كَتَبَ د. إسماعيل النجار:
مقالات
كَتَبَ د. إسماعيل النجار: "أمريكا والصهيونية هما أبُ الفتنةِ وأمُّها".
د. إسماعيل النجار
27 حزيران 2023 , 04:46 ص


عندما شعرَت أمريكا وأوروپا بعجزهما عن إحكام قبضتيهما طويلاً حول أعناقنا،أكثَر مِما مضىَ أشعلوا النار فيما بيننا

وتركونا نتقاتل ونتناحر حول الماضي، وانطلقوا هُم نحو المستقبل ِ الطويل ِيبحثون عن آفاقٍ أوسَعَ وأفضلَ لمواطنيهما.

كُنَّا أُمَماً وشعوباً مُستَعمَرَةً نقاومُ لإزالةِ الِاحتلالِ الجاثم على صدورنا، وعندما تراخت قبضاتهم عن بلداننا،منحونا ما يُسمى استقلالَ الكِذْبة، بعدما أدخلوا إلى بلادنا الفسادَ السياسيَّ، عَبْرَ الحُكّامِ الّذين دعموهم وأوصلوهم إلى رأس هرَمِ السلطات، ثمّ قاموا بتزكيةِ فريق ٍ ضِدّ آخر.

طيلةَ فترةِ سبعينَ عاماً، عَمِل الأوروپيون والأمريكيون على زعزعةِ اِستِقرارِ بُلدانِنا، اقتصادياً ومالياً، عبرَ إيصال ِ عُملاءَ لهم إلى كل مفاصل الدُّولِ التي استهدفوها، ومنها لبنان الذي كرَّسوا الطائفية والمذهبية بين أبنائه، ورفعوا فيه من أعتاب البَكَوِيَّةِ والمَشايخ والأُمراء، كمجموعةٍ مختلفةٍ متميّزةِ التوجُّهاتِ الدينيةِ، يسيطرُ كلُّ طرَفٍ منها على جماعةٍ من السكان تدين له بالولاء، وتلتف حوله وفق العصبِ الطائفي والمذهبيّ، حتى فقد اللبنانيون حِسَّهُمُ الوطنيَّ الجامعَ، وإيمانَهم بهُوِيَّتهم الوطنية،

وأصبحت الطائفةُ هي ملاذَهم وبيتَهم الكبير، يَغضبُ الشعبُ، لِغَضبِ الشيخِ أو الميرِ أو البَيْك، ويرضىَ عند رضاه!!!

هكذا تَكَوَّنَ لبنانُ وبُنِيَ نظامُهُ السياسيُّ على المحاصصةِ، والسِّتّة وسِتّة مكرّر، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه.

◦ بلدانٌ عربيةٌ أُخرىَ تسكنها مكوِّناتٌ مُجتمعيَّةٌ عربيةٌ ذاتُ ألوان ٍطائفيةٍ ومذهبية، كالبحرينِ والسعوديةِ والكويتِ والعراقِ وسورية، بعضُها خاضعٌ للحمايةِ الأمريكية، والبعضُ الآخرُ عُرضَةً للمؤامرات.

لكن، بعد اِنتصار الثورةِ الإسلاميةِالإيرانية، أصبحت الأُمورُ مختلفةً تماماً، حيث بدأ الغربُ ومعه أمريكا، خصوصاً بعد فشل ِ كَسْرِ إرادةِ طهرانَ، في حرب السنوات الثماني، وانتشارِ الفكرِ الجِهادِيِّ لدى الشيعةِ ضِدَّ إسرائيل، ومناداتِهم بإزالتِها من الوجود، ووصفهم إيّاها بالغُدّةِ السرطانيةِ في المنطقة، حيث تركّزَت الحركاتُ الجهاديةُ في كُلٍ من لبنان والعراق واليمن،

بدأوا بمحاولات شنِّ حروب من نوع ٍ آخرَ على هذهِ البُلدان فكانت داعشُ إحدى أكبر أدواتهم، وسلاحهم الطائفي الفتَّاك، فغزوا العراق، واتخذت المعركةُ فيه طابعاً طائفياً، رغم نُكران ِ الشيعةِ لذلك، وانتهت المعاركُ بِانتصارِ القوةِ العسكريةِ الشيعيةِ وإنكسارِ وهزيمةِ (داعش)، الذراعِ العسكريِّ الضّارِبِ لإسرائيل والسعودية التي تُمَثِّلُ الفكرَ الوّهّابِيّ المصطنع المعادي لكلّ الأديانِ والطوائف، وشنت إسرائيلُ ثلاثةَحروبٍ شرِسَةٍ على حزب الله في لبنان، اِنتهتْ بهزيمتها وانتصارِ المقاومةِ، وتثبيت معادلةِ قوّةِ وردع، فهاجمَ الغرب ومعه السعوديةُ وقطرُ سوريَّةَ، بكامل قوتهم العسكريةِ الوهابيةِ العقائدية، فتدخّلت إيرانُ وحزبُ الله،وانهزمَ إرهاب العتدينَ في سوريا،

فشنُّوا حرباً على اليمن ولا تزالُ مستعرةً نارُها، موازينُ القوى فيها تحوّلت لِصالِحِ أنصارِ الله والجيش اليمني!

إذاً أمريكا والغرب، ومعهما إسرائيلُ ودوَلُ التطبيع ِ (العربية)،جميعُهم حاولوا، وبكل الوسائل وفشلوا.

جَرَّبوا الحربَ العسكريةَ وفشلوا.

جَرَّبوا بالحصارَ والتجويعَ وفشلوا.

لَم يبقَ وسيلةٌ إلَّا وجرّبوها، من أجلِ زرعِ فِتَنِهِم بينَ السُّنَّةِ والشيعة، لكي تسيلَ دماؤهم بأيديهم وترتاحَ إسرائيل، وكانت آخرَبَراءاتِ اختراعِهم إنجازُ فِيلمٍ موَّلَتْهُ السعوديةُ، بقيمةِ ١٠٠ مليون دولار، بعنوان: معاويةُ بنُ أبي سفيان، تَظهَرُ فيه هذه الشخصيةُ الكافرةُاللئيمةُبمظهرِ أميرِ المؤمنين، الأمرُ الذي أثارَ حفيظةَ الكُتَّابِ والمُفكِّرينَ المسلمينَ، من كل المذاهب، وقامَ كثيرون منهم بمهاجمةِ الفيلمِ ومُنتِجِهِ ومُمَوِّلِهِ.

وفي الوقت نفسِه الذي أحدثَ فيه فيلمُ: "معاويةُ ابنُ أبي سفيانَ" اللعين ضجّةًكبيرة، كانت بريطانيا تُمَوِّلُ تصويرَفيلمٍ منسوبٍ إلى الشيعة، ويُجَسِّدُ شخصيةَ"أبولؤلؤةَالفارسيُّ

المجوسيّ"

(فيروز الكاشاني)، حسبَ وصفِهم المُتّهم بِاغتيالِ الخليفةِ عُمَرَ بْنَ الخطّاب في المسجد، لتصوير الأمر بأنّه رَدٌّ على فيلم معاوية، مع العلم أن منتج وممول الفيلمين هي جهةٌ واحدة، تقِفُ خلفَها إسرائيل!!

حركاتٌ ومشاريعُ فتنويةٌ أخرجتها لنا أمريكا وبريطانيا وإسرائيلُ من بطن الزمن الغابر، وجاءت لِتُحيِي، من خلالِها، فتنةً لعينةً بين المذهبين الإسلاميّينِ الأساسيين في العالم.

ومع الأسف،فإنّ أبواق العلماء المسلمين المفتوحةَ لِأكل اللحومِ والمَناسِفِ، وأموالِ المسلمين، أُطبِقَت تماماً، ولم نسمعْ صدى صوتٍ واحدٍمنهم، لا من الأزهرِ الشريفِ ولا من أي مكانٍ في العالمِ يعترضُ على مثل ِ هكذا فيلم فتنة،في الوقت الذي تتحدثُ فيه مراجعُ وكتبُ الكثيرِمن العلماءعن كُفْرِمعاويةَ ابنِ أبي سفيان وولدِهِ وأبيه، ووصفهم بأنهم كانواأكثرَ الذين آذَوا النبيَّ محمداً صلى الله عليه وآلِهِ وسلّمَ، وحاربوه.

دائماً، أمريكا وإسرائيل والغرب ينجحون في إذكاء الفِتَنِ بين المسلمين، وتكون السعوديةُ، كما في الأعمِّ الأغلب، هي الأداةُ المُمَوِّلَةُ لإزهاقِ أرواحِ المُسلمين ودمائهم، ولا أحدَ يعترض على ما تقوم به مملكةُ بني سعود!!!

وللأسف فإنّ البعض يدّعون أنّهم مسلمون، بل وبكُلّ وقاحةٍ يدّعون حمايةَ المسلمين، وهم يلِغونَ في دِمائهم، ويُخْرِبونَ بلدانهم، والبعضُ مُسلمون بالتسميةِ فقط، لا حولَ لهم ولا طَوْل.

بيروت 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري