تمر هذه الايام، ذكرى النكبة والجريمة الكبرى التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، والتى ادت الى تشريد شعبنا من أرضه وقيام الكيان الصهيوني الغاصب على ارضه، والذي جاء نتيجة للدعم الغربي لعصابات الصهاينة، ممثلا اساسا بالدور البريطاني الذي أعطى وعدا بقيام هذه الدولة في عام ١٩١٧ (وعد بلفور)، وقام بتنفيذ هذ الوعد مع انتهاء فترة الانتداب حيث قدم كل الدعم للعصابات الصهيونية، ومدها بكافة أنواع الأسلحة في الوقت الذي كان يمنع الفلسطيني من حمل حتى المسدس، وترافق ذلك مع تواطؤ عربي وصل حد التآمر على القوات الفلسطينية ورفض دعمها بالسلاح، وقد اكد ذلك الشهيد عبد القادر الحسيني في رسالته إلى الجامعة العربية وطالب العرب بدعم فلسطين بالسلاح، مخاطبا اياهم لا نريد ان تقاتلوا عنا، وحملهم مسؤولية ضياع فلسطين ان لم يفعلوا ذلك، وهذا ما حصل
لقد قاتل الشعب الفلسطيني بعزم واصرار وصمد وانتصر في العديد من المعارك .الا ان الدعم الغربي الكبير للصهاينة و تآمر القيادات العربية في ذاك الوقت ادى إلى ضياع جزء عزيز من فلسطين، بالمقابل نحن نعرف ان عددا كبيرا من الضباط والجنود العرب قاتلوا قتالا اسطوريا وقدموا الشهداء و مازال التراب الفلسطيني يحتضن جثث الكثيرين منهم في مقابره . هؤلاء الابطال من الجيش العراقي والجيش الاردني والمصري والسوري وغيرهم الذين امتزجت دماؤهم مع دماء الفلسطينيين.
واليوم و مع مرور هذه الذكرى، لا اريد ان اخصص مقالتي هذه لها،كوني كتبت عدة مرات في السنوات السابقة مقالات عدة تناولت فيها اسباب النكبة، والدروس المستخرجة منها، وكيف نواجه المشروع الصهيوني بمشروع جذري مقاوم.
كما ان العديد من الكتاب والصحفيين ورجال السياسة كتبوا الاف الكتب والمقالات التي تناولت الجوانب المختلفة لهذه القضية .
ما يهمني اليوم هو ان اكتب عن الواقع الحالي في هذه الذكرى وما يترافق معها من تطورات وخاصة ان هذه الذكرى تأتي في ظل تطورات هامة اهمها، اندلاع معركة ثأر الاحرار التى انطلقت ردا على جرائم العدو بعد القتل المتعمد للشيخ خضر عدنان و بعد اغتيال ثلاثة من القادة العسكريين لحركة الجهاد الإسلامي، وبعد الممارسات الفاشية لدولة العدو ضد شعبنا واسرانا ومقدساتنا.
اكتب اليوم بعد انتهاء معركة من معارك الصمود الأسطوري، وبعد ملحمة بطولية صنعتها سواعد رجال المقاومة وارادتهم، حيث استطاعت المقاومة فرص شروطها على العدو وتحقيق الإنتصار عليه ومنعه من تحقيق اهدافه.
هذا الإنتصار الذي استطيع القول ودون مبالغة انه وضع القضية الفلسطينية على ابواب مرحلة جديدة، مرحلة تؤكد ما سبق أن أكدته الانتفاضة الأولى، والتي وكما قال أيامها الحكيم الدكتور جورج حبش، أنها نقلت أمكانية قيام الدولة الفلسطينية من الامكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية. أكدت ان تحرير فلسطين لم يعد حلما او وهما وانما اصبح اقرب من اي وقت مضى وبات حقيقة واقعه. وكلنا يذكر أنه لولا التآمر على الانتفاضة ومحاولة استثمارها بشكل خاطيء لكان واقعنا افضل.
والان بعد توقف اطلاق النار وانتهاء هذه الجولة من المعارك لا بد ان نجيب على السؤال الأهم، ماذا اراد العدو من هذه المعركة وماهي اهدافه !!!
وبالمقابل ماذا ارادت المقاومة ايضا،
وماذا حقق كل منهما
وقبل الدخول في ذلك لا بد من الاشارة الى أن هذه المعركة ما هي الا جولة في اطار المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني ومقاومته وسوف تتكلل بالنصر.
لقد اراد العدو وقيادته المجرمة خلال هذه المعركة تحقيق مجموعة من الأهداف اهمها:
١ _تغيير المعادلات القائمة على الأرض، التي فرضتها المقاومة سابقا، وفرض شروط جديدة على المقاومة.
٢_ توجيه رسالة للجميع، خاصة في محور المقاومة ان اسرائيل ما زالت تملك قوة الردع وان يدها هي العليا.
٣_ توجيه رسالة لدول التطبيع تقول لهم ما زلنا قادرين على حمايتكم والحفاظ على امنكم
٤_ توجيه ضربة قوية لحركة الجهاد الإسلامي التي باتت تلعب دورا طليعيا ومميزا في مواجهة العدو من خلال إغتيال قيادتها خاصة العسكرية، ظنا منهم ان ذلك سيضعف حركة الجهاد.
٥_ محاولة الاستفراد بحركة الجهاد و تحييد الآخرين خاصة حماس و دق اسفين بينهما.
وتصوير المعركة انها مع الجهاد فقط
٦_ الهروب من الأزمة الكبيرة التي يعاني منها الكيان و حكومته في الاشهر الأخيرة وتصديرها الى الخارج ،كما جرت العادة.
لقد فشل العدو في تحقيق جميع اهدافه وهذا ما أكدته النتائج
وربما يكون الانجاز الوحيد ان استطاع الوصول إلى عدد من قادة حركة الجهاد العسكرين واغتيالهم وقتل النساء والأطفال.
لكن هذه طبيعة المعارك يرتقي فيها الشهداء ويتم تعويضهم، ومرة اخرى اشير إلى ما قاله سماحه السيد تعليقا على هذا الموضوع مستشهداً في الجبهة الشعبية (الجبهة الشعبية استشهد أمينها العام ابو علي مصطفى، وامينها العام الحالي في السجون، ولم تتوقف عن المقاومة، بعد غياب قادتها وبقيت ثابتة في ميدان القتال).
ان توقف المعركة والموافقة على وقف اطلاق النار، لا يعني ان الحرب قد انتهت ، بل لا زالت مفتوحة، وقد تعود الطائرات و الصواريخ للعمل مجددا في اي وقت، وهذا يستدعي الاستعداد المستمر للمواجهة، مع وجوب الحذر الدائم من خداع العدو،وهذا ما أكدته التجارب السابقة.
وفي ظل ما جرى ما هي النتائج و الحقائق التي أفرزتها هذه الجولة من القتال.
يمكننا تلخيصها بما يلي:
١_التاكيد مرة أخرى على تراجع قوة (لردع الإسرائيلية) وانتهاء مقولة الجيش الذي لا يقهر.
٢_ادت هذه الجولة من القتال الى زيادة حدة التناقضات داخل المجتمع الصهيوني وهذا ما بدا واضحا في تبادل الإتهامات و تحميل المسؤوليات.
٣_اكدت هذه المعركة على وجود درجة عالية من التنسيق بين الفصائل المقاومة، رغم وجود بعض الملاحظات،على موقف البعض (حماس) خاصة ان الجميع تحرك تحت عنوان وقيادة غرفة العمليات المشتركة، وهذه تجربة يجب تعزيزها و تطويرها.
٤_ الحقيقية الأهم تمثلت في تبلور موقف واضح من محور المقاومة، يؤكد عدم السماح للعدو الاستفراد بالساحة الفلسطينية.
وهذا ماجاء على لسان سيد المقاومة سماحة السيد عندما قال ( لن نتردد في دعم المقاومة في غزة .
نحن نراقب الأوضاع و تطوراتها، ونقدم في حدود معينة المساعدة المكنة، ولكن في اي وقت تفرض المسؤولية علينا القيام بأي خطوة او خطوات لن نتردد أنشأ الله)
وجاء الموقف الايراني على لسان قائد فيلق القدس والموقف اليمني والسوري كي تؤكد ذلك.
ومن المعروف ان السيد حسن نصرالله،عادة ما يعبر عن موقف محور المقاومة.
وهذا يؤكد اننا امام تطور نوعي جديد خ عملية المواجهة وقد نكون قريبا امام المعركة الكبرى التي يخوضها المحور من اجل تحرير فلسطين.
٥_اثبتت بشكل واضح لا لبس فيه انحياز الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية الى جانب دولة الكيان من خلال إدانتها للمقاومة واعتبار ما تقوم به ( إسرائيل) دفاعا عن النفس متجاهلة بالكامل الاحتلال الإسرائيلي الأرض الفلسطينية منذ عشرات السنين، و تمرده على الشرعية الدولية وقراراتها
٥_ فشل القبة الحديدية فشلا ذريعاً وبنسبة تصل إلى 70 %وعجزها عن التصدي للصواريخ المنطلقة من غزة وهذا له نتائج كبيرة، مقابل التطور النوعي في فعالية صواريخ المقاومة.
٦_ القضاء على نظرية الأمن ( الإسرائيلي), حيث لم يعد مكانا آمنا في دولة الكيان، حيث لم يعد هناك مكانا امنا.
٧_انهيار المعنويات لدى المستوطنين وهم يشاهدون الصواريخ تتساقط على مستوطناتهم،
مقابل ذلك الروح المعنوية العالية التي تمتع بها ابناء الشعب الفلسطيني و اطفاله وهم يخرجون الى الشوارع و يعتلون سطوح المنازل، ويحتفلون بالكرنفال الفلسطيني.، بينما يهرع المستوطنون الى الملاجئ.
ان ما تميزت به هذه المعركة عن سابقتها، انها جاءت في ظروف عربية وإقليمية و دولية افضل من السابق لمصلحة الشعب الفلسطيني، تتلخص في إنتصار سوريا وعودة العرب اليها، ونجاح المصالحة السعودية الإيرانية، وانخفاض حدة العداء التركي السوري، و تراجع هيمنة الولايات المتحدة والسير الى نهاية نظام القطب الواحد.الى جانب زيادة التناقضات وارتفاع حدتها داخل المجتمع الصهيوني و دولة الكيان..
في نهاية هذا المقال اقول
صحيح ان هذه المعركة لم تلب شروط الفلسطينين، كما ارادتها المقاومة، ولم تحرر شبرا من الأرض، ولم تحرر أسيرا واحد، لكنها استطاعت ان تحرر الوعي الفلسطيني، وتؤكد ان الطريق الى تحرير فلسطين هو طريق المقاومة .
ولا طريق غيره.
وهنا أتوجه بتحية الاعتزاز والتقدير لكل المقاومين الفلسطينين وكل من قام بدوره في مواجهة العدو،واخص بالذكر.
حركة الجهاد الإسلامي و مجاهديها،
والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومقاتليها الذين خاضوا هذه المعركة بكل عزيمة وإصرار وكفاءة عالية وقدموا الشهداء ولم يرضخوا لشروط العدو، ومنعوه من تحقيق أهدافه،وهذا هو الإنتصار.
تحية لشعبنا الصامد في غزة و مقاومته نعم لقد رفعتم رؤوسنا
تحية لشعبنا ف الضفة وال ٤٨ والشتات.
النصر لنا و الهزيمة للعدو
عاشت فلسطين حرة عربية
.الرحمة للشهداء .
الشفاء للجرحى .
المجد والنصر للمقاومة.
طارق ناصر ابوبسام
براغ، 15/05/2023