كتب الأستاذ حليم خاتون:
وحده حزب الله في لبنان ربما، تعاطى مع الجميع على أساس الحقوق في المغانم... فيما كان الآخرون، كل الآخرين، يرفضون لغيرهم ما يبيحون به لأنفسهم...
هي عادة عالمية قديمة تبيح للمنتصر النهب والسلب والاغتصاب، واستباحة الأخضر واليابس...
قد يكون حزب الله ذاق لحس الاصبع من جبنة الدولة في لبنان؛ لكنه آثر أن يرضي الآخرين بهذه الجبنة فكوّن من حوله مجموعة من الطفيليات هي أمراء الطوائف المعروفين جداً من قبل الجميع...
تجاهل البطرك الراعي، ومن خلفه جعجع وباسيل دعوات الحوار التي كان يطلقها الثنائي الشيعي؛ كل لهوى في نفسه...
لم يكن الثلاثة أغبياء...
هم عرفوا أن التسوية تحتاج إلى ثمن، ولم يكونوا على استعداد لدفع ذلك الثمن...
ظل الثنائي الشيعي يردد طلب الحوار، فيما كل الأطراف المقابلة ترد بلغة هي أقرب إلى درس حساب في الابتدائي...
أخيراً، خرج نائب القوات فادي كرم يبق البحصة ويقول إن الرئيس بري لا يريد بحث قضية الرئاسة بقدر ما هو يريد تغيير تركيبة النظام...
صح النوم...
خرج الرئيس بري من جهته يقسم أغلظ الايمان أنه يقدس الطائف وان المجانين فقط هم من يريدون اللعب بهذا الاتفاق...
لكن ما قبل خراب البصرة ليس كما بعد هذا الخراب...
الرئيس بري نفسه يعرف أن اتفاق الطائف غير قابل للتطبيق وإلا فما الذي حال دون ذلك التطبيق طيلة ثلاثة عقود...
يستطيع النائب فادي كرم الصراخ برفض اللعب بتركيبة السلطة كما يشاء...
يستطيع الادعاء بقدسية الطائف...
لكن فادي كرم ليس سوى أحد أبواق القوات التي تعرف جيداً أن لا القوات ولا التيار ولا حتى البطريرك يريدون تطبيق الطائف...
كلما صرخ المسلمون يطالبون بالدولة المدنية، يصطدمون بمنطق مسيحي يقول إنه يجب الذهاب بهذه المدنية إلى الآخر... أي تطبيق العلمانية بالكامل...
يجزع المسلمون ويخافون إلغاء قوانين الأحوال الشخصية في الزواج والطلاق والميراث... هم يريدون الحفاظ على القوانين الإسلامية وفق الشريعة الإسلامية...
المسيحيون أنفسهم لا يريدون العلمانية خوفاً من الذوبان، لكنهم يستعملونها شماعة لرفض تطبيق الطائف بالكامل...
الغريب أن الكثير من المسلمين يعيشون في لبنان وفق نظام أحوال شخصية مدني، ومنهم من يصر على أن يكون الميراث مدنياً... لكن حين يأتي الأمر إلى التصريح العلني، يرفضون ذلك...
عقد الزواج عند المسلمين كما أي عقد بين طرفين...
يمكن للزوجين نص أن تكون احكام الزواج والطلاق والميراث وفق النظام المدني الذي تتبناه الدولة اللبنانية...
لكن أن يصبح ذلك نظاما عاما في البلد، يرفض المسلمون والمسيحيون ذلك على حد سواء...
في مصر كانت تخرج المظاهرات تنادي بشعار: " الدين لله، والوطن للجميع"...
"عاش الهلال مع الصليب"، كان يصرخ الناس...
لا الشعار الاول تم احترامه، ولا الشعار الثاني...
القصة كل القصة هي في منع الوطن من أن يكون قالب حلوى او قرص جبنة...
من أجل ذلك يجب الخروج عن تقاليد تقاسم المغانم...
عندما يقبل حزب الله بهذا التقاسم حتى لو تعفف هو، ولم يغطس كثيرا كما الآخرون... هو يساهم من حيث لا يدري بمنع بناء الدولة وتدمير المقومات اللازمة لهذا البناء...
الرئيس بري يتحدث عن سلة متكاملة وليس مجرد رئيس...
حتى لو تذاكى الغرب واستطاع تمرير ضربة جزاء لصالح بري ميقاتي في حاكمية المصرف طالما أن وسيم منصوري مثله مثل كل السلطة المالية... هم جميعا في الجيب الأميركي... حتى لو... لن يقبل حزب الله بهذا...
ليست المسألة كما توهم البعض من أن الحزب يريد مصالحة التيار...
رفض حزب الله تمرير ضربة جزاء أميركية ينفذها ثنائي بري ميقاتي في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان له معنى واحد...
حزب الله مع بري وميقاتي ضد باسيل حينا، ومع باسيل ضد بري وميقاتي حينا آخر...
الأمر ببساطة تفاوض غير مباشر بين حزب الله وأميركا على تقاسم السلطة في لبنان...
كل الأحزاب الأخرى بما في ذلك امل والقوات ليسوا سوى بيادق يستعملها حزب الله حينا، أو الاميركيون حينا آخر...
ماذا يعني ذلك؟
ببساطة، اللاعبان الأساسيان، حزب الله وأميركا لا يلعبان وفق التقسيمات الطائفية العارية...
هما يقودان حربا خارج الدين وخارج الطائفة...
المعركة علمانية حتى لو كانت شخصيات الرئيس والحاكم وغيرها ذات طبيعة طائفية إلى حين...
المهم عند الحزب وعند الأميركيين الحفاظ على ستاتيكو إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا...
حليم خاتون



