بقلم :- راسم عبيدات
اسم العملية العدوانية التي شنتها دولة الكيان في الثاني من تموز/2023 على جنين ومخيمها معقل المقاومة الفلسطينية،هو " بيت وحديقة" ..هذا الإسم الذي جرى اختياره بدقة وليس بصورة عبثية ، وفق نظرية العدوان الجديدة التي تطبقها دولة الكيان "أيام قتالية معدودة" بدل المعركة بين حربين،...الإسم يعني بأن كل الأراضي الفلسطينية،هي ارض تلمودية توراتية يحق لمواطني دولة الكيان التجول والتنزه والرقص والغناء فيها بحرية " سداح مداح"، وكانها لا تخص شعب صاحب هذه الأرض براً وبحراً وجواً .....الغزاة اختاروا هذا الإسم وقالوا بان قواتهم تخرج في ايام قتالية الى أي ساحة تشكل تهديداً لوجودها ولجيشها ومستوطنيها ...أيام يحددون هم سقفها زمنياً ومكانياً،بحيث تكون الأمور تحت السيطرة،بمنع تمدد المعركة الى خارج المكان المحدد وعدم التمادي في الزمن لمدة أطول،لكي لا تنفجر الأمور على نحو اوسع يستجلب تدخل ساحات أخرى ...وفي ظل المتغيرات الإقليمية والداخلية المجافية ،كانت حكومة وجيش الكيان يبحثون عن نصر ميداني يعوض فشلهم الإستراتيجي، متوهمين بأن مخيم جنين الذي لم يركع لا في عملية ما عرف بالسور الواقي /2002 ولا عملية ما عرف بكاسر الأمواج،شباط /2022 ، يمكن هذه المرة في ظل حالة فلسطينية ضعيفة ومشتتة وغير موحدة وانهيار النظام الرسمي العربي والدعم الأمريكي والبريطاني وانشغال العالم في الحرب الأوكرانية، قد يوفر لها فرصة هزيمة المقاومة في جنين ومخيمها ..مستخدمة قوة عسكرية ضخمة جداً في عرض عضلات غير مسبوق ....حيث مخيم لا تتجاوز مساحته نصف كليومتر مربع ،حشد له اكثر من الف جندي ومئة وخمسين عربة مدرعة وآلية وقوات النخبة من مجلان وايغوز والدفدفان واليسام واليمام وغيرها ،ناهيك عن الطيران المسير والمروحي والحربي واحدث وسائل التكنولوجيا والتجسس .....
هذا العرض الواسع للعضلات ،كان الهدف منه الإيحاء للمستوطنين ولجمهور دولة الكيان، بأن المقاومة الفلسطينية موجودة في مدينة واحدة ومخيم واحد ويمكن تصفيتها بضربة واحدة ...ونحن ندرك بأنه غير هذا الهدف الإعلامي لرفع معنويات المستوطنين،والأهداف الأمنية والسياسية والإستيطانية من هذه العملية العسكرية،بأن لها اهدافاً لإنقاذ نتنياهو وحكومته من الورطة الداخلية في ظل مظاهرات تتواصل وتتسع للإسبوع السادس والعشرين،على خلفية تفجير تعديل التشريعات القضائية لأزمة دولة الكيان العميقة والممتدة الى تشرين ثاني/1995 مقتل رابين على يد فاشية دولته التي حملت شارون ونتنياهو للحكم، صراع عميق تشهده دولة الكيان حول هوية الدولة، يأخذ الجوانب الأيدولوجية والثقافية ..هذه الغزوة بهذه القوات الضخمة ،..لم تستطع ان تقتحم 1/3 المخيم، وقابلتها المقاومة الفلسطينية في كل زقة وشارع في المخيم بمقاومة شديدة وكثيفة،مستخدمة الكمائن والعبوات الجانبية والقوة النارية الكبيرة، في تعبير عن مدة تطور وتوسع قدرات المقاومة الفلسطينية العسكرية والتسليحية والتصنيعية، رغم كل الحصار، وقدراتها على المناورة والتكتيكات .... مقاومة قالت بأن مخيم الشهداء والأسرى والجرحى والمجال لا يتسع لذكر الأسماء ،مخيم ومدينة ابطال عملية " نفق الحرية" ايلول 2021 ،لن يسقط ولن يرفع الراية البيضاء، فهناك رجال رضعت حليب السباع،ولديها عزم وإرادة وهي ليست مرتجفة ولا مرعوبة ولا تستجدي حماية من هم اعداء شعبنا وشركاء دولة الكيان في العدوان على شعبنا وعلى مقاومته، ولا تبحث عن مصالح خاصة، تبحث عن وطن وعودة لأرض شردت وطردت منها ... جيش الكيان استخدم كل وحشيته وهمجيته في تدمير شوارع المخيم وتجريف أرضه وطرد وشرد وهجر في اوسع عملية تطهير عرقي 3000 ألآلاف مواطن من سكان المخيم في "بروفا" لما هو قادم في معارك جديدة ستشن على شعبنا،حيث يكون الطرد والإقلاع والتهجير فيها على نحو اوسع واشمل...هؤلاء المشردين والمطرودين من المخيم قسراً،والذي أراد العدو ان يفك العلاقة بينهم،هم وبقية سكان المخيم مع ا ل م ق اوم ة الفلسطينية كبيئة حاضنة لها ...قالوا بصوت واحد بيوتنا فداء المقاومة... ولعل الرسالة التي تركها اصحاب وسكان احد البيوت التي اضطر سكانه لإخلائه، الى ابطال المقاومة، بأننا تركنا لكم مونة كافية ومبلغ نقدي والبيت تحت تصرفكم وفداكم ولا اسف على طوبه وحجارته ،تعبر عن عمق الإرتباط والعلاقة بين الحاضنة الشعبية والمفاومة.
الكيان كعادته قال وسيقول بأنه حقق الأهداف المرجوة من هذه العملية،كما هو الحال في العمليات السابقة في غزة ونابلس وجنين وغيرها من مدن ومحافظات الوطن ...هذه الأهداف لا تتعدى بنايات سكنية وبنى تحتية ومراكز صحية وطبية ومشافي ومدارس ومدنيين عزل يفترض توفير الأمن والحماية لهم في القانون الدولي والإنساني،لو وجد مثل هذا القانون ،ولكن هناك من يتعمد ويقف الى جانب دولة الكيان ويحميها من أي قرار او عقوبة دولية قد تفرض عليها لخرقها الفظ والوقح للقانون الدولي،ويبقيها دولة فوق القانون،ويصف قتلها للمواطنين الأبرياء والتدمير والتخريب، بأنه " الحق في الدفاع عن النفس" ..ورغم كل هذه الإنكشاف للشراكة ما بين هذه الدولة الإستعمارية وفي المقدمة منها أمريكا " مامة " النظام الرسمي العربي المنهار وبريطانيا الإستعمارية، إلا ان هناك فلسطينياً ما زال يراهن على حلب "الثور" والتمسك بوهم ما يسمى بحل الدولتين والعيش في غيبوبة سياسة وانفصال عن الواقع غير مسبوقين .
نعم جنين وكتيبة جنين ومعها كل كتائب وفصائل المقاومة والحاضنة الشعبية ومعها كل جماهير واحرار شعبنا على طول وعرض ومساحات الوطن انتصرت على هذا العدوان وأفشلت كل مخططات تركيع جنين ومخيمها وم ق اوم ت ها ...والكيان اعاد انتاح فشل استعادته لقوة الردع على نحو اشمل واسع،وجنين ومخيمها ستنتج معادلة ردعها، كما انتجتها غزة مجتمعة بفصائلها ،وحركة الجهاد الإسلامي منفردة ...جنين ومخيمها توجه الرسالة لكل المهزومين والمتخاذلين، بأن من يمتلك الإرادة والتحدي قادر ان يصنع صموداً ونصراً ...دولة الكيان في قادم الأيام ستعمل وفق نظريتي "أعمال أمنية خلف الخطوط ،وأيام قتالية على الخطوط لتعويض الفشل في الظروف الإقليمية والداخلية المجافية ،وعلى كل محور المقاومة ان يمنعها من تحقيق اهدافها ...وحتماً،هي ستختار الساحات التي ستتحرش بها ،والضفة بمدنها وغزة وربما لبنان ستكون ساحة لعمليات التحرش تلك،ولكن يبدو بان عصر انتصاراتها السريعة ونقل المعركة الى ارض " العدو" قد ولى،وهي تدخل مرحلة الهزائم والتهديد الوجودي.
فلسطين - القدس المختلة