مذهبية الجهل وعقلانية المقاومة
مقالات
مذهبية الجهل وعقلانية المقاومة
زياد سمرين
7 أيلول 2023 , 17:53 م

زياد سمرين

هل سمعتم بسامي شهاب؟ اسمه الحقيقي "محمد يوسف منصور"، وهو أحد مقاومي حزب الرب وقائد المجموعة التي اعتقلتها سلطات مبارك في مصر في عام ٢٠٠٩ بتهمة نقل السلاح الى المقاومة الفلسطينية في غزة عبر مصر. كان هذا أحد مؤشرات المدى البعيد الذي ذهب فيه حزب الرب في دعمه للمقاومة الفلسطينية من جهة، والمدى البعيد الذي ذهبت فيه بعض الأنظمة العربية في حماية الكيان الصهيوني. لكن جهاز دعاية نظام مبارك الذي كان يعلم أن غالبية الشعب العربي في مصر كانت ستحمي سامي شهاب ورفاقه برموش العين لو علمت بحقيقة ما يقومون به، روجت أن هدف الخلية هو القيام بأعمال عدائية ضد مصر "السنية" نيابة عن إيران "الشيعية"، كما جاء حرفيا في تصريحات احمد أبو الغيط، وزير خارجية مبارك حينها.

جهاز دعاية مبارك كان ببساطة ينهل من ذخيرة المفردات الاستعمارية التقسيمية التي تصنف العرب والمسلمين كطوائف ومذاهب (شيعة وسنة ومسلمين ومسيحيين) وتخرجهم بالتالي من التاريخ. ليست هذه طبعا مجرد محاولة لخلط الأوراق، بل وأيضا محاولة لتمويه وتشويه طبيعة وحقيقة خطوط الصراع في المنطقة والعالم. فالتناقض الأساسي في المنطقة، وهو امتداد للتناقض الأساسي على مستوى العالم بين الشمال والجنوب، هو بين الكيان الصهيوني كمشروع غربي وأداة ضاربة متقدمة للمشروع الإمبريالي الغربي في بلادنا، وكل سكان المنطقة من عرب ومسلمين، ومحورها استعمار فلسطين. فالإمبريالية الغربية التي تستهدف العرب أساسا عبر الدعم غير المحدود للكيان، تستهدف أيضا باقي شعوب المنطقة ما يجعل قضية فلسطين تحديدا نقطة تقاطع أساسية ومحورية بين كل المشاريع التحررية والاستقلالية الحقيقية في المنطقة. هنا بالضبط يمكن فهم التقاطع بين المشروع الإيراني الاستقلالي والقضية العربية المركزية في فلسطين. صحيح أنه قد يكون لدى الإيرانيين دوافعهم الأخرى كالعقيدة والتشارك في الدين مع العرب، ولكن الكيان الصهيوني يعادي إيران كامتداد للعداء الغربي والامبريالي لأي مشروع استقلالي، ولا يعاديهم لأنهم شيعة، كما لا يعادي بعض العرب لأنهم سنة.

لكن محاولة الخلط وتمويه حقيقة التناقض الأساسي في المنطقة لا يخدم إلا الكيان الصهيوني ومشروع استعمار فلسطين. لهذا بالضبط كانت الفتنة المذهبية والطائفية مشروع غربي وصهيوني بامتياز، ويتم استعادتها ومحاولة تسعيرها كلما اقتضت الحاجة، كما رأينا في العراق وسورية ولبنان – العودة الأميركية الصهيونية القوية مؤخرا للمشهد السوري وتشديد الحصار على الدولة السورية والشعب العربي السوري ترافقت (بمحض الصدفة) مع عودة داعش للمشهد أيضا وعلى قرب من القواعد الأميركية (أيضا بالصدفة).

الغريب أن الحملة الأميركية الإسرائيلية والرجعية العربية على حزب ال رب تحديدا لا زالت تجد لها صدى في بعض الحلقات العربية، ومؤخرا تجد لها أصوات في بعض حلقات اليسار المزور. فحزب الله لم يقاتل الكيان الصهيوني فقط منذ ١٩٨٢ وحقق انتصارات غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، لدرجة أنه يشكل حسب مراكز الأبحاث الصهيونية الخطر الأهم على الكيان. لكن حزب الرب أيضا هو الداعم الأساسي للمقاومة الفلسطينية وهو ما يؤجج من عداء الكيان ورعاته له أكثر من أي وقت مضى ويدفعهم لمحاربته. هذه الحقيقة هي في خلفية الحملات المستمرة التي ترعاها اميركا والكيان الصهيوني على المقاومة اللبنانية، ويتصدرها بقوة إعلام أنظمة الخليج، وخصوصا السعودي والقطري، كونهم حلفاء موضوعيين للكيان وأدوات عربية للمشروع الأميركي في المنطقة. هكذا يمكن أن نفهم لماذا تعادي السعودية والامارات وقطر وأنظمة عربية أخرى حزب الرب ومقاومته. ليس لأن حزب الرب شيعي الهوية المذهبية وهذا لا علاقة له بالتناقض الأساسي في المنطقة، كما يدعون لدغدغة غرائز الأغبياء ومشاريع العملاء، بل لمقاومته للكيان الغاصب ودعمه للمقاومة الفلسطينية.

السؤال الذي يتوجب طرحه هو: لماذا يقف بعض مدعي اليسارية من العرب الذين ارتفعت أصواتهم بشدة مؤخرا، وبحجج واهية وسخيفة طابعها مذهبي وقح في أغلب الأحيان (إذا افترضنا حسن النية) في الخندق الصهيوني والأميركي والرجعي العربي. لماذا لا يكتبون ولا ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي سوى ضد حزب الله وايران – ما الفرق بينك وبين نظام مبارك الذي اعتقل البطل سامي شهاب أيها اليساري المزور؟ لكن، وحين تجد نفسك في خندق العدو في قضية أساسية تتعلق بالتحدي الأهم الذي يواجه الكيان، وتتبنى نفس المواقف من ألد أعدائه، ولا تبدأ بمراجعة ذاتية فأنت إما غبي (في أفضل الأحوال)، أو أنك تدرك ماذا تفعل، وبالتالي وقعت في المحظور عن سابق إصرار. فحين تنظر الى الصراعات الدائرة في وعلى العالم، وفي وعلى المنطقة العربية، وفي وعلى فلسطين تحديدا وتستنج أن صراعك الأساسي هو مع فئة من شعبك أو امتك، وحين لا تخلو تعليقاتك ونصوصك على وسائل التواصل الاجتماعي من مصطلحات سنة وشيعة بحجج واهية لا تنطلي على أحد، فأنت اخترت أن تكون في خندق العدو.

الموضة الجديدة القديمة لهذه الأصوات هي استخدام العروبة ووضعها كنقيض للمقاومة والحليف الإيراني الذي يدعم المقاومة الفلسطينية (باعتراف قادة المقاومة أنفسهم) لن تخدع إلا الأغبياء. هذه ليست أكثر من محاولة لإعادة اختراع العجلة البالية التي استخدمها الأعداء سابقا. فالسعودية، التي لا يكتبون عنها مطلقا، استخدمت الإسلام ضد عروبة عبدالناصر، ثم استخدمت العروبة المزورة ضد المقاومة وحلفاء المقاومة الإقليميين بعد الثورة الايرانية. لكن هذه العروبة التي يدافعون عنها ليست أكثر من كيان خرافي غير موجود إلا في خطابهم المريض وعقولهم المريضة لمحاربة المقاومة (حتى ما يسمى المسار البديل الذي نجح في عدة سنين في تنظيم مسيرة في مدريد، لا يكل عن الحديث عن مقاومة عربية كطريقة للتشكيك بعلاقة المقاومة بايران).

حين تقرأ لكل هؤلاء تفترض ان هناك كيان عربي ومشروع عروبي حقيقي يتعرض لهجوم ساحق ليس من الكيان الصهيوني، بل من ايران وحزب الله. الحقيقة أن من يدرك فعلا وحقا حاجتنا الكبرى لمشروع عربي تحرري واستقلالي حقيقي جوهره الوحدة ولملمة صفوف الامة وليس تجزئتها الى سني وشيعي كما يريد الكيان، وعقد التحالفات استنادا الى التقاطع حول القضية المركزية للعرب في فلسطين، لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل بتحرير فلسطين، لا يمكنه إلا أن يرى أن المقاومة العربية فقط، وخصوصا في لبنان وفلسطين، هي النواة الوحيدة الممكنة التي يمكن الركون اليها للتأسيس لهذا المشروع العربي التحرري.

لكن، حين تنسى في أوج مشاركتك في الحملة الصهيونية الأميركية على المقاومة وحلفائها أن تذكر السلطة الفلسطينية العميلة ودورها ولو مرة واحدة، وتتجاهل الدور الأساسي للسعودية وقطر والامارات وغيرهم من الأنظمة العربية وحلفهم العلني مع الكيان الصهيوني (بل وتردد كالببغاء خطابهم المزور عن عروبة تهددها إيران وحزب الله وليس الكيان الصهيوني)، وخصوصا إن كنت تستخدم أسماء مزورة لنشر مثل هذه السموم فإنك لا تفضح إلا نفسك. فمن يعرف ويدرك خطوط الصراع الأساسية في المنطقة والعالم يعرف أنه حين يتم استخدام أصوات نشاز من الشيعة تهاجم السنة أو من السنة تهاجم الشيعة، فإن من خلفها في أفضل الأحوال غبي لا يعرف إلا خطاب الغرائز لا العقل. وخطاب الغرائز هو الخطاب الذي يراهن عليه العدو لضرب خطاب المقاومة وهو خطاب العقل الوحيد في المنطقة . 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري