ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن تقسيم السودان وفقاً لمشروع " برنارد لويس " ذلك المشروع المعروف إعلامياَ بالشرق الأوسط الكبير أو الجديد، ولن نمل ولن نكل من التذكير بأن كثيرة هي الأفكار الشريرة التي تطرح في العقل الصهيوني أو العقل الغربي المنحاز للصهيونية، ضد العرب والمسلمين، والذي تمثله الآن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين الأفكار والمشاريع الغربية الصهيونية يتصدر المشهد مشروع " برنارد لويس " المفكر اليهودي البريطاني الأصل، الأمريكي الجنسية، الذي تحول إلى أسطورة بسبب نجاحه في التطبيق العملي لفكرة تقسيم الوطن العربي بعد أن حولها إلى إجراءات وخطط، وبرامج عمل جادة.
والواقع أن مشروع " برنارد لويس " هو الأكثر جدية وعملية في آن، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة وخبيثة، وتلعب على الأوتار المذهبية والطائفية والعرقية بناءً على فهم عميق من مفكر لا يشق له غبار في فهم النفسية العربية والإسلامية، من خلال قراءة واعية للتاريخ العربي والإسلامي.
نحن إزاء مشروع رهيب، التقطته القوى الكبرى في الغرب لاسيما أمريكا بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، فضلا عن العدو الصهيوني الذي لا يمل ولا يكل في محاولاته لاختراق الدولة الوطنية العربية، وبالتركيز علي مثلث القوة العربي مصر والعراق وسورية فضلاً عن دول الأطراف السودان واليمن والمغرب.
ومن المفيد توضيح حقيقة هامة هي أن مشروع " برنارد لويس " لتقسيم المنطقة يتقاطع مع مشروعات عديدة، ومماثلة, ربما استلهمت النموذج أو السياق العام من " لويس "، وربما هناك تقارب فكري بين المنظرين الكبار، وما تنتجه مراكز دراسات ذات طبيعة عسكرية واستخباراتية، لكن المهم هنا هو أن فكرة تقسيم الوطن العربي تحتل مكانة مركزية في البيت الأبيض والبنتاجون، ومراكز صنع القرار الأمريكي، ومنها وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية، وقد تبنى الجمهوريون أو المحافظون الجدد أفكار " برنارد لويس " وحولوها إلى برامج عمل وإجراءات تستهدف تفكيك الوطن العربي وتغيير أسمه إلى الشرق الأوسط الكبير.
وفي عام 1980 تبنى " زيغينو بريجنسكي " مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس " جيمي كارتر " أفكار ومشروع " برنارد لويس " وبدأ في تفعيلها على أرض الواقع، وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع " برنارد لويس " وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة، والأكثر من ذلك هو تحديد ميزانيات مالية تم توزيعها في مخصصات الوزارات المعنية بهذا المشروع.
إذن ما ينظر إليه الكثيرون داخل مجتمعاتنا على أنه محض صدفة، هو مخطط له بعناية فائقة، وما يعنينا في اللحظة الراهنة هو المرسوم للسودان في مخططات مشروع " برنارد لويس " حيث تشير الوثائق أن السودان يجب أن تقسم إلى أربعة دويلات على النحو التالي :
1- دويلة النوبة ( المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية التي عاصمتها أسوان ).
2- دويلة الشمال السوداني الإسلامي.
3- دويلة الجنوب السوداني المسيحي.
4- دويلة دارفور.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا تم إنجازه من مشروع " برنارد لويس " علي الأراضي السودانية ؟
لقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية وجود الرئيس المعزول ( ذو التوجهات الفكرية الإخوانية ) عمر البشير في سدة الحكم لفترة طويلة وتمكنت من السيطرة والهيمنة عليه وأجبرته على تنفيذ الجزء الأول من مخطط تقسيم السودان وفقا لمشروع " برنارد لويس " حيث تم في مطلع العام 2011 التقسيم الأول للسودان، حيث انفصلت السودان إلى دويلتين الأولى إسلامية في الشمال والثانية مسيحية في الجنوب.
لكن المشروع لم يتوقف عند هذا الحد فالمرسوم هو أربعة دويلات وليست دويلتين، لذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في اللحظة الراهنة إلى إشعال النيران بالداخل السوداني عبر أدواتها المختلفة، لتأجيج الموقف وزيادته تعقيدا، عبر مواجهة مسلحة شرسة بين الجيش السوداني المخترق إخوانياَ خلال حكم البشير، ومليشيا الدعم السريع الغير شرعية صنيعة البشير وزراعه القوية في تأديب المتمردين في إقليم دارفور، والتي استغلت الوضع غير المستقر خلال السنوات الأخيرة لتحاول أن تفرض وضعاَ شرعياَ لها، وأصبح السودان بفضل خيانة وعمالة البشير يمتلك جيشاَ مخترقاَ يقدر بمائة ألف جندي وفي المقابل توجد مليشيا مسلحة موازية للجيش تقترب من مائة ألف مسلح أيضاً، وتلك كارثة في حد ذاتها، خاصة وأن طرفي المواجهة مدعومة من قبل قوى خارجية، والمواجهة بينهما لا يمكن أن تسفر عن انتصار لطرف على الآخر.
هنا يمكننا القول أن هذه المعركة ما هي إلا فصل جديد من فصول تقسيم السودان وفقاً لمخطط " برنارد لويس " حيث السعي لتقسيم الشمال إلى دويلتين هما ( النوبة والشمال السوداني الإسلامي )، وتقسيم الجنوب إلى دويلتين أيضا هما ( الجنوب السوداني المسيحي ودارفور الغنية باليورانيوم والذهب والبترول )، لذلك يجب أن يتحرك الجميع خاصة وأن المخطط يستهدف المنطقة بكاملها دون استثناء، ويستهدف معها نفوذ روسيا والصين المتنامي في وسط إفريقيا وتعطيل ولادة الخريطة الدولية الجديدة متعددة الأقطاب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم/ د. محمد سيد أحمد