وليد عبد الحي
دولتان اسلاميتان هما أندونيسيا وتركيا تقدمان نموذجان متقدمان الى حد ما في مؤشرات التطور النسبي، لكن العناية العربية بالنموذج التركي تكاد تتفوق على النموذج الاندونيسي عشرات المرات رغم الأهمية والموقع الدولي لاندونيسيا ورغم تقدم النموذج الاندونيسي على التركي كما سأوضح ، وقبل تفسير اسباب العناية بتركيا والاغفال شبه التام لاندونيسيا في وسائل الاعلام العربية بخاصة المقربة من التيارات الاسلامية وفي صدارتها الاعلام القطري ، دعونا نقارن بين الدولتين في المؤشرات المركزية التالية :
1- عدد السكان:
يبلغ عدد سكان اندونيسيا 280 مليون نسمة-87% مسلمون و10% من المسيحيين(وهي الدولة الاسلامية الاكبر في العالم)، بينما يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 85.4 مليون نسمة، اي ان الوزن السكاني لاندونيسيا يقارب 3 اضعاف عدد الاتراك.
2- المساحة:
تبلغ مساحة اندونيسيا حوالي 1,905 مليون كم مربع بينما تبلغ مساحة تركيا 783.4 كم2، أي ان مساحة اندونيسيا اكثر من ضعف مساحة تركيا
3- الناتج المحلي الاجمالي :
هناك شكلان من اشكال القياس، الاسمي(اي الذي يقيم الانتاج بالقيمة التحويلية لعملة الدولة)، والمقياس القائم على القدرة الشرائية وهو الاكثر دقة للتعبير عن القيمة الحقيقية لاجمالي الانتاج، يصل اجمالي الناتج الاندونيسي المحلي الى 4.4 تريليون دولار(الشرائي) ودخل الفرد حوالي 15,9 الاف دولار، بينما بالمقياس الاسمي فهو 1.4 تريليون(بدخل للفرد يصل الى 5 الاف دولار، وهو ما يضعها في المرتبة السابعة عالميا في (القوة الشرائية ) والمرتبة 16( في القيمة الاسمية)، بينما يبلغ اجمالي الناتج المحلي التركي حسب القوة الشرائية 3.4 تريليون دولار و 1.03 تريليون (اسمي)، أما معدل الدخل فهو 41.4 الاف دولار(شراء) و 12 الف (اسمي) ومرتبة تركيا عالميا (اسميا ) ال 19 وعلى اساس القوة الشرائية 11 ، وهو ما يعني تقدم اندونيسيا على تركيا ما بين 3- 4 درجات في المرتبة العالمية في المقياسين
4- مؤشر عدالة توزيع الدخل )كلما كان الرقم اقل في المؤشر كان الوضع افضل)
تشير الدراسات المختلفة الى ان مؤشر الفروق الطبقية في اندونيسيا هو 37.9 بينما قيمته في تركيا هي 41.9 في تركيا، أي ان عدالة توزيع الدخل الاندونيسي افضل بقدر لا باس به.
5- النظام السياسي:
يمكن القول بان الفروق بين الدولتين في هذا الجانب ليس كبيرا،فكلاهما يعتمدا النظام الرئاسي والتعدد الحزبي والانتخابات النزيهة، وفي اندونيسيا مدة الرئيس لخمس سنوات ولدورتين فقط على غرار تركيا تقريبا، مع ضرورة الاشارة الى ان اي من الدولتين لا يشتمل دستورهما على نص صريح بان دين الدولة هو الاسلام ،بل هما نظامان علمانيان بالنص(تركيا) وبالسياق الدستوري في اندونيسيا.
6- معدل الديمقراطية:
تتفوق اندونيسيا على تركيا في معدل الديمقراطية ، فخلال الفترة من 2012 الى الآن تراوح معدل الديمقراطية فيها بين 6.76 عام 2012 و 6.71 عام 2022، بينما تراجعت في تركيا من 5.76 عام 2012 الى حوالي 4.35 عام 2022( ولعل المشكلة الكردية والاجراءات التركية بعد محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016 اثرت كثيرا على المعدل التركي)، وانعكس ذلك على مرتبة الدولتين عالميا، إذ تحتل اندونيسيا حاليا المرتبة 54 عالميا بينما تقع تركيا في المرتبة 103.
7- مؤشر الاستقرار السياسي:
تقع الدولتان في خانة السالب على مقياس كوفمان للاستقرار السياسي، لكن معدله في اندونيسيا هو سالب 0.51 بينما في تركيا سالب 1.1، اي انه في تركيا اقرب في عدم الاستقرار الى ضعف حالته في اندونيسيا.
8- العلاقة مع اسرائيل:
ليس لأندونيسيا أية علاقات رسمية مع اسرائيل رغم السعي الاسرائيلي لذلك، وبعض الاشارات غير الموثقة
جيدا حول اتصالات سرية، اما تركيا فهي الشريك التجاري والسياحي الاول في الشرق الاوسط مع اسرائيل ،
ولها 12 اتفاقية امنية مع اسرائيل ناهيك عن اعتراف دبلوماسي كامل .
ماذا يعني ما سبق:
إن النموذج الاندونيسي متقدم في اغلب المؤشرات على النموذج التركي ،وعلى الوزن الدولي ، فلماذا العناية بتركيا أكثر من اندونيسيا وبشكل كبير؟
1- الموقع الجغرافي التركي: تنتمي تركيا لمنطقة الشرق الاوسط، وتنغمس في سياساته أكثر ، وتأثيرها على مجريات الواقع في المنطقة يفوق كثيرا التاثير الاندونيسي ، ولكن هل المقارنة على اساس النموذج القيمي الناجح أم على اساس الوزن الاقليمي والتأثير السياسي ؟ ففي النموذج الناجح يكون الإعلاء للعقيدة وخدمتها وتقديمها بشكل جاذب ، وفي الثانية تكون المدرسة الواقعية هي الاساس لا العقيدة..
2- ان زيادة الاهتمام بالنموذج التركي هو جزء من سياسات المكايدة الداخلية العربية، ففشل الاسلاميين في الوصول الى السلطة او القدرة على الحفاظ عليها حيث وصلوا يدفعهم لتعظيم النموذج الناجح في الوصول للسلطة والحفاظ عليها، ناهيك عن ان النموذج التركي الناجح والديمقراطي شاخص امام نظر الرأي العام العربي ،ويشكل احراجا شديدا للانظمة العربية.
3- جزء من اعلاء النموذج التركي هو سعي لتقديم نموذج منافس للنموذج الايراني ،فوراء الستار هناك تاريخ صفوي وعثماني، وهناك سنة وشيعة ، والعالم يغذي المنافسة بين الدولتين الاكثر فاعلية في المنطقة ويجر معه ملحقاته العربية من نظم وحركات.
4- ان غض الطرف عن العلاقات التركية الاسرائيلية، يعني ان الحركات الاسلامية العربية تخضع لأولويات الاستراتيجية التركية، بل ويبررونها بتحايلات اعلامية ومناقشات نظرية، فلو أعلنت تركيا الان قطع علاقاتها مع اسرائيل سنجد التكبير والتهليل، فلماذا الصمت إذن على العلاقة.؟
ارى ان النموذج الاندودنيسي يستحق من الحركات الاسلامية العناية أكثر ، بل وتوظيف النفور الاندونيسي من أية علاقة مع اسرائيل ، كما انها تقدم نموذجا لديمقراطية هجينة ، دون ان يعني عدم الاستفادة من النموذج التركي ولكن دون بنية "سيد وتابع" ودون مكايدة.