حكاية شهيد الثورة الفلسطينية سالم الدلكي
فلسطين
حكاية شهيد الثورة الفلسطينية سالم الدلكي
حسام الدلكي
29 آذار 2023 , 18:42 م

بقلم حسام الدلكي/

قد تكون هذه الحكاية حكاية كل اسره و بيت فلسطيني.. مع اختلاف التفاصيل .. انها حكاية والدي !!!

في مثل هذا اليوم قبل اثنان وخمسون عاما استشهد والدي البطل سالم خضر الدلكي ( ابو حازم) .. في مثل هذا اليوم أصبحت وإخوتي أيتاما وأصبحت أمي ارمله وفقد جدي ابو سالم وجدتي بكرهم الأكبر سالم.. .. جدي المسكين كان قد دفن بيديه قبل نحو عشرين عاما إثنا عشرة جثة من اقربائه من شهداء مذبحة او محرقة قرية ناصر الدين/ قضاء طبريا مسقط راسة ومسقط عائلة الدلكي.. تلك المجزرة الموثقة والتي قامت بها العصابات الصهيونية.حصل ذلك في ابريل عام 1948 .. يروي لي المرحوم جدي بمراره (موثق عندي في فيديو صورته عام 2001 ) كان جدي يتكلم بأسى بعد سقوط قريتنا هرب من استطاع الهروب بعد مواجهة غير متكافئة وخدعه صهيونية بدخول القرية التي استعصت عليهم لبسالة المقاومة وموقعها الاستراتيجي المرتفع المطل على بحيرة طبريا فدخل الصهاينة بلباس عربي متنكرين زاعمين انهم من قرية لوبيا المجاورة اتوا للفزعة ( للان يقتحم الصهاينة بنفس الاسلوب بعد ان اسسوا فرق المستعربين ) ورغم اصابة جدي في قدمه عاد متسللا ليلا الى ناصر الدين ليدفن ابناء عمومته ويداري سوأتهم فدفن اثنا عشرة جثة في احدى الحفر هناك كقبر جماعي ..

وها هو الان يدفن ابنه سالم بيديه .. طبعا لم يترك سالم زوجته الصبيه ابنه ال ٢٢ وعشرون عاما وأولادة الثلاث أصغرهم محمد عمره شهر واحد وأكبرهم حازم اربع سنوات واوسطهم حسام ثلاث سنوات لم يتركهم لانه وعد بسبعين حوريه عند اول قطرة دم!!! ترك كل شيء خلفة لانه وعد واقتنع من القيادة ومن بيانات وبلاغات وادبيات الثورة ذلك الوقت هو وغيرة اننا سنحرر كل فلسطين التاريخية من البحر للنهر... ولن نساوم على شبر واحد من ارضنا .. لذلك كانت الثورة هي الرد الطبيعي فحمل الكلاشنكوف واجتاز النهر.. بدايه سالم مواليد 1944 يكبر والدتي باربع سنوات هو بكر أهله تعليمة متوسط إعدادي أهله لدخول الجيش العربي وقوته البدنية أهلته ليكون جندي مظلي بالقوات الخاصه الاردنيه .. تفوق في تخصصه ونال جوائز رمزيه اهمها ساعة ( جوفيال) كانت وقتها فخر لكل من يقتنيها..كان في ذلك الزمن دخول الجيش العربي حلم كل شاب ..في عام ١٩٦١ حصل اول أشكال بين حكومة عبد الكريم قاسم بالعراق وحكومة الكويت حول ترسيم الحدود فبعثت الجامعة العربيه قوات نخبه لتحول بين العراق والكويت وكان الشهيد سالم من ضمن قوات الجامعة العربيه ( ايام ما كانت عربيه) وصورة والدي اعلاة توثق تلك المرحله من تاريخ المنطقة .. تسارعت الاحداث في الستينيات ووقعت هزيمه ١٩٦٧ وكان والدي مشارك بتلك الحرب بالجيش الاردني في منطقة جنوب الضفة الغربية.. سقطت الضفه كما سقطت سيناء والجولان وبقي والدي مع بعض الكوماندوز خلف خطوط العدو تحت قياده القائد البطل المصري عبد المنعم رياض ( قائد الجبهة الاردنية ) بسرعة وضعت الحرب اوزارها وهزم العرب في الثلاث جبهات شر هزيمة .. تبعثر الجيش وبقي والدي في جبال جنوب الخليل ولم يعد لنا الا بعد اسبوع او عشر ايام من نهايه الحرب .. لدرجة ان جدي واهل والدي اعتقدوا انه استشهد او وقع في الاسر .. كان الانتظار طويلا خاصة ان الجيش منذ اليوم الاول بدأ بالتراجع داخل حدود الاردن وبقيت وحدات قاتلت ببطولة في القدس وبعض المناطق منها جنوب الخليل ويقال في هذه الحرب حسب محمد حسنين هيكل ان الجيش العربي الاردني هو الجيش الوحيد الذي قاتل وهذه حقيقة .. رجع والدي مكسورا مهزوما بعد عشر ايام من التخفي بين جبال جنوب الخليل الوعرة ما ان وصل للبيت تقول والدتي حتى دبت الفرحة في والمفاجئة في منزلنا الصغير المكون من فتاة عشرينية وطفل صغير عمره عام هو اخي الاكبر حازم ( لم اكن ولدت بعد ) .. تصف لي والدتي رحمها الله والدي قائلة عندما دخل البيت منهكا بهذه اللحية الكثة والملابس شبة الممزقة اعتقدت انه رجل اخر ؟ كان والدي مثل اقرانه الشباب العسكريين غاضبا كيف وقعت الهزيمة ؟ في تلك الاثناء بدأ العمل الفدائي يتسلل الى الاردن والضفة الغربية.. فخلع والدي بزه الجيش التي طالما احبها ليلبس اللباس المبرقع لباس الفدائيين كغيرة من أفراد الجيش فلسطينين واردنيين ..كانت بيانات ألمنظمه من راديو فتح بالقاهرة تعد بالنصر وتحرير فلسطين كل فلسطين ... في ذلك الوقت أصبحت بزة الفدائيين حلم كل شاب عربي.. .. يروي لي شقيق والدي الحاج ابو خضر ان والدي التحق بداية بتنظيم فتح بشكل سري حيث كان ما زال في الجيش العربي الاردني ويروي لي انه ذهب مع والدي ووالدتي الى سينما الدنيا ( عندما كانت السينما ثقافة مجتمعية ذلك الزمان الجميل) حيث كان والدي الذي تحصل على اجازة طويلة من القوات المسلحة نتيجة اصابته في المطاردة بعد الحرب عرض على زوجته ( والدتي) وشقيقة عمي محمود ابو خضر مشاهدة فلم (سينجام) الهندي ( كان من اشهر الاعمال السينمائية ذلك الوقت ) في سينما الدنيا وسط اربد .. بعد انتهاء الفلم لاحظ عمي ان والدي يخفي في جيبة مسدس؟ ساله لماذا تحمل مسدس يا سالم ؟ اجابه والدي انه اللتحق بتنظيم فتح السري لانه ما زال في الجيش وان هذا الامر سري ليبقى بيننا .. ما ان وقعت معركة الكرامة التي سطر بها الجيش والفدائيين اروع صور التضحية والبطوله حتى حسم والدي امرك و ترك الجيش وميزاته المريحة ومستقبلة المؤمن له ولعائلته ليلتحق بالفدائيين بقواعد الغور الاردني الذي كان هدفا يوميا لغارات العدو.. اتقن سالم عمله وأحبه عن قناعة ثوريه بحتمية عودته الى بلدة الجميلة طبريا جنه الارض ومسقط راْسه .. تاريخة بالقوات الخاصه ساهم بشكل جيد بالعمل الفدائي وتدريب الفدائين .. ومن اكبر بصماته ذلك الوقت عمليه طبريا. سنه ١٩٦٩ التي كانت قفزة نوعيه بالعمل الفدائي ( موثقة بجريدة الدستور) .. استشهد بها خمسه من الفدائين من ضمنهم البطل خليل عبدالله الدلكي ابن عم لوالدي ولا يزال في مقابر الأرقام للان.. ونجا ثلاث احدهم بجراح بليغة هو والدي.. وله بصمه مميزة روتها لي والدتي الحاجة ام حازم وعمي شقيق والدي( الحاج ابو خضر اطال الله عمرة ) انه اول طلائع الفدائيين الذين وصلوا الى لبنان في منطقه العرقوب ، وانا قرات في دفتر جيب كان يحمله والدي ما يفيد ببعض المناطق التي وصلها في لبنان ومنها الكرنتينا ( ساعلم لاحقا انها تل الزعتر ) هناك قاموا بتدريب المتطوعين الشباب ابناء مخيمات لبنان وأسسوا لقواعد فدائيه كان ذلك نهايه الستينات ويذكر عمي أنه ذهب الى لبنان مشيا على الأقدام عابرا الحدود السورية الاردنية من منطقة حوران الى مرتفعات جبل الشيخ الوعرة وثلوجها ...لم يعرف والدي ترف الفدائين بالمكاتب المكيفه ولم يتبختر في المدن الكبرى كعمان واربد شاهرا سلاحه بل كان كل نشاطه بمنطقة الغور الاردني المنطقة الساخنه ذلك الوقت.. مع تدفق المتطوعين العرب والفلسطينيين من مخيمات سوريا ولبنان وكان معظمهم لا يعرف اوضاع التركيبة السكانية والعشائرية والاجتماعية للاردن ( تنظيم طاهر دبلان نموذجا ) بدأت الاحتكاكات تحصل بين الفدائيين والجيش وليس هذا وحسب بل مع السكان المحليين المتحمسين اصلا للفدائيين ( راجع مذكرات محمد عودة داوود من القدس الى ميونخ ) وللاسف لم يكتب عن تلك المرحلة بتجرد وموضوعية وها انا احاول ذلك بعد اطلاعي على عشرات كتب السير الذاتية التي عاشت الاحداث . اذا بدأ ايضا تيار محافظ داخل النظام بتدبير ضرب الفدائيين يمثله الشريف ناصر والامير حسن و زيد الرفاعي ونذير رشيد وغيرهم. واختلط الحابل بالنابل وما تحقق من معجزة عربية في معركة الكرامة تبخر وحل الخلاف مكان الوحدة التي حققت النصر .. وحصلت فتنه أيلول المأساوية عام 1970 بلغة ثانية أصطدم منطق الثورة مع منطق الدولة وحصلت المواجهه الحتمية .. لم يلطخ سالم يديه بدماء اهلنا وناسنا الأردنيين ولم يقاتل زملائه وإخوته وأخواله بالجيش الذي نشأ به وأحبه بل آثر السلامه واعتزل الفتنة وسافر الى المانيا ومنها الى الدانمارك ( دراستي لتلك المرحله تفيد ان فلسطيني الاردن يعرفون السكان الاصليين ويعرفون طباعهم ومتصاهرين ومتداخلين وجيران فلا توجد عائلة الا وبها صهر اردني او صهر فلسطيني ( وانا منهم) .. كانت المشكلة في المتطوعين القادمين من خارج الاردن وتحديدا سوريا ولبنان وحتى غزة في عدم فهمهم لطبيعة المجتمع الاردني . فلا يذكر ان فدائي من سكان الاردن قد اساء للجيش والشعب الا المدسوس منهم مثل ابو الزعيم وامثالة ) ... كان بامكان والدي ان يعيش حياة هانئة ومريحة في اوروبا لكن كانت بوصلته فلسطين .. فما ان عقد صلح بين الفدائيين والجيش الاردني حتى عاد ألى الاردن الى الغور الاردني الذي احبه حيث خطوط المواجهه يوميا مع الصهاينة وكانت إذاعة فلسطين من القاهرة تصدح باغنيه ( جيش وشعب وفدائيه) دلالة على صلح الطرفين .. ما ان وصل حتى استأنف نشاطه العسكري الذي برع به رغم صغر سنه ... وفي فجر العاشر من مارس سنة 1971 يوم الخميس استشهد والدي رحمه الله ..الان اتسائل لو يعود الشهداء الى الحياة ولو ليوم واحد ليروا ماذا حل بقضيتهم ومدى امانه القيادة الفلسطينيه على دمائهم ماذا سيفعلون ؟؟ هل سيطلقون الرصاص على رؤوس الخونه؟؟ بدل إطلاقه على الاسرائليين ؟؟ ام يرشقون رؤوس القيادة باحذيتهم؟؟ ؟ كيف شعورهم عندما يرو ا ان حلم تحرير فلسطين اختزل بكسور عشريه اسمه حكم ذاتي وقيادة تسهر على راحة المستوطنيين؟؟؟؟؟...

وانا انهي هذا المقال عادت بي الذاكرة لمسرحية شاهدتها في مسرح دار الثقافة في مدينة الثوار عاصمة الاوراس باتنة / الجزائر/ ايام دراستي الجامعية وكانت المسرحية بعنوان الشهداء يعودون هذا الاسبوع ؟ ماذا لو يعود الشهداء ويروا ما حل بالوطن الذي ضحوا بارواحهم من اجله؟

حسام سالم الدلكي

المصدر: موقع إصاءات الإخباري.