كتب الأستاذ حليم خاتون: تفجير المرفأ، في أي حساب يكون؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: تفجير المرفأ، في أي حساب يكون؟
حليم خاتون
3 آب 2023 , 23:56 م

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

بين الواقعية السياسية والعقلانية والاعتدال والزمن أو المكان المناسب وغيرها من المفردات المشابهة من جهة، وبين ثورة الغضب، والصراخ والمطالبات الجذرية وما لها من مفردات مشابهة لها أيضاً من جهة أخرى، أكثر من تداخل...

ليس بالضرورة أن كل من أظهر بعض العقلانية أو الاعتدال هو حكماً من الرجعية ومن معسكر الاستسلام وإن كانت تلك "العقلانية" أو ذلك "الاعتدال" من أبرز سمات أهل الاستسلام...

تماماً كما أن الشعارات الثورية وثورات الغضب ليست محصورة بالضرورة بالوطنيين أو الثوريين... حتى الانتهازيين والممثلين الفاشلين لدور الوطنية قادرون على هذا الفعل...

كما سبق القول، هناك تداخل كبير بين المجموعتين يجعل من الزنديق قديسا، والعكس صحيح أيضاً؛ طبعا مع وجود القديسين دوماً، وكذلك الزنادقة...

من يشك في هذه التصنيفات عليه الاستماع الى مقدمة "أبن عبود" في تلفزيون لبنان في مرثية عن تفجير المرفأ أين منها مرثيات شعراء العرب في الجاهلية...

من يصر على الشك في هذا التصنيف، ما عليه إلا الاستماع الى عبقرية ضيف وليد عبود جورج عقيص نائب القوات التي دفنت النفايات السامة في حالات وعيون السيمان أواخر الحرب الأهلية...

الرجلان يقرأن علينا مزامير داوود من نفس الكتاب الذي يحمل زورا اسم الجمهورية القوية عن وجوب المحاسبة، ومنع الإفلات من العقاب...

الرجلان نفساهما يمثلان قاتلاً ارتكب المجازر ولم يخرج من السجن إلا بعفو فرضه نجاح المشروع الإسرائيلي في اغتيال رفيق الحريري، ثم يتحدثان عن الإفلات من العقاب...

إلى أين يريد الاستاذ وليد عبود الوصول؟

كذلك الأمر مع النائب جورج عقيص؟

إلى أين؟

(بالاذن من وليد جنبلاط)

آخر استنتاجات أحد الناشطين من عوائل الضحايا، وليم نون هو أن التفجير حصل بصاروخ إسرائيلي...

هذا ما قالته أيضاً السيدة كيوان مع الاستاذ سامي كليب على الجديد...

تقول انها وجيرانها سمعوا أصوات طائرات، ثم صوت صاروخ اطلق وتسبب بالتفجير...

لا انا ادعي الخبرة العسكرية، ولا السيدة كيوان...

أما الأستاذ جدرا، فقد كان حاسما حين نقل عن أحد الخبراء أن التفجير حصل بعد نصف ساعة من اندلاع حريق العنبر، نافيا بالتالي وجود الصاروخ أو حتى الطائرات...

لكن ما الذي يمنع أن تكون إسرائيل هي وراء الحريق الذي اندلع وليس نتيجة عملية لحام الشقوق في ذلك العنبر...

بل ما الذي يمنع اسرائيل من استغلال ذلك الحريق على فرض أنه حصل فعلاً نتيجة اللحام وقامت بإرسال طائرة لتنفيذ مهمة قد لا تحدث إذا ما استطاع رجال الاطفاء إخماد الحريق فعلاً... خلال نصف ساعة، يمكن اتخاذ قرار وإرسال طائرة...

تساؤلات كثيرة، واحتمالات أكثر...

لن يستطيع أحد إثبات أي شيء لسبب بسيط هو أن رجال ال FBI الأميركيون، والخبراء الفرنسيون الذين سارعوا في المجيء إلى المرفأ لن يتركوا إثباتا واحداً قد يشير بإصبع الاتهام إلى اسرائيل...

حتى الرئيس الأميركي ترامب عاد وابتلع لسانه بعد أن كان قرأ على قصاصة ورق جاءته أثناء إلقاء كلمة حين قال حرفيا،:

"لقد أبلغت للتو أن مرفأ بيروت تعرض لهجوم"...

باختصار ليس مهم ايجاد إثبات تفجير أو انفجار المرفأ، بقدر ما المهم ماذا نحن فاعلون...

وليد عبود وجورج عقيص ووليم نون وكل من يدور في فلك هؤلاء يحمل شعار إسقاط ونزع سلاح المقاومة رغم أنه السلاح الوحيد القادر على منع اسرائيل من الإفلات من العقاب...

المقاومة نفسها، تفضل أن لا تظهر أية دلائل على تورط اسرائيل لأنها سوف تضطر إلى زيادة ما حدث إلى الحساب المفتوح مع اسرائيل، وهو الحساب الذي لا يعرف إلا الله وحده متى سوف يسدد...

اغتالت اسرائيل الشهيد السيد عباس الموسوي، ولم يكن الرد بالمستوى المطلوب...

ربما لم تكن المقاومة يومها على هذا القدر من القوة...

لكن مع اغتيال الشهيد عماد مغنية كانت موازين القوى فعلا في صالح المقاومة التي اكتفت بإرسال فاتورة الحساب إلى دفتر الديون الهالكة في الحساب المفتوح...

حتى إيران اكتفت بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني بإرسال فاتورة هي الأخرى إلى نفس دفتر الديون الهالكة...

يوما يتم إطلاق عنوان الحساب المفتوح على هذا الدفتر، ويوماً آخر يصبح عنوان الدفتر اخراج القوات الأميركية من غرب آسيا...

حتى اليوم لم تقم عملية ذات شأن ضد الوجود الأميركي في الشرق السوري رغم كل العدائية التي يظهرها هؤلاء ورغم أن الأميركيين يحتلون تلك الحدود لمنع المقاومة من الاستناد الى ظهر قوي...

سوف تكثر التحليلات في اليومين القادمين...

ربما لن تظهر الحقيقة لا الآن، ولا بعد خمسين سنة عند نشر الأرشيف...

لكن حتى لو لم تكن اسرائيل هي الفاعل المباشر ذاتياً ، يظل من الواجب محاسبة هذا الكيان لأنها تتحمل المسؤولية موضوعيا لمجرد أنها وجدت في المنطقة غصباً عن كل اماني أهل هذه المنطقة...

نحن في الحقيقة نعاني من يمين عميل موضوعيا على الأقل لأنه حتى حين يتهم اسرائيل تكون أهدافه عقد صفقة معها ضد المقاومة

هو اليمين الذي لا ينفي طوقه إلى التطبيع والسلام مع هذا المحتل...

من جهة أخرى، نجد أنفسنا أمام مقاومة كلما تقدمت خطوة إلى الأمام تعود وترجع خطوة أو حتى خطوتين إلى الوراء...

نحن أمام مقاومة تصرح ليل نهار أن نهاية إسرائيل حتمية، لكن حين تحين الفرصة لإنهاء هذا الوجود تنكفئ وتتلعثم...

في أوكرانيا، تتراجع أسهم إمكانية انتصار الجيش الروسي لأن الرئيس بوتين لا يزال يعول على تفهم أميركي غربي واعتراف بدور روسي في العالم الجديد المتعدد الأقطاب...

كان يمكن لروسيا الانتصار في أوكرانيا منذ الهجوم الأول...

كان يجب استعمال كامل القوة الروسية ضد أوكرانيا والاستناد الى الزر النووي لردع أي محاولة من الآخرين للتحرش بروسيا...

على الاقل، هذا ما كان يردده فيلسوف النظرية الأوراسية، الكسندر دوغين...

الجنرالات الذين دمروا غروزني على رؤوس ساكنيها لمنع انفصال جمهورية الشيشان عن روسيا، ونجحوا بذلك، أرادوا تكرار الأمر في أوكرانيا...

تمرد بريغوجين كان يهدف إلى ذلك تحديداً...

قد لا يريد الروس تدمير كييف أو استعمال التكتيكي النووي هناك لما تمثله هذه المدينة في وجدان العنصر السلافي، خاصة وان هذه المدينة كانت عاصمة روسيا لردح طويل من الزمن...

لكن قصف وتدمير مدينة لفوف على الحدود البولونية جدير بارسال رسالة حاسمة الى حلف الأطلسي أن روسيا جادة في كسب الحرب...

لكن ما العمل...؟

ما يمثله بوتين في الحرب الاوكرانية من تردد مقيت هو بالضبط ما تمثله القيادة الحالية لحركات المقاومة في منطقتنا، إن كان في غزة، أو حتى خارج غزة من تلكوء مقيت هو أيضاً...

في مقابلته على الجديد مع السيدة سمر أبو خليل، لم يتوان الدكتور حسن مقلد في تحميل فريق الممانعة المسؤولية بما حصل وما يحصل في الوضع الاقتصادي بسبب التردد وعدم الحزم في أمور كان لا بد من الحزم فيها بدل البكاء على الاطلال كما الأطفال حتى وصلنا الى اليوم الذي يقال فيه لهذه المقاومة،

لا تبكوا "ملكا" ضاع، كما النساء، وأنتم لم تحافظوا عليه كما الرجال...

حليم خاتون

مجموعتي الصفات تلك إن دلت على شيء، فهي تدل أحياناً كثيرة على اللاعقلانية عند الثوريين الذين يلبسون ثوب الاعتدال، تماما كما أن كثرة الغضب الثوري لا يعني أن الكثير من العملاء هم ينطلقون فعلاً من مواقع وطنية ثورية...

سوف تكثر المقدمات اليوم وغداً وربما بعد الغد عن تفجير المرفأ، أين منها مقدمة ابن خلدون 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري