تمكن مهندسو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من تصميم نظام مكون من عنصرين يمكن حقنه في الجسم ويكوّنُ هذا النظام خثرات دموية في مواقع الإصابة التي أدت إلى النزف الداخلي. هذه المواد تحاكي الطريقة التي يشكل بها الجسم الخثرات تلقائيًا، وتؤمن طريقة لإبقاء الأشخاص الذين يعانون من أذيات داخلية خطيرة على قيد الحياة ريثما يتمكنون من الوصول إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم.
طريقة جديدة لوقف النزيف الداخلي
في التجارب المخبرية على الفئران أظهر الباحثون أن هذه المكونات (الجسيم نانوي والبوليمر) كان أداؤها أفضل بكثير من الجسيمات النانوية المُخثَرَة المُطورة والمُصنعة مُسبقًا.
تقول بولا هاموند، أستاذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ورئيسة قسم الهندسة الكيميائية فيه، وعضو في معهد كوتش لأبحاث السرطان المتكاملة، وأحد كبار مؤلفي الورقة البحثية: «اللافت خاصةً بما يتعلق بنتائج الدراسة هو مستوى الشفاء من الإصابات الشديدة التي رأيناها في الدراسات على الحيوانات. من خلال إدخال نظامين متكاملين بالتسلسل يُمكنُ الحصول على خثرة أقوى بكثير».
على عكس أنظمة تخثرٍ طُوّرَت مُسبقًا، هذه التقنية الجديدة أبدت تصرفات تحاكي كلًا من الصفائح الدموية (وهي الخلايا التي تبدأ تخثر الدم) والفيبرينوجين (وهو بروتين يساعد في تكوين الجلطات).
كذلك يقول برادلي أولسن، أستاذ في الهندسة الكيميائية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلف رئيسي للدراسة: «إن فكرة استخدام مكونين تسمح للهلام الانتقائي في النظام بتعزيز التركيز في الجرح ومحاكاة التأثير النهائي لسلسلة التخثر الطبيعية».
نظام التخثر الاصطناعي:
يُسبب فقدان الدم الناجم عن الإصابات الشديدة مثل حوادث السيارات أكثر من 2.5 مليون حالة وفاة سنويًا في جميع أنحاء العالم. إذ يسبب هذا النوع من الصدمات الحادة نزفًا داخليًا من بعض الأعضاء مثل الكبد ما يَصعُب اكتشافه وعلاجه. في مثل هذه الحالات، المهم هو إيقاف النزف الداخلي حتى يُنقَلَ المريض إلى المستشفى لتلقي المزيد من العلاج.
يقول أولسن: «إن إيجاد طرق لمنع النزف الداخلي له تأثير كبير خاصة عند الجنود في القوات المُسلحة، إذ يُعد العلاج المتأخر للنزف الداخلي أحد أهم أسباب الوفاة».
عندما تحدث إصابات داخلية تتوجه الصفائح الدموية إلى موقع الإصابة لتبدأ عملية تخثر الدم فيتشكل في نهايتها سدادة لَزجة من الصفائح الدموية وبروتينات التخثر، بما في ذلك الفيبرينوجين. ومع ذلك، إذا فقد المرضى الكثير من الدم، لن يكون لديهم ما يكفي من الصفائح الدموية أو الفيبرينوجين لتشكيل الخثرات.
لذلك أراد فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إنشاء نظام اصطناعي له أن يساعد في إنقاذ حياة الناس باستبدال عناصر عملية التخثر كليهما.
يقول هونغ: «ما فعله الباحثون في هذا المجال سابقًا هو محاولات إما لاستعادة الآثار العلاجية للصفائح الدموية أو لاستعادة وظيفة الفيبرينوجين، وما نحاول فعله هو معرفة الطريقة التي يتفاعل بها هذان المكونان مع بعضهما».
في لتحقيق ذلك، أنشأ الباحثون نظامًا يحتوي على نوعين من المواد هما: جسيم نانوي يتحكم بالصفائح الدموية وبوليمر يمثل فعل الفيبرينوجين.
بالنسبة للجسيمات النانوية فهي مصنوعة من بوليمر متوافق حيويًا يسمى PEG-PLGA يعمل مع ببتيد يسمى GRGDS ما يسمح لها بالارتباط بالصفائح الدموية المُنشَطة. ونظرًا لكون الصفائح الدموية تتجه لموقع الإصابة فهذه الجسيمات بدورها ستتراكم في موقع الإصابة كذلك.
بنية هذه الجسيمات مشابهة لما أبلغ عنه الباحثون في دراسة سابقة أُجريت عام 2022، إذ وجدوا أنه عندما تكون الجسيمات المستهدفة في حجمها الأمثل وهو من 140 إلى 220 نانومتر، فإنها تتراكم في موقع الجرح ولكنها لا تتراكم بشكل كبير في أعضاء مثل الرئتين لما يترتب على ذلك من خطورة على المريض.
أما في هذه الدراسة، عدل الباحثون هذه الجسيمات بإضافة مجموعة كيميائية تتفاعل مع مستقبِل متوضع على البوليمر (المكوِن الثاني في النظام)، وهذا ما يُدعى بالربط المتصالب. وبدورها ترتبط هذه المركبات المصنوعة إما من PEG أو PEG-PLGA، بالجزيئات المستهدفة والمتراكمة في موقع الإصابة لتشكل كتلًا مشابهة للخثرات الدموية.
يقول هونغ: «إن الفكرة هي بوجود كل هذه المكونات داخل مجرى الدم، فإذا تعرضت أحد النسج للإصابة، سيبدأ عنصر الاستهداف بالتراكم في الموقع ويحدث الربط المتصالب. وعندما يتواجد كلا المكونين بتركيز عالٍ، يحصل المزيد من الترابط، فيبدآن بتشكيل هذا الخثرة».
إيقاف النزف الداخلي:
اختبر الباحثون هذا النظام على فأر تعرض لنزف داخلي. فتأكدوا بعد حقنه في جسم الفأر من فعاليته في إيقاف النزف، متبوعًا بعمل ضعف الجسيمات المستهدفة تلقائيًا.
من الميزات المهمة للخثرات الاصطناعية هي عدم تحللها بالسرعة التي تتحلل بها الخثرات بالحالة الطبيعية. عندما يفقد المرضى الكثير من الدم يُزوَدون عادةً بمحلول ملحي وريديًا لضبط ضغط الدم لديهم، لكن هذا المحلول يقلل بدوره الصفائح الدموية الموجودة والفيبرينوجين، ما يؤدي إلى خثرات أضعف وتدهور أسرع. لكن الخثرات الاصطناعية ليست عرضة لهذا التدهور.
وجد الباحثون أيضًا أن الجسيمات النانوية لم تحفز أي رد فعل مناعي لدى الفئران مقارنة بضبط الجلوكوز. ويخططون الآن لاختبار النظام على حيوانٍ أكبر بالعمل مع الباحثين في مستشفى ماساتشوستس العام.
على المدى الطويل، يأمل الباحثون اكتشاف إمكانية استخدام كاميرات صغيرة محمولة لتصوير الجسيمات النانوية المحقونة بعد دخولها الجسم. يساعد ذلك الأطباء في حالات الطوارئ على تحديد موقع النزف الداخلي بسرعة، الأمر الذي لا يمكن إجراؤه حاليًا إلا في المستشفى بالتصوير بالرنين المغناطيسي أو الموجات فوق الصوتية أو الجراحة.
يعقب هونغ على ذلك: «يمكن أن يحدث تأخير في معرفة مصدر النزف الداخلي، ما يتطلب الكثير من الخطوات قبل أن تُعالَج الإصابة. لذا، فإن القدرة على دمج هذا النظام وأدوات التشخيص هي أحد المجالات التي نهتم بتطويرها».