كَتَبَ د. إسماعيل النجار:
ربما يستغرِب البعض من سؤالي: دِمَشقُ أم موسكو، لكن، في الحقيقةِ، هذا هو السؤال المُلِحُّ الذي يجب أن يُطرَحَ هذه الأيام، في ظِلِّ إلحاحٍ روسيٍّ على سورية، من أجل حضورِ وفدِها اجتماعَ موسكو الرُّباعيَّ، من دونِ شروطٍ مُسبقَةٍ وتسهيل مهمتها في خلق وُجهات نظر متطابقةٍ، وتقارُبٍ بينها وبين أنقرة، لأنّ ذلك يصُب في مصلحتها، إذ تحاول جاهدةً انتِزاعَ تركيا من صدر ِحلفِ الناتو، وتقريبها إلى تحالُف المحوَرِ الجديدِ معها ومعَ إيرانَ والصين، خصوصاً وأنّ بلادالأناضول تُشَكِّلُ بالنسبةِ لها هَمزَةَ الوصلِ الإستراتيجيةَ بين الشرقِ والغرب،وثقلاًدَوْلياً بين القارَّتَين، بينما تكْمُنُ مصلحةُ إيرانَ في إنجاح المفاوضاتِ، وخَلْق ِ تقارُبٍ سوريٍّ تركيٍّ يصُبُّ في مصلحةِ دمَشقَ، لناحيةِ الخلاص من ملفّ إدلب وريف الرقة وريف حلب الغربي وإقفالِه، إلى غير رجعةٍ، والتّفرُّغ ِ لِمَسألةِ الِاحتِلالِ الأمريكِيِّ في الشمال السُّورِيِّ، بأقلِّ خسائرَ مُمْكِنة.
وتكمُنُ المصلحةُ التركيةُ في استِعجال ِ المُصالَحةِ مع سورية، بتحقيق ِ ثلاثةِ أهدافٍ أساسيةٍ، وتنحيةِ التفاصيل الأُخرى، فيما يخُصُّ الدُّستورَ، وحكومةَ الوحدةِ الوطنية، ومسألةَ العفوِ العامِ، إلى ما بعد الِانتخابات التركيةِالقادمة.
الهدفُ التُّركيُّ الأوَّل : صُنْعُ انتِصارٍ كبيرٍ لِأردوغان، من خلالِ عَقْدِاتِّفاق ٍمعَ دمشقَ وحصول ِ لِقاءٍ يجمعهُ مع الرئيس الأسد،وهذانِ الأمرانِ يُشكِّلانِ رافعةً لِأردوغان، وطوقَ نجاةٍ لهُ، قبلَ الِانتخابات الرئاسيةِ القادمة.
والهدفُ الثاني:أخْذُموافقةِ دمشقَ، على دمْج ِ العناصرِ المسلّحةِ المُواليةِ لِأَنقرَةَ، ضِمْنَ إطارِ لِواءٍ عسكريٍّ رسميٍّ بينَ وحدات الجيش العربي السوري يتولَّىَ حمايةَ الحدودِ معَ تركيا، ومَنْعَ تسلُّلِ مُسلَّحِي حزبِ العمال الكردستانيّ إلى داخل الأراضي التركيةِ، ومنعَ إقامة كانتون ٍ كُرْدِيٍّ يتمتعُ بِحُكْمٍ ذاتيٍّ،على غِرارِ إقليمِ كردستان في العراق، وهذا ما ترفُضُهُ دمشقُ بالمطلَق.
أمّاالهدفُ الثالثُ فيَكْمُن ُ في عودةِ النازحينَ السوريين، الذين أصبحوا يُشَكِّلونَ أزمةً اجتِماعيّةً واقتصاديةً كبيرةً، داخِلَ تركيا، وإرسال ِ رسالةٍ مُطَمْئِنَةٍإلى الشعبِ التُّركيِّ، بأنَّهم في طريقِ العودةِ إلى بلادِهم.
سورية، من جانبها، رفضتْ مطلبَ دمْجِ المسلّحينَ ضمنَ وحداتِ القواتِ المسلحة، وترفُضُ فِكرَةَ الشريطِ العازِل ِ، مهما كان طولُهُ وعُمْقُه، كما ترفضُ لقاءَ الأسد بأردوغان، قبلَ تقديمِ أنقرةَ تَعَهُّداً بالإنسحاب، وجدْوَلاً رسمِياً بموعِدِهذا الِانسحاب من الأراضي السورية.
المعلوماتُ التي تسرّبت عن نتائجِ بعضِ الِاتِّصالاتِ، عَبْرَالوسطاءِالإيرانيين والرُّوس، تُفيدُ أنّ أردوغان أعطىَ توجيهاتهِ بوجوبِ تسهيلِ مَهمّةِموسكووعدمِ تعقيدِالأمورِوطمأنَةُدمَشقَ بخصوصِ توقيتِ انسِحابٍ تُركيٍّ مُجدوَلٍ، من الأراضي السورية.
اجتماعُ اليومِ في موسكو سيبحثُ بعضَ النِّقاطِ الخِلافِيَّةِ العالقة، والّتي أصبحَت في خواتيمها، وستُمَهِّدُ لِلِقاءِ وزيري خارجية البلدين، وتأمين ِ أرضيةٍ للتوافق ِ على الأمورِ الفنيةِ فيما يخص تسليم المناطق التي يسيطر عليها حلفاء أنقرة الَّذين أُبلِغوا من المخابراتِ التركيةِ، بوجوبِ تمهيدِ الأرضيةِ للمصالحةِ معَ دمشق.
التَّخَبُّطُ بات سيِّدَ المواقفِ داخلَ الفصائل ِ الإرهابيةِ، وقادةُ المُعارَضةِ بدأوا بِكَيْلِ الِاتهاماتِ لواشنطن، بالتواطؤِ عليهم والتخلي عنهم، ويقولون: إنَّ كُلَّ ما يجري لَنْ يمُرَّ لولاموافقتُها، ويؤكدونَ أنَّ المفاوضاتِ ستفشل،وتُركيا لنْ تنسحبَ من سورية، كما أنَّ قادةَ وحداتِ حمايةِ الشعبِ الكُردِيّ بدأت بالتململ، وبدا الخوف عليهم ظاهراً لِلعِيان ِ من الِاتِّفاق التُّركِيِّ السوريّ، ومن أنْ يكونوا ثمناًيُدفَع في حالِ نجحتِ المفاوضاتُ بين أنقرة ودمشق.
بكل الأحوال أردوغان يستعجل الحَل على طريقتهِ، ودمشق لن تُوَقِّع اتفاقاً إلَّا بشروطها مهما كانَ الثمن، وروسيا تضغط على دمشقَ لِلْقَبولِ بالحلول ِ الوسط، والأخيرةُ ترفضُ بشِدَّة، فهل سيكون تفعيل منظومة S300 هو الثمن، لتليين موقف دمشق؟
بينما إيرانُ تُحاوِلُ، قَدْرَ المُستَطاع ِ، تقريبَ وِجهاتِ النظرِ لِلمُحافظةِ على العلاقاتِ معَ أنقرة،من أجلِ التفَرُّغ ِ لِلِاحتِلالِ الأمريكيِّ حسب َ أولوياتها.
بينَ كُلِّ هذا وذاك، سيادةُ سوريةَ تُنتَهَكُ كُلَّ يَوْم، وإسرائيلُ تُعَرْبِدُ وتَقْصِفُ، ولا مَنْ يضعُ حداً لعربدتها وغطرستِها،أو يَرُدُّلهاالصاع صاعَيْنِ؟.
بيروت في..
5/4/2023