟ وهل أصبحت المشاركة وحفظ الحقوق اسماً رديفاً لإثارة الحساسيات الطائفية؟ بينما تختفي هذه الحقوق عندما تصبح وطنية ويتشارك بها كلّ اللبنانيين وتحجبها عنهم السفيرة الأميركية في بيروت باسم بلادها تحت عنوان ضرورة الالتزام بمندرجات قانون قيصر المخالف والمتعارض مع القوانين الدولية!
*الهبة الأميركية للأجهزة الأمنية اللبنانية
سرت في الأيام الأخيرة معلومات لم تؤكَّد حتى حينه عن توجه لدى الإدراة الأميركية بصرف مائة دولار أميركي تحت عنوان هبة لكلّ عنصر من عناصر الأجهزة الأمنية، وهو قرار يحمل في طياته أمرين فيما لو كان صحيحاً…
أولاً: ازدواجية المعايير في مبدأ قبول الهبات من حيث الشكل فإنه مجرد الحديث عن مشروع الهبة انتقل الحديث عن عدد الأفراد وآلية الصرف، والفئات المستهدفة دون ممارسة ايّ جهد حول الآلية الدستورية والجهة المخوّلة بالقبول والرفض، هذا في حين انّ الهبات التي يتستفيد منها الشعب اللبناني كله وهي متنوّعة وأساسية يتمّ وضع العراقيل والڤيتوات عليها.
ثانياً: بالرغم من حاجة القوى الأمنية كما الشعب اللبناني كلّه لأيّ نوع من الهبات، ومن ايّ جهة أتت، إلّا أنه كان ويجب ان يكون من الحري على كلّ القوى اللبنانية من أحزاب وشخصيات ومرجعيات دينية رفع الصوت وبشكل خاص في وجه الإدارة الأميركية والتي بفضل سياستها وبإيعاز منها تمّ تهريب عشرات مليارات الدولارات من البلد عبر نيويورك، وهذا ما أسّس لانهيار العملة الوطنية، فضلاً عن دور الحصار ومنع استيراد الفيول والغاز والكهرباء من دول صديقة وشقيقة، إضافة الى إجراءات أخرى تقف خلفها الولايات المتحدة أدّت الى حالة العوز والفاقة وضنك العيش التي يقع تحتها غالبية الشعب اللبناني.
في الختام فإنّ منطق الشراكة الوطنية المستندة على السيادة الحقيقية يحتم وجود قادة ورؤساء ركابهم فولاذية لا تهزهم أعاصير ولا هز عصا، يقفون في وجه كلّ من يقول: الأمر لي.