بدت الكارثة التي حلت بسورية إثر الزلزال الذي ضرب عدة محافظات سورية وخلف أضرارا كبيرة في الأرواح والبناء فرصة ذهبية لبعض الدول التي رأت في التراجع عن مواقفها العدائية تجاه سورية وفتح صفحة جديدة من تاريخ العلاقات العربية – العربية التي ترى فيها الشعوب حاجة ملحة لمواجهة التحديات الكبرى بعد ما خلفته السنوات العجاف من المشروع الأمريكي المعروف بالربيع العربي .
لتأتي كارثة الزلزال بكل ما تحمل من تحديات على المستويين الداخلي والخارجي لتضع الدول العربية الشقيقة وغيرها أمام امتحان سيكون له تداعياته على المستوى الداخلي لهذه الدول كما الخارجي أيضا .
فرأينا من هرع مسرعا لدعم الشعب السوري المنكوب بفعل الكارثة التي أضافت آلاما إضافية لآلامه الكبيرة التي خلفتها سنوات الحرب والحصار والعقوبات ، و رأينا دول تريثت في إرسال دعمها لسورية بانتظار الضوء الأخضر القادم من البيت الأبيض .
وأمام الحالة الانسانية والكارثة التي تفرض سلوكا محددا على الدول متمثلا بوجوب تقديم المساعدات الإغاثية للمنكوبين من الزلزال ارتسمت ملامح حقبة جديدة للعلاقات الدولية والاقليمية مع الدولة السورية ولو كانت بنسب متفاوتة فهناك من كسر الحصار الامريكي على سورية منذ الساعات الأولى عبر فتح جسر جوي وارساله طائراته العسكرية المحملة بالمواد الاغاثية وفرق الانقاذ للمساعدة في انتشال الضحايا من تحت الركام لترسم هذه المواقف العربية والاقليمية وبعض المواقف الدولية بكسر الجليد الذي رافق الأزمة السورية منذ بداياتها .
فكانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي وما تلاه من زيارة خاطفة للرئيس الأسد لسلطنة عمان وحضور الوفود البرلمانية العربية لدمشق وما حملته هذه الزيارة من أهمية ترجمت حالة من التضامن للشعوب العربية مع الشعب السوري وهذا ما اكده رئيس البرلمان المصري السيد الجبولي بقوله نحن لا نمثل حكومات فقط انما نمثل الشعوب ايضا وفي هذا الحضور الرائع لهذه الوفود وما عبرت عنه من خلال المطالبة بعودة سورية للجامعة العربية وكسر الحصار الامريكي الغربي الجائر على الشعب السوري يشي بأن هناك خارطة طريق تنهي سنوات الحرب على سورية وتعيد مسار العلاقات الى الطريق الصحيح .
بحسب معلومات تشير الى زيارة وفد أمني سوري الى القاهرة قبل وصول السيد وزير الخارجية المصري سامح شكري لدمشق وما تناولته بعض وسائل الاعلام عن ان هناك تحضيرات لعقد مؤتمر للمانحين برعاية مصر لمساعدة الدولة السورية في تخفيف الآثار التي ترتبت من جراء الزلزال المدمر وهنا نستطيع ان نستقرأ عدة نقاط أهمها ..
تسليم بعض الدول بانتصار سورية على المشروع الامريكي الارهابي وداعميه .
عدم جدوائية سياسة العزل المفروضة على دمشق وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية السعودي .
تناقل بعض وسائل الاعلام المعادية لزيارة وزير الخارجية المصري على انه ساعي بريد يحمل عدة مطالب سعودية لاعادة تطبيع العلاقات مع دمشق من ضمنها فك ارتباط سورية مع ايران لضمان عودة سورية للحضن العربي وهذا طرح سطحي وغير دقيق من وجهة نظري لأن سورية لم تتخلى عن الحضن العربي ولا عن القضايا العربية رغم كل ما مرت به من محن كما أن السعودية نفسها تسعى لتطبيع العلاقات مع ايران برعاية عراقية والدولة السورية كما معروف عنها لا تبيع أصدقائها وحلفائها وهناك مصداقية تنتهجها القيادة السورية في علاقاتها الدولية وهذا المطلب لم تنفذه سورية وهي تعاني أشرس الهجمات الدولية والارهابية عليها فكيف اليوم وهي منتصرة ؟
ما تناقلته بعض وسائل الاعلام عن زيارة مرتقبة للرئيس الأسد الى مصر وهذا يفسر زيارة الوفد الأمني السوري الى مصر وما تلاه من زيارة لوزير الخارجية المصري .
مؤتمر المانحين والذي سيكون بمثابة الالتفاف على قانون قيصر لاعادة بناء الاجزاء المدمرة من جراء الزلزال المدمر وعشرية النار .
المتغيرات الدولية التي فرضت نفسها على سلوك الوحدات السياسية الاقليمية والعربية المتمثلة بالحرب الروسية الأطلسية .
سورية ومالها من دور محوري يسهم في رسم مسارات التهدئة الاقليمية وهذه حاجة جماعية .
كل الوفود الرسمية التي زارت دمشق كانت متعطشة لهذه الزيارة وهذا كان واضحا من وجوههم وكلماتهم فهم يعلمون ويدركون ان سورية ظلمت وسورية لم تغادر الحضن العربي بل اشقاءها العرب من تركوها وهنا نستطيع ان نجزم بأن العرب عادوا الى سورية وليس العكس فالهوية العربية والانتماء العروبي ولد في أدبيات دمشق وليس دخيلا عليها .
الدكتورة حسناء نصر الحسين
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق