و لماذا من غير المرجح أن يتمكن ترامب من التوفيق بين موسكو و كييف ، كما لم ينجح ترامب أبدا في حل النزاعات الدولية المعقدة خلال فترة رئاسته الماضية بل اتجهت نحو الأسوأ.؟
قرار اللقاء الاول بين الولايات المتحدة و روسيا عززت بشكل حاد سعر صرف الروبل و رفعت مؤشرات الأسهم لكن هذا بالكاد يمكن اعتباره دليلا كافيا على أن إمكانية حصول سلام قريب في الوضع الأوكراني لإن تجارب السياسة الخارجية التفاوضية لدونالد ترامب وإدارته تشير إلى عكس ذلك ، نعم ترامب يحب الاستعراض الاعلامي فهو في بدايته كان في هذا الجو ، قبل دخوله عالم البزنس إلى السياسة أنه على درجة من الغرور يجعله يعتقد أن يستطيع ان يفكك العقد والنزاعات الدولية ، لكن قائمة إخفاقاته أطول بكثير من قائمة النجاحات ترامب مستعد للتعامل بجرأة مع النزاعات التي تبدو مستعصية على الحل لكن لاندفاعه و حماسته جانب سلبي أيضا بسبب عدم الرغبة في الخوض بعمق في التفاصيل المتعلقة بجوهر اي قضية و من جهة اخرى هو سريعا يفقد الاهتمام بالمشكلة إذا لم يستطيع حلها بسرعة ، اعتقد ان هناك شبه ما في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في التفاوض والرغبة في وقف الحرب الأوكرانية كما حصل سابقاً في المفاوضات بشأن أسلحة كوريا الشمالية النووية بين عامي2017 - 2018 م.
لنتذكر عشية فوز ترامب الأول في عام 2016 ، أجرت بيونغ يانغ تجربتين نوويتين و تم إطلاق 11صاروخا بمستوى متفاوت من النجاح ، مما أدى تضامن في الإدانة غير مسبوق من قبل المجتمع الدولي و تبنى مجلس الأمن الدولي الذي وضع الخلافات جانبا القرار 2270 الذي فرض أقسى العقوبات الممكنة على كوريا الشمالية ، لكن تبين لاحقاً حتى هذه العقوبات لم تكن قادرة على إجبار بيونغ يانغ على التخلي عن أسلحتها النووية ، لأنه بالنسبة للنظام الكوري الشمالي هي "مسألة بقاء على قيد الحياة " و نفس الشيء الآن قد يجري لأهمية السيطرة على أوكرانيا في نظر فلاديمير بوتين لكن ترامب قرر أن يحاول على أي حال ، لإظهار مدى سهولة حل حتى أصعب صراع دولي آنذاك.
بدأ الرئيس الأمريكي بالتهديدات وتوعد بيونغ يانغ "بالنار و الغضب الذي لم يشهده العالم بعد "(مقارنة بوعوده الحالية بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا ) و أجرى 'كيم أون " على الرغم من هذه التهديدات تجربته النووية السادسة و رفع منسوب التوتر و المخاطر الدولية لعدة أشهر أخرى و استمر في تهديده الولايات المتحدة و حلفائها بالحرب النووية
الى بداية عام 2018 غيرت بيونغ يانغ تكتيكاتها ، معلنة استعدادها للتفاوض و تأكيدا على نيته حضر كيم إن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بيونغ تشانغ /كوريا الجنوبية ، في شهر شباط و جلس خلف نائب الرئيس الأمريكي آنذاك مايكل بنس على المنصة و رأى ترامب هذا الوضع فرصة لحل الصراع بسرعة علاوة على ذلك أعلنت الإدارة الأمريكية بجرأة أن "نزع السلاح النووي السريع و الكامل الذي لا رجعة فيه يمكن تحقيقه لشبه الجزيرة الكورية" هو هدفها (يمكن مقارنته بالوعود الحالية بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية "في غضون 24 ساعة بعد وصوله إلى السلطة" أو "في غضون 100 يوم على الأكثر").
من أجل الحصول على ما يريده كيم أون قدم ترامب تنازلات غير مسبوقة إلى بيونغ يانغ ، وافق الرئيس الأمريكي على القمتين الأولى و الثانية لرئيسي الدولتين ، اللتين عقدتا في سنغافورة عام 2018 و في فيتنام عام 2019م كان من الواضح أن ترامب كان يحاول النظر إلى الموقف من خلال عيون خصمه لذلك ألغى التدريبات الأمريكية الكورية الجنوبية في حزيران 2018 واصفا إياها بأنها ألعاب عسكرية استفزازية للغاية" (هي تصريحاته الحالية بأن "جو بايدن" هو المسؤول الأول عن بداية الحرب الروسية الأوكرانية) ، ردا على إيماءات واشنطن التصالحية ، أغدقت بيونغ يانغ واشنطن بالمجاملات و أظهرت " لترامب" الاحترام الذي كان يفتقر إليه في كثير من الأحيان في الولايات المتحدة نفسها.
"حتى الآن ، لا أستطيع أن أنسى تلك اللحظة التاريخية عندما أمسكت بيد سعادتك بقوة في مكان جميل و مقدس ، و شاهد العالم كله باهتمام كبير و أعرب عن أمله في استعادة شرف ذلك اليوم" كتب كيم "رسائل حب" للزعيم الأمريكي.. و مع ذلك في النهاية كانت لهذه الرسائل نتيجة ملموسة وحيدة، ان كوريا الشمالية لم تتخلى عن الأسلحة النووية،و لا تزال علاقاتها مع الولايات المتحدة و حلفائها تتدهور ، و لم تتوقف التجارب الصاروخية الكورية الشمالية بالرغم انه في فترة 2017-2018 ، اعطت هذه التكتيكات الترامبية في التفاوض بالفعل نتيجة مع الدول التي تعتمد اي (حلفاء) على الولايات المتحدة كان هذا في المفاوضات التجارية مع كندا والمكسيك و كوريا الجنوبية و تم إقناعهم جميعا بإعادة التفاوض على الاتفاقيات القديمة و قبول شروط تجارية أكثر ملاءمة للولايات المتحدة لكن كان من الغريب أن نتوقع أن تتصرف كوريا الشمالية ، التي لايوجد اي ترابط إطلاقاً بين اقتصادها و الاقتصاد الأمريكي لذلك ، ليس من المستغرب أن ينتهي نهج ترامب التفاوضي مع بيونغ يانغ بفشل منطقي.
و من إخفاقات ترامب الأخرى في السياسة الخارجية التفاوضية هذه كانت تجربته مع الصين على الرغم من التهديدات و الوعيد، لم يتمكن في ولايته الأولى من الحصول على إتفاقية تجارية مرضية مع الصين ، مما أدى إلى فرض تعريفات جمركية أحادية الجانب و التي وفقا للخبراء كلفت الاقتصاد الأمريكي 245000 وظيفة عمل.
جرت محاولات "ترامب" للتوصل إلى اتفاق مع "بوتين" بشأن سوريا و مع إيران للتخلي عن برنامجها النووي مع العرب على تطبيع العلاقات مع إسرائيل و مع طالبان على الحفاظ على حكومة علمانية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية كانت أيضا غير ناجحة.
في الواقع كانت مبادرة ترامب الوحيدة الناجحة للسياسة الخارجية هي "اتفاقيات أبراهام" الموقعة في نهاية ولايته الأولى ثم اعترفت البحرين ،الإمارات العربية المتحدة ،المغرب و السودان بدولة إسرائيل و طبعت العلاقات التجارية معها أصبحت هذه الاتفاقات بالفعل خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط حتى أنهم دعموا إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة و لبنان و زداد حجم التبادل التجاري بين إسرائيل و الدول الأربع الموقعة أربعة أضعاف خلال السنوات الثلاث التي تلت الاتفاقيات تلك و لكن حتى هنا فشل ترامب على الرغم من كل وعوده في ضم المملكة العربية السعودية إلى هذه الاتفاقيات.
في البداية ، كان من المخطط أن تكون المشاركة الرئيسية للرياض من الجانب العربي ، لكنها في النهاية لم توافق على التوقيع وعدا عن ذلك ، فإن نجاح الاتفاقات مرتبط بعوامل كانت غائبة في جميع الحالات الأخرى أولا لم تكن الاتفاقات قائمة على التهديدات و الضغط و لكن على الاهتمام الصادق لجميع المشاركين و رغبتهم في تحسين العلاقات ليس فقط مع إسرائيل نفسها و لكن أيضا مع الولايات المتحدة على رغم أن المملكة العربية السعودية لم تنضم إلا أنها وافقت ضمنا على الصفقة بالتالي اعطت الضوء الاخضر لبقية الدول العربية عدم الخوف من إدانة العالم العربي و الإسلامي.
ثانيا - لم تتطلب الصفقة أي تنازلات من الجانبين ، باستثناء التنازلات الرمزية في الوقت نفسه وعدهما بفوائد اقتصادية واضحة.
ثالثا - تلقت الدول العربية مكافأة من جيوبها فمثلاً تلقت الإمارات العربية المتحدة طائرات مقاتلة من طراز إف-35 و حصل المغرب على اعتراف أمريكي بالسيادة على الصحراء الغربية و تم شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
في الواقع لعبت واشنطن دور المنظم هنا فقط جمعت كل العوامل معا و أضافت القليل من حسابها و سرعت العملية
لكن لا شيء مشابه يمكن توقعه في المفاوضات التي بدات من اجل إيقاف الحرب الروسية الأوكرانية.
اعتقد الوضع يتطور الآن أكثر و قد يأخذ منحى سيناريو كوريا الشمالية، و هو نفس السيناريو في البداية أعلن "ترامب" أنه سينهي الصراع في أقرب وقت ممكن و إلى الأبد ثم هدد موسكو بالعقوبات و كييف بوقف المساعدات إن رفضت التفاوض تحت رعايته و أخيرا كما في حالة بيونغ يانغ ، أعلن ترامب أنه يتفهم موقف خصمه و اتهم أوكرانيا بالتعنت ثم تطور موقفه بعد ذلك ، فاعلن عن إمكانية لقاء مع نظيره الروسي و ربما يحدث اللقاء في أغلى و أفخم فندق في الرياض مع تحشد مئات الصحفيين و وكالات الابناء و التقاط الصور الرائعة و نقل تصريحات متبادلة من الطرفين تعبر عن الاحترام العميق و الإعجاب بالشريك المفاوض و إلى آخره من الدبلوماسية.
بعد الإعلان عن بدء المفاوضات بنجاح ، سيتم نقل الأمور من المستوى السياسي إلى المستوى الفني حيث ستموت الصفقة موت هادئ بسبب عدم وجود أرضية مشتركة بين الأطراف و في أحسن الأحوال ، في غضون ستة أشهر أخرى ، ربما نصل الى قمة ثانية حيث يبدو الزعيم الروسي، الذي انتزع عدة مئات من الكيلومترات المربعة خلال هذا الوقت يبدو هادئا و مرتاحا و سيكون الأمريكي مرتبكا إلى حد ما ، لكنه لا يزال متفائلا بحيث كلا الطرفين يقران بأن عملية التفاوض تسير بشكل بطيء بسبب صعوبات غير متوقعة و لا يمكن التغلب عليها بسرعة ، لكن الآفق جيد لمتابعة المحادثات و هكذا يتنهي اجتماع القمة الثاني إن حصل و ربما تكون مناسبة، لمعالجة توترات العلاقات الثنائية بهدف اتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيع و إعادة العلاقات بين البلدين و يتلاشى اهتمام "ترامب" بالموضوع اصل اللقاء و بغسل يديه من موضوع الحرب في اوكراينا و ما يرجح هذه النهاية هو تاكيد الكرملين قبل وصول الوفود الى الرياض بأن للتنازل عن أي متر اصبح تحت سيطرة روسيا و سيصبح لاحقا من المستحيل.
كما حصل بعد لقائين مع "كيم أون" ، سافر ترامب إلى كوريا الجنوبية في نهاية ولايته الأولى للقاء الزعيم الكوري الشمالي مرة أخرى في المنطقة منزوعة السلاح لكن تلك الزيارة كانت ذات طبيعة سياحية بحتة ثم تحول ترامب إلى قضايا أخرى و لم يعد إلى هذا الموضوع و عادت كوريا الشمالية إلى إطلاق الصواريخ و واشنطن وسيول إلى تدريبات مشتركة و تفشى وباء الكوفيد في عام 2020 و نسيان الجميع لهذه العراضة.
اما الحالة المُستعصية في وسط اوروبا لاشك مختلفة تماما و مستحيل التغاضي عن الحرب في أوكرانيا في حال فشل المفاوضات بين واشنطن و موسكو هو ما يرضي بعض الاوروبيين،رعلى عكس المسألة الكورية الشمالية حيث الوضع هنا على الارض الاوروبية في حالة تغيّر يومي مما يجبر الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة على الرد بطريقة ما من المرجح أن تضطر أوكرانيا و الغرب إلى تطوير استراتيجية جديدة في وقت لاحق ، بعد انقضاء بعض الوقت في انتظار ربما الفشل الحتمي لهجوم ترامب التفاوضي الدونكيشوتي على موسكو التي تتقدم نحو غرب اوكراينا بتأني وبطأ و بأقل الخسائر.