ماذا عن التحولات في المشهد السياسي العالمي
مقالات
ماذا عن التحولات في المشهد السياسي العالمي
مها علي
14 نيسان 2023 , 16:18 م


الكاتبة: مها علي

يتغير مشهد التحالفات العالمية بوتيرة متسارعة وتتغير معه أيضاً موازين القوى في ظل التطورات الذي يشهدها التنافس العسكري والسياسي والاقتصادي بين الدول الكبرى,

فقد لاح في الأفق تطور لافت وهو أن الإتحاد الأوروبي شرع ظاهرياً في الانفصال الإستراتيجي عن أمريكا بعد أن تضرر اقتصادياً بشكل كبير بسبب الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا, وبدأ بأخذ الخطوات في الابتعاد عن هيمنة الولايات المتحدة وعن حربها الخارجية مع روسيا والصين, وهاهي فرنسا تقوم باستدارة كاملة في سياستها الخارجية, فقد رأينا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول تنسيق المواقف الأوروبية بحيث لا تنجر أوروبا وراء الصراعات الأمريكية الخارجية ,

و نوّه الرئيس ماكرون إلى أن التحالف مع واشنطن لايعني التحول إلى تابع لها, وقال بصريح العبارة لصحيفة بوليتيكو الفرنسية بعد زيارته الأخيرة إلى الصين منذ أيام: إن على أوروبا أن تُسرِّع الصراع بل أن تأخذ الوقت الكافي لبناء موقعها كقطب ثالث بين الصين والولايات المتحدة, وأضاف أن أسوأ شيء هو الاعتقاد بأننا نحن الأوروبيين يجب أن نصبح أتباعاً في هذا الموضوع, وأن نتكيف مع الإيقاع الأمريكي أو رد الفعل الصيني المبالغ فيه, ووزير المالية الفرنسي أكد أن باريس تريد أن تكون مستقلة عن السياسة المالية الأمريكية,

ولا يخفى على أحد أن ألمانيا ودول أوروبية أخرى على أعتاب موجة جديدة من الإضرابات ذات الدوافع الاقتصادية والمعيشية, وقد رأينا المواطنين الألمانيين يصرخون:

)ليست حربنا), فمئات الآلاف في برلين يحتجون على تسليح أوكرانيا والمتظاهرون طالبوا الحكومة بالتفاوض مع روسيا, مما أثار انتقادات من كبار المسؤولين في الحكومة الألمانية وانتشرت الشرطة بكثافة للحفاظ على النظام, وهذا يعني أن ألمانيا على حافة الهاوية وربما تسقط كما هو الحال في فرنسا وتعدد مظاهرات السترات الصفراء,

وبالفعل نلاحظ أن تلك الحرب استنزفت الدولة الألمانية بشكل مرعب فقد أقر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بصعوبات في سد النقص بمخزون جيشه ولا يمكن تعويضه قبل عام 2030, ورفض الوزير تسليم المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا من مخزون الجيش, فهل بالفعل ألمانية وهي تحترق سترسل أسلحة ودبابات إلى أوكرانيا؟ ووزير الدفاع سيترك بلاده عارية ويغطي دولة أخرى؟

هذا وتأتي تصريحات الوزير بعدما تعهدت ألمانيا بإرسال دبابات من نوع اليوباد2, وفي سياق ذلك ذكرت صحيفة فيليت إم سونتاغ الألمانية: إن الأوساط العسكرية في بروكسيل تشكك في قدرة الإتحاد الأوروبي على الوفاء في تعهداته في إطار خطة تزويد أوكرانيا بمليون قذيفة من عيار 155ملم,

وكأنما المشهد في أوروبا يوحي بسقوطها وتفكك هذا الإتحاد شيئاً فشيئاً.

ومما سبق نستطيع القول أن هذا الانفصال الإستراتيجي للإتحاد الأوروبي عن هيمنة الولايات المتحدة يُسهم بتحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب, ولم يعد الأمر بحاجة للشرح والتوضيح فالدول الصاعدة المنافسة للولايات المتحدة تثبت جدارتها على كافة المستويات من الصين إلى روسيا,

كما أن هناك وقائع لا يمكن تجاهلها وأهمها أن الاقتصاد الأمريكي بات أضعف منذ سنوات عديدة حسب ما يكتبه صندوق النقد الدولي فمؤشرات النمو لدى الولايات المتحدة تشير إلى أنها لم تتجاوز 1,6% , والوضع أسوأ في فرنسا وإيطاليا وألمانيا حيث أن النمو أقل من ذلك, بالمقابل هناك قطب صاعد وهو دول البريكس (الصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا وإيران) وايضاً الحلف الشرقي الكامن في منظمة شنغهاي للتعاون, و لا يمكن نكران أن النمو الصيني يكبر وينمو ويصل إلى 6% سنوياً, ومنظمة أوبك بلس والتحول في سياسة المملكة العربية السعودية و كلها من الدول الصاعدة التي تريد الانفصال عن الدولار الأمريكي, وهذا ما تم تأكيده الأسبوع الماضي أثناء اجتماع الأوبك بلس الذي أوضح رغبة هذه المنظمة بتبني سياسة بعيدة عن سياسة الهيمنة الأمريكية.

ومن الجدير ذكره أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعبر تصعيد هو الأخطر من أوائل أذار الماضي قال:

(لن تعود روسيا إلى واقع ما قبل الحملة العسكرية على أوكرانيا وإن كلفها ذلك الدخول في حرب عالمية ثالثة),

هذا وقد أعلن حالة التأهب القتالي, ونشر الفوج الثاني من الصواريخ العابرة للقارات والتي تفوق سرعتها سرعة الصوت , وهذه كانت تعتبر بمثابة رسالة واضحة لواشنطن ولندن وباقي دول حلف الناتو بأن روسيا على استعداد كامل لمواجهتهم في حال استمروا في ضخ أسلحتهم إلى اوكرانيا,

كما أن الكشف عن الوثائق السرية المسربة الذي أعلنته روسيا مؤخراً يثبت وجود قوات حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا.

و مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية قال إن الولايات المتحدة لم تعد الدولة الكبرى الوحيدة على الساحة اليوم, والواضح أن التنافس مع الصين هو أبرز ما تواجهه واشنطن و لفت إلى أن إدارة العلاقة مع الصين ستكون أكبر اختبار لصنّاع السياسة الأمريكيين على مدى العقود المقبلة.

وبعدما تابعنا السجال الدبلوماسي المحتدم والمتصاعد بين واشنطن وبكين منذ قرابة العام حين زارت زعيمة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي جزيرة تايوان في آب الماضي, وبالأمس حصلت تدريبات عسكرية صينية في أنحاء تايوان رداً على اجتماع رئيسة تايوان تساي إينغ وين مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي يوم الأربعاء الماضي, حيث أن الصين تعتبر تايوان أرضاً تابعة لها ولن تتنازل عنها, ومن جانبها تايوان تعارض حكومة الصين وهي تتلقى دعماً كاملاً من أمريكا, كما أن غالبية الصحف العالمية توضح استعداد الدول العظمى للحرب من خلال المناورات العسكرية التدريبية التي تقوم بها,( الصين, روسيا, كوريا الشمالية, وكوريا الجنوبية بدعم كامل من أمريكا)

فهل يتطور المشهد لمواجهة عسكرية في القادم من الأيام, أم أن العقل والمنطق سيقودان هذا التنافس المرعب ويدفعان جميع الدول للجلوس على الطاولة لأجل المفاوضات ومن ثم إعلان ولادة النظام الدولي الجديد؟

المصدر: موقع إضاءات الإخباري