يختلف المرء مع بولا يعقوبيان في أكثر من قضية...
لكن تبقى حقيقة ما قالته إثر "حرب الساعة"، حقيقة مؤلمة عن شعب لبناني مخبول...
أثناء حراك ١٧ تشرين، خرج احد أباطرة الطوائف، وأحد اعمدة دولة الاوليغارشيا في لبنان يقول إنه لولا الطائفية، لكان الناس سحلوا الزعماء من قصورهم الى الشوارع...
هذه الحقيقة تظهر مدى العبقرية عند اللبناني الذي يبرع في اي شيء إلا تشغيل العقل والمنطق في تخطي التجارة بالدين والطائفة...
تبرع الاحزاب في لبنان، في ربط غنم الطوائف عبر التجييش الطائفي دوما...
منذ أيام، وبعد نقد لاذع لوزير الأشغال بالنسبة لمردود الأملاك البحرية وغيرها من مشاعات الدولة المصادرة من قبل مافيا السلطة والزبائنية التابعة لها؛ خرج الوزير علي حمية، يرفع هذا المردود من ٥٠٠ ألف دولار الى ٣٢ مليون دولار سنويا...
لم اسمع تعليق المنار...
لكن من المؤكد ان هذه الشاشة قامت بتنظيم حلقات دبكة لهذا الإنجاز العظيم!!!...
اكثر من ستة ملايين متر مربع تقدر قيمتها السوقية بحوالي ٣٠ الى ٥٠ مليار دولار يجب أن تعطي الدولة وفق الخبير الاقتصادي محمد بلوط ما لا يقل عن ٣ إلى ٤ مليار دولار سنويا، قام الوزير بتحويلها إلى ٣٢ مليون دولار مراعاة لمجموعة اللصوص الذين يتربعون على رأس السلطة والمعارضة المزعومة...
رغم كل ذلك الإجحاف، خرج التيار العوني والقوات اللبنانية يحتجون تحت ذريعة ان معظم أصحاب الفنادق والمنتجعات القائمة على هذه الأملاك من المسيحيين، وأن هذا الإجراء يستهدف الطائفة المسيحية...
نفس الأمر حصل في اوائل التسعينيات حين قام محور حزب الله/ امل بمنع تنفيذ الاتوستراد البحري على الأوزاعي التي لا تزال حتى اليوم مرتع الفوضى، وغياب اي مقومات حياة طبيعية كريمة لسكان المنطقة...
يومها طرح رفيق الحريري مبلغ ٢٠٠ دولار عن المتر السكني، و٥٠٠ دولار للمتر التجاري تعويضات لإخلاء الاحتلالات غير الشرعية...
رفض الثنائي الشيعي يومها هذا المشروع من نفس منطلقات واعتبارات التيار والقوات الطائفية...
كذلك فعلوا حين رفضوا مشروع رفيق الحريري سنة ٩٢ الذي اقترح ترك جميع المستأجرين القدامى بدون دفع قرش واحد لمدة ١٥ سنة يتدبرون خلالها أمورهم ويخلوا بعدها المأجور، فيستفيد المالك من ملكه وتجني الحكومة من الضرائب على الإيجارات...
يومها أيضا قام بلوك حزب الله/ امل بمنع مرور هذا القانون لأسباب طائفية جعلت مستأجر بلا اخلاق، يقوم سنة ٢٠٢٣ بدفع إيجار شقة من خمسة غرف مع موقف سيارة وبئر مياه، بوضع إيجار سنة كاملة عند كاتب العدل بمبلغ حوالي ٧٠٠ الف ليرة، اي اقل من ٦٠ الف ليرة شهريا تعادل اليوم حوالي ٦٠ سنت أميركي او ربطة خبز في الشهر...
طبعا هكذا قرارات تعطي جبران باسيل وسمير جعجع اليوم، ما كسبه حزب الله وحركة امل بالأمس من اعداد لا يستهان بها من غنم الطوائف...
هذا بالضبط ما يجب فهمه من قول سليمان فرنسية إن لبنان يحتاج إلى قرارات اكثر من حاجته إلى قروض...
دخلنا في متاهات الترسيم البحري والتخلى الفعلي عن ثروات لا نعرف عنها شيئا في مساحة حوالي ١٤٠٠ كلم٢ في البحر لكي نحصل في أحسن الأحوال على ايراد لن يزيد على مليار دولار سنويا ولمدة حوالي ٢٥ سنة إذا ما وجد الغاز والنفط بينما لا نفعل شيئا لإجبار مافيا أملاك الدولة المصادرة من دفع ٣ مليارات دولار على الأقل سنويا...
تتشدق السلطة بالحديث عن قدسية الودائع، وهي لا تقوم بتحصيل ما يجب من الممتلكات المصادرة من اجل البدء فعلا بإعادة الودائع بشكل منظم يتيح وجود دولارات في السوق تعمل على لجم الارتفاع غير المبرر...
لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
سلطة عفنة!!...
معارضة اكثر عفنا!!...
سياديون أينما كان تديرهم حبال ليست خفية تربطهم كما الكلاب بهذه الدولة او تلك...
اما التغييريين... الله يرحم اللي كان عندو عقل... عبقرية مارك ضو مثلا...
سيادة في البنتاغون او مركز المخابرات المركزية الأميركية...
تتبرع بولا يعقوبيان بتوزيع العلامات الجيدة على القوات والكتائب وباقي فرقة حسب الله... مهلا ستنا...
اهل السلطة وأهل السيادة المزعومة... الكل في خرج حمار أجرب، ومعهم قسم كبير من التغييريين...
صحيح ان النائبان منيمنة وقعقور افضل بسنتم واحد لا أكثر... لكن على المرء التروي، وعدم التعويل كثيرا...
من المؤكد ان بولا يعقوبيان ليست ملاكا نازلا من السماء وان الاعلامي غسان سعود لم يذهب معها إلى الكثير،حيث يجب الذهاب...
لكن ما تقوله بولا عن التناقض المقزز في انتقاد رياض سلامة إلى درجة الشيطنة الكاملة، ثم دعم مجيء من يحمي رياض سلامة للامساك بكل مفاتيح السلطة... هذا في علم السياسة والاقتصاد له اسماء لا تليق بمن يحمل بندقية التحرير والردع الاستراتيجي للعدو الاسرائيلي...
امس، خرج الرئيس ميشال عون يتحدث عن مدى عجزه أمام سفيرة اجنبية اشتكى منها وعليها وسط تصفيق جمهور من الغنم العوني...
امس ايضا، خرج جبران باسيل يتحدث بالعفة المغلفة بكل شيء إلا الصدق...
قال كل شيء ولم يقل شيئا...
ثم اختتم الحديث بالمطالبة بإقامة نظام مدني في لبنان...
جبران باسيل الذي يسود على عشرات الألوف من الغنم وحركة امل التي تسود على عشرات أخرى من الغنم الخاص بها، يطلبون منا إقامة دولة مدنية في لبنان هم يقومون بذبحها كل طلعة شمس عبر الزبائنية الطائفية...
سألني ابني الذي سوف يتخرج السنة القادمة عن مطالبتي له وشقيقته بالعودة إلى لبنان...
قال لي بالحرف انه يتابع اخبار لبنان ولا يرى كيف يستطيع العيش في هكذا مجتمع متخلف، وتحت سلطة هكذا طبقة سياسية عفنة...
ثم زاد قائلا، انه وفقا لمعايير التقدم البشري، يحتاج لبنان إلى قرن من الزمن حتى تسمو العلاقات البشرية إلى المستوى الإنساني...
نحن اللبنانيون، لا نزال نتغنى بلبنان الأخضر ولا خضار في لبنان...
نتغنى للمياه، ونحن عطشى...
نعيش بلا كهرباء ولا ماء ولا انترنت ولا قضاء ولا قوانين مع جيش أقرب إلى فرقة موسيقية، لا يملك من السلاح الا ما يُسمح له به...في عصر لا تقوم قائمة دون كل هذا...
لم أستطع إقناعه بما لا أراه انا نفسي...
تربطني بلبنان بعض الذكريات والإخوة والأقارب...
انا معتاد على السوق والعيش وفق قوانين الغابة، اما هو، فقد اعتاد على نمط آخر...
امس خرجت صور دكاترة واساتذة ومثقفين يجلسون على كراسي الجهل في جزين...
هذه الصورة تتكرر في معراب...
في بيت الوسط...
في المختارة...
في الضاحية...
هل اريد لأبني وابنتي هكذا عيشة زفت؟؟!!
حليم خاتون
