الذكاء الصناعي والغباء الانساني
مقالات
الذكاء الصناعي والغباء الانساني
ميخائيل عوض
31 تموز 2023 , 18:41 م


بيروت؛٣١-٧-٢٠٢٣

ميخائيل عوض

لسنوات مضت، شنت حملة ترهيب للبشرية عاتية ومقصودة، مفادها ان الانسان صنع قاتله. وان الروبوت والذكاء الصناعي سيحكم العالم ويتحكم بالبشرية قاطبة، وان مليارات البشر سيصيرون فائض مستهلك وغير منتجين، وان مهن وقطاعات اقتصادية وفروع اقتصادية ستزول بكاملها وكل من ينتمي لها فمصيره العطالة والافقار والتسول.

يا للهول، ....

البشرية برمتها عاجلا او اجلا في خطر الافناء فقد صنعت حفاري قبرها...هذه مختصر الرسالة التهويلية واو الترويجية لبرامج الذكاء الصناعي...

وماذا بعد..

اطلقت مواقع الذكاء الاصطناعي وتبارى الصانعون بالحديث عن تفوق وجودة صناعتهم واهميتها العظيمة وخرج كبار سحرتهم يحذرون وينذرون ويطالبون بقوانين وضوابط وينشدون الحكومات والعالم والصانعين بالتاني ووقف ما بدأوه بعد جهد وتحضير لعشرات السنوات.

في الواقع المعاش، وبعد ان اطلقت منصات الذكاء الصناعي، وكسر الاحتكار فيها وسبقت الصين الاخرين، بدا يخفت التهويل والترهيب، ثم جرب المواقع الكثيرون من المنبهرين والمختبرين والحشريين، فجاءت النتائج المحققة، تقليدية وعادية جدا. انه تطور تقني منطقي وواقعي فقد بدأت بذوره في الثورة التقنية الرابعة اي منذ تم تصنيع الالة الحاسبة، تحت ضغط الحاجة وبعد اختبارات وفشل وتجربة مديدة وليس الا...

والحقيقة المعاشة؛ ان الذكاء الصناعي ومنتجاته وادواته هي ليست الا حمار يحمل ما يحمله البشر.

الكمبيوتر حمار؛ توصيف سمعته من خبير منذ عقود عندما رغبت بان اعرف الكمبيوتر واتعلم استخدامه والافادة من برامجه فأول عبارة قالها المدرب؛ اعرف مع من تتعامل انه حمار يحمل ما تحمله انت وليس مسؤولا عما تطلبه منه ولن يغير طبيعته وسيعجز عما تعجز عنه، ولا تفكر لحظة انه سيجيبك بغير ما اعطيته.

اذن؛

الذكاء الصناعي، والحرب عليه من الغباء الانساني امر ليس بجديد البته ولا هو منتج عصري ولا ابن ساعته.

فالصراع بين الانسان ومنتجاته وصراعه مع الطبيعية لإخضاعها لخيره وهي سر الحياة واس التطور والارتقاء ودافعه الاوحد بما في ذلك صراع الانسان مع الانسان بصفته منتج طبيعي ومن الطبيعة.

بدا هذا الصراع وتنوع منذ تحول الانسان من عالم الحيوان الى الانسنة، فبدا الناس يتصارعون واخ اديقتل اخاه " هابيل وقابيل" وتعلم من الطيور كيف يدفنه، ثم اشتعل صراع مرير كالذي نعيشه في القرن الواحد والعشرين بين البشر والحيوانات، وعندما نجح انسان بتدجين الحيوانات قامت قيامة من كان يقوم بالأعمال التي بات الحيوان المدجن يقوم بها، وكذا اشتعلت الحرب عندما اخترع المحراث والتهبت الحرب مع اختراع العجلة وعندما استخدمت الالة البخارية، وعلى ذات النسق واشد من الجاري انفجر الصراع والترهيب من الربوت في القرن التاسع عشر وتبارى الفلاسفة والمنظرون وخبراء تلك الأزمنة بالحديث عن خطر الروبوت على فرص العمل وكيف ان الانسان اخترع من يحل محله ويحرمه من فرصته وتعويضاته، وينتقص من قيمته، وقام العمال في احتجاجاتهم العفوية وقبل ان يكتسبوا الوعي ويتملكوا نظريات وقوى التغير في الصراع الطبقي على ظروف العمل وتسلط اصحاب المعامل بتدمير الآلات نفسها.

وسارت الايام وزادت الاختراعات وبلغت البشرية حقبة الثورة التقنية الرابعة والشبكات والذكاء الاصطناعي ولم تنتهي البشرية ولا مات الناس جوعا ولا حلت الالة الجهنمية المدمرة محل الانسان ولا ادت الا فقدان فرص العمل ونفي اسباب العيش، ولم تزول وظيفة الانسان في الانتاج ولم تزول المهن كلها ولا انهارت فروع الاقتصاد، فكلما زاد الاعتماد على العلم ومنتجاته والالة الذكية والربوت والنت و ال ٥ جي، زاد الطلب على العمالة في بلدانها المتقدمة. اسألوا المانيا كم تحتاج الى يد عاملة واليابان والاخريات.

الذكاء الصناعي منتح بشري، والاته تحت سيطرت البشر، وهو منتج عصري ومنطقي في سياق تطور البشرية وحياتها وارتقاء قدرات الانسان الهائلة، فيسعيه لتطويع الطبيعة وفهم قوانينها وتصنيع المنتجات التي توفر له الحاجات المادية والروحية دائم ويدوم....

هذه امور بدأت من لحظة الخلق ووجود الانسان على هذا الكوكب وكذا الترهيب والتخويف من الاتي ومن الغد ومن خطر ما صنع، والامر لا يقتصر على الالة فقط بل ايضا على اكتشافاته وصناعات. .. فاكتشاف البارود والذرة والانشطار النووي والادوية وووو كلها اثارت ومازالت تثير الريبة والرهبة والخوف من الاتي، فالبارود والنووي والسلاح الناري والكهرباء والنت منتجات مزدوجة الاستخدام للخير وللشر كالسكين والفاس والعربة وكالشجرة والنبتة وككل شيء في هذه الحياة والطبيعة حتى الانسان ذاته مزدوج الاستخدام فيمكن ان يكون لصا ونصابا وجرما قاتلا، ويمكن ان يكون عاقلا ومصلحا ورسولا وممكن ان يكون منتجا وقد يكون مستهلكا وفائضا عبئا على الاخرين.... فلماذا كل هذا الغباء الانساني بمقابل الذكاء الصناعي ...؟؟؟

هكذا حسمت قصة الحياة البشرية منذ الخلق ووجود الانسان حقائقها ودروسها؛

الانسان كائن اجتماعي عاقل يبحث عن تحقيق غاياته لتلبية حاجاته المادية والروحية وينشد الارتقاء.

يلبي حاجاته بالصراع مع الطبية اولا ومع الانسان الاخر وكلما حقق غاية ينشد الافضل والارقى وترتقي الحياة البشرية في لولبية صاعدة.

وفي صراع الانسان مع منتجاته يستهلكها ويطورها ويرتقي عقله ومحاكماته وتتوفر له عناصر وادوات لاكتشاف المزيد من عناصر والقوى الكامنة في الطبيعة فيخضعها ويصبح اقدر على الارتقاء، ومع كل جديد من نتاجاته ترتقي قدراته وحاجاته ومطالبه، فيدخل في دورة جديدة من الاكتشافات والانتاجات الارقى، وقررت قصة الحياة ان البقاء للأفضل بالاصطفاء الطبيعي اولا ومن ثم بالاصطفاء الواع، فمن يعاصر الانتاجات وجديدها ويسعى الى الافضل والى المستقبل ويجد ويجتهد في مواكبة عصره يكتب له البقاء والارتقاء ومن يعيش حاضره وينشد ماضيه فيحكم على نفسه بالتراجع والتخلف والفناء.

فالحداد والنجار والبناء والفلاح والطبيب والباحث والفيلسوف ومنها ابسط المهن التي اجادها الانسان كان يعتمد على قوة عضلاته وقدرات جسمه على التحمل ثم جاءت الالة فلم تنتفي المهن انما تطورت وارتقت وزاد انتاجها كما ونوعا واستمر المهنيون فيها الذين تعلموا وارتقوا وعاصروا التطور والمنتجات وتعلموا تفعيل العقل والاعتماد على قوته والتفاعل مع الالة والمنتجات العصرية والتقنية وليس على قوة العضلات العمياء، وهكذا سارت الامور في المهن وقطاعات الاقتصاد وفروعه، وولدت وطورت الحضارة نفسها ومستويات الانتاج ونوعياتها فروعا اضافية حتى بلغت البشرية ومن عقود ما سمي باقتصاد المعرفة اي اقتصاد العقل فالإنسان هو اثمن رأسمال واقتصاد العقل لم يلغي الاقتصاد التقليدي بل اكد اهميته القصوى والاشتغال بالعالم الافتراضي حقق لكثير للإنسان الا انه ظل بحاجة ماسة لاقتصاد وللواقع المعاش وليس ولن يعيش الانسان وترتقي البشرية ولتطور عبر الاقتصاد والعالم الافتراضي بل العالم الافتراضي بات يلامس العالم الواقعي.

الذكاء الصناعي ايجابي ونتاج عصرية وسيسهم بدفع الحياة البشرية اشواطا هائلة وثورية في تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة وتطويعها وتامين حاجاته المادية والروحية وسيغير في الافكار ومنهجيات عمل العقول، والمعتقدات والهويات وانماط العيش وسيعيد تشكيل الهويات الجمعية ويعظم من امر الانسان وقدراته وتوفر حاجاته وتحقيق رغباته.

الغباء الانساني بالتعامل مع الذكاء الصناعي امر قديم قدم الحياة البشرية وكذلك الذكاء الانساني في ابتداع وتطوير الذكاء الصناعي، والغباء الانساني سيبقى ويستمر في التعامل مع الانسان ومع نتاجاته ومنه الذكاء الصناعي.

الانسان هو الاصل وهو اثمن رأسمال 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري