في ذكرى النكبة لعل قادم الأجيال يتذكرون: يقول مشهور باشا الجازي في كشفه لأسرارٍ من حرب فلسطين 1948: بحثتُ عن القائد عبد الله التّلّ فوجدته يجلسُ وحيدًا تحت نخلةٍ يسند ظهره إليها ويتناول حصًى من الأرض ويرميها بصمتٍ.
في ذكرى النكبة لعل قادم الأجيال يتذكرون:
يقول مشهور باشا الجازي في كشفه لأسرارٍ من حرب فلسطين 1948:
بحثتُ عن القائد عبد الله التّلّ فوجدته يجلسُ وحيدًا تحت نخلةٍ يسند ظهره إليها ويتناول حصًى من
الأرض ويرميها بصمتٍ.
كنتُ انا في أوائل العشرينات من عمري، وكان هو في أوائل الثّلاثينات، كنتُ أسمع عن شجاعته وقوته وعن عقيدته القِتاليّة وعن حماسته. لكنّني في تلك اللّيلة رأيتُ منه وجهًا آخر غير الذي سمعت فاقتربت منه و سألتُه:
"كيفَ ترى الأمور؟"
فردّ علي بدون مقدّمات:
"إنّهم يُقدّموننا قربانًا" ...
ولم أفهم قصده، فسألتُه : "مَنْ تعني؟"
فردّ بكلمة واحدة: "الأنظمة"
وإستوضحتُ منه، فالتفتَ إليّ وقال: "أتعرفُ كم عدد جيوشنا السّبعة الّتي سمعتَ هياجها وصِياحها قبل قليل، الجيش الأردنيّ والمصري والعراقي والسّوري واللّبناني والسّعوديّ وجيش الإنقاذ ومعه جيش الجهاد المُقدّس ...؟ كلّ هؤلاء لا يزيدون عن عشرة آلاف جندي، و اليهود الّذين نُسمّيهم عصابات، يملكون أكثر من مائةٍ وعشرين ألف مقاتلٍ ... ما معنى هذا يا مشهور؟".
ووجمتُ فلم يكنْ لديّ أيّ جواب. لكنّه قال:
"هل تعتقد أنّهم يريدون تحرير فلسطين بهذه الطّريقة أم يريدون تسليمها؟ هل تعتقد أنّهم يريدون لنا نحن أفراد الجيوش السّبعة أنْ نقاتل أم نُسحق؟ إنّهم يبعثون بنا إلى مجزرة يا مشهور. إنّهم يُلقون بنا إلى مذبحةٍ جماعيّة! أرأيتَ إلى الشليّة من الأغنام كيف تُحبَس في زريبةٍ ثُمّ تمتدّ إلى أعناقها آلاف السّكاكين؟ هكذا نحن".
ولم أرَ بؤسًا ولا يأسًا في وجه رجلٍ كما رأيتُه في وجهه ذلك اليوم، و أخذتْني بعضُ الحميّة فقلتُ له: "ولكنّ هذه النّفسيّة ستُحطّم جيشنا."
فردّ علي بحسرة واسف شديد: "جيشنُا لا يدري شيئًا، و سيبقى لا يدري شيئا، أمّا أنا وأنتَ والّذين يعرفون فعلينا أنْ نبقى نقاتل حتّى حزّ الحلاقيم فهذا قَدَرُنا و لا فِرار منه."
ووقف على قدمَيه وقبل أنْ يمضي بعيدًا قال وهو ينفثُ هواءً حارًّا يخرج من صدره: "أتعرفُ كم عدد القادة الذين سيخوضون المعركة ضدّ اليهود؟ إنّهم خمسةٌ وخمسون قائدًا ليس بينهم من العرب إلاّ خمسة فقط والبقيّة إنجليز و كلوب باشا القائد العامّ إنجليزيّ ولا أحد يستطيع أنْ
يشرب كأس ماءٍ واحدةٍ دون الرّجوع إليه ... هل هذه حرب تحرير أم حربُ تدمير ؟ ..أم حرب تسليم؟!"
وتركني ومضى في سبيله ورأيتُ ظهره قد إنحنى كأنّ جبلاً من الهمّ قد أناخَ عليه !!
*النصر أو الشهادة* كانت مقولة القائد البطل عبد الله التل لكتيبته عام 1948 وكان يقول لأهل فلسطين: "يا أهل فلسطين بيعوا أبناءكم واشتروا السلاح، لأن العرب باعوكم."
وقف على سور القدس فوق باب العامود في البلدة القديمة وقال لمن تبقى من كتيبته: "لست آمركم عسكرياً بالقتال. من أراد منكم الفوز بإحدى الحسنيين فهنيئاً له قدس الأقداس، ومن أراد منكم العودة لأهله فليعد الآن، فبعد هذه اللحظة إما نصرٌ أو شهادة ..."
هكذا ضاعت فلسطين. فلا اهلها باعوا ارضهم و لا ما يحزنون …لكنها خيانات الانظمة العربية المأجورة.
*للعلم (1):* البطل عبدالله التل استطاع أن يحافظ على القدس القديمة وتمكن من أسر الصهيوني شارون وأرسله إلى معسكرات الجيش في الزرقاء ليعيده جون كلوب باشا مرة اخرى إلى الصهاينة بعد وقت قصير حيث كان كلوب باشا قائد الجيش العربي الاردني الى ان اتخذ الملك الاردني الراحل الحسين بن طلال قرارا بإعفاء كلوب باشا من منصبه وفصل معه كل الضباط الانجليز فيما بات يعرف بيوم تعريب الجيش الاردني.
*للعلم (2):* الفريق الركن مشهور باشا الجازي حديثة من قبيلة الحويطات الاردنية العريقة كان قائد للقوات الاردنية في قاطع الكرامة يوم المعركة التاريخية التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وعمادها حركة "فتح" مع القوات الاردنية ضد القوات الاسرائيلية الغازية التي قال موشيه دايان لها في صباح 21 آذار 1967 إنه سيعبر نهر الاردن ليكسر المقاومة الفلسطينية ويسحقها كما سحق امامهم بيضة حملها بكفه. لكنه عاد مهزوما مثقلا بأعداد القتلى والجرحى والمعدات العسكرية التي تم تدميرها.
*رحم الله شهداء امتنا العربية وأحسن ذكراهم في العقول والأفئدة. وإنها لثورة حتى النصر.*
من كتاب نكبة فلسطين للبطل عبد الله التل