كتب الأستاذ حسن علي طٰه:
مقالات
كتب الأستاذ حسن علي طٰه: "إشكاليَّةُ الثورةِ والدولة".
9 تموز 2023 , 21:31 م


الثورة،الانتفاضة،المقاومة أسماءٌ ومصطحاتٌ تعدّدتْ والهدفُ واحد، والغايةُ واحدة: تغييرُ واقعِ الحالِ إلى حال ٍ أفضل .

عادةً، تقوم الثورات، وأخواتها من المسميات، ضِدَّ مُحتلٍّ غاشمٍ أو طاغيةٍ حاكم.

ومع أوَّل ِ كلمةٍ وأوَّلِ حجرٍ أو أوّل طلقة، يتوجّبُ على قادة الثورة وضع أهدافها من ألفها حتى يائها.

فمن الظلم لابل من الخيانة لأبناءِ الثورة المضحينَ عدمُ تحديدِ كامل ِ الأهداف، التي وإن لم تُكتبْ وتُوَثَّقْ، في مرحلة الثورة الأولى إلّا أنَّها تكون حاضرةً في عقل ِ ووُجدانِ كلِّ مَنْ آمَنَ وانضوى تحت لوائها.

ومن أكثر الثورات فشلاً هي تلك التي عملت على إسقاط حاكمٍ أو اقتلاع محتل، وعندما تحقق هذا الهدف تقفُ عاجزةً عن تقديم البدائل عن حكم الطاغية أو المحتل لجماهيرها.

ولعلَّ إشكاليةهذه الثوراتِ والمقاومات؛ أنّهالم تسألْ، أو لم تعرف: هل الثورة هي هدفٌ، بحدِّ ذاتِها، أو هي وسيلةٌ، لتحقيق الأهدافِ النبيلةِ، لبناءِ المُجتمع الذي يطمح إليه الشعبُ، لتعزيزِ قيمةِ الإنسان فيه.

هذه الثوراتُ الفاشلةُ التي تُظهِرُ نفسَها وكأنها لاتعرف إلّا لغةَ الحرب ومفرداتِها، تظهرُ،وكأنَّهامتعهدةُ ثوراتٍ وانتفاضات.

ومن أوجه الثورات الفاشلة أيضا تلك التي تتبنى الخيارالأسوأ في حال تَحقَّقَ أوَّلُ غَيْثِ الثورةِ، وسقطَ النظامُ أو الطاغية، فتراها، ومن بين خيارات ثلاثة لارابع لها،تختار الخيار الأسوأ على الإطلاق:

١_ تتولى الحكم، وهذا ما حصل في ثورة الضباط الاحرار في مصر، وثورة الامام الخميني في ايران و....

٢_ تتحكّمُ بمن يحكُم.

٣_ المشاركة في الحكم المنقلب عليه؛ وهذا هو الخيار الأسوأ والأكثرُ فشلاً، لابل الأكثرُ خيانةً، لما فيه من ضَياع تضحيات جيشٍ منَ الشُّهداءِ ونهر من الدماء، كما أنّهُ الأكثرُ تضييعاً للثّقة، ولآمالٍ قد لا تُستعادُ لعشرات، أو مئاتِ السنينَ، لِتُصبِحَ هذه الثورة،مُستقبلاً طعناً في وُجدان ِ كُلِّ مَنْ يفكرُ بتغييرِ واقعِه، كقدوةٍ ونموذجٍ سيّئ الذكر على قاعدة:"ما متت، ما شفت من عمل ثورةوباعهابالخبل والغباء؟".

يقول الإمام المُغيَّبُ السيِّد موسى الصدر، رحمه الله:

أنتم يا أبناءَ الثوّارِ مثلَ موج ِ البحر ،متى وقفتم انتهيتم.

الثوارُ الذين لا يعرفون كيف يُجَدِّدونَ خطابَهم، تراهم يُكَرِّرونَ خطابَ مَنْ ثاروا عليه، وبدلَ تحقيق ِ دولةِ العدل ِ كجزء وهدف طبيعي للثورة، تراهم همدوا، وحالِهم كحالِ من نزلَ عن ِالتَّلِّ في معركةِأُحُد لِيَنالوانصيبَهم من الغنائم، فخسروا المعركة فخسروا الدنيا والآخرة.

ويقول السيد عباس الموسوي(رض): " يبقى حُلمِي الوحيدُ أنْ تتحقق العدالةُ ويَنْعَمَ الجميعُ بدولةِ الإنسان ِ الكريمة".

والسيد عباس، كقائدِ مقاومة، عرف أنَّ معادلة العبور إلى دولةِ الإنسان ِيكون ب: تحرير الأرض، وزوال الاحتلال يساوي بناء دولة العدالة لتحريرِ الإنسان

ومن نماذج فشل الثورات أنَّ قادةَالثورة،وعندَةتحقيق الأهداف،والتي غالباً ما تكون إنجازات، تأخذهم العزة، ويختل توازنهم حتى يُخَيَّلُ لهم انهم باتوا آلهة؛

فهم يشكِّلون حالة طبقية تبتعد عن الجماهيرويصبح لزوم هذه الحالة الطبقة والشأنية المريضة كلفة مادية،غالبامايتحول قادتها إلى طبقةٍ من التجار ورجال الأعمال، تتوارى خلف الأولاد والأزواج والأصهار.

وليس خافياً أنَّهُ متى دخلت الثروةُ على الثورةِ أفسدتها، وحوَّلَت قادةَ الثورةِ إلى طواغيتَ يقتاتُون، ويعتاشُون على دماءِ الشهداء.

....وتتبدلُ جماهيرُ الثورةِ لِتُصبِحَ مجموعةً من أصحابِ المصالحِ والمرتزقةِ تهتفُ بِاسمِ الثورةِ وربِّها، طالما كانت جيوبُىها عامرة.

ورُبّما تَجِدُ مَنْ يشاركُها خِفْيَةً، استحياءً من القادةِ في تلك المصالح، إلّا أنّ مظاهرَ الحياةِ الرّغيدةِ والبذخ ِ تبقى فاضحةً، لمن كان بالأمسِ القريبِ من ذوي الحاجةِ الدائمة .

ويبقى بعضُ الجماهير وَفِيّاً مُكابِراً على الواقع ِ الأليم، لا يُريدُ الِاعترافَ بِه، لأنّ في الِاعترافِ اغتيالاً لِسِنِيِّ عُمْرٍ أفناهُ في خدمةِ الثورة، وهزيمةً لكل ما آمَنَ بِهِ وَضَحّى من أجلِه؛ فتراهُ مُدافِعاًعن نشازٍ هُناوفسادٍ هناك، وحُجّّتُهُ أنَّ القائدَ لا يعلم، مُتغافِلا ً عن أنّ قائداً لا يعلم ...لاحاجة للنّاسِ به.

ثُمّ يسوقُ حجةً هي أوهى من الأولى، وهي أنَّ القائدَ لا يُريدُ اِنْقِساما، مُتجاهلاً أن القائدَ الذي يعلم ويسكت.. يسقط.

رحِمَ اللهُ الزّعيمَ الرّئيسَ جمال عبد الناصر، الذي تنحّى عن ِ الحُكم، بعدَ هزيمةِ عام ١٩٦٧، لقناعتِه بأنّ القائدَ الذي يرفعُ كأسَ النصرِ هوَ الّذي يجب أن يتجرَّعَ كأسَ الخيباتِ والفشل ِ والهزيمة.

ويبقى الرِّهانُ على قادةِ الصفِّ الثانِي في الثوراتِ لِتَجديدِ نهج ِ الثورةِ وخِطابِها،من أهمِّ الرِّهانات لأنَّهم حَلَقَةُ الوَصلِ بينَ الصَّفِّ الأوّلِ والجماهير،إلّا اذا أصابهم هم أُيضاً مرضُ الغنيمة، واكتفوا وارتشوا بما يُقدَّمُ لهم من الخِدْماتِ والمنافع، فيصمتون خوفا على فقْد مصالحهم، لا بل الأدهى أن يُمارسوا النفاق والتبخير، لقادة الصف الأوّل، لِنَيْل ِ كيسٍ مِنَ الدّراهم أو الفِضّة، ليكونَ الواحِدُ منهم كيوضاسَ، فيصبحُ قادةُ الصفِّ الثاني من شهود الزُّورِ على دفن ِ الثورةِ، أعني قادةً مع مرتبةِ القَرَف .

رحمَ الله ُ الشهداءَ، في كل بقاع ِ الأرض، الَّذينَ آمَنوا بقضايا أُممهِم، فأرخصوا أرواحهم... ولكن، لِيّحْيا الزعيمُ وأزلامُهُ والحاشية.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري