كتب الأستاذ إيهاب شوقي
لاشك ان الاضطرابات في سوريا، والتي تبدو مصنوعة وموجهة رغم انها طبيعية إذا ما وضعت في ميزان التجارب التاريخية، حيث الاقتتال بين المعسكرات غير المتجانسة حتى التي تعمل لدى مشغل امريكي واحد، تمثل خطرا سياسيا ربما يفوق الخطر الأمني في سوريا.
والخطر السياسي هنا هو حرف بوصلة الصراع في سوريا وتصويره على أنه صراع عربي كردي، وربما الحذر من الوقوع في هذا الفخ هو ما يجعل الدولة السورية والجيش العربي مقيدا ومحتاطا وحذرا في التدخل في هذه المعارك في الوقت الراهن.
قسد والتي عينت مجلسا تابعا لها في دير الزور تبدو غير مطمئنة لسيطرتها بسبب الحساسيات العرقية مع العشائر، وكذلك تبدو غير واثقة من مظلة الحماية الأمريكية والتي تراعي التوازنات مع تركيا المعادية لقسد من جهة، وتراهن أيضا وفقا لتقارير ميدانية عديدة على بعض ضعاف النفوس في العشائر لاستخدامهم في مواجهة المقاومة نظرا لحساسيات وحسابات معقدة لدى قسد من مواجهة المقاومة.
والعشائر رغم تجانسها عرقيا، إلا أنها غير متجانسة سياسيا، فالبعض يفضل التعاطي مع أمريكا تصورا أنه الخيار الآمن، والبعض يريد الانفراد بالسيطرة دون الخضوع لقسد، والبعض يوالي الدولة السورية وينحاز للدولة وللمقاومة.
أما تركيا فهي على استعداد للتعاون مع كل عدو ومحارب لقسد حتى بداية من "داعش" ووصولا إلى الدولة السورية لو لزم الأمر!
أمريكا لها مصلحة في الاضطرابات والفوضى، وكذلك لها مصلحة في لعبتها العرقية المفضلة، حيث تقتات على الفتن العرقية والطائفية لاستمالة الاطراف المتعددة لصالحها طلبا للحماية والاستقواء، كما أنها تريد سوريا ساحة للاضطرابات والفتن بدلا من الوحدة على هدف التحرير من الاحتلال الأمريكي.
في مناخ معقد كهذا، لا ينبغي التسرع في تحليل الأحداث أو اعلان الانحياز الا لوحدة سوريا كدولة وطنية تضم جميع العرقيات والطوائف والانحياز لسياستها ورفض التدخل الخارجي الذي يرعي اي تنظيمات عابرة للدولة وخارجة عن سلطتها.
وفي الوقت الذي تقف به الدولة السورية والمقاومة موقفا متأنيا وحذرا، نجدها تتخذ مواقف حاسمة مع التكفيريين وقطع الطريق على أي محاولات لتغيير الخرائط وتخطي الخطوط الحمراء.
لا شك أن أمريكا تتعاطى كإمبراطورية ولا تريد تمددا إمبراطوريا لروسيا، وإن فازت روسيا في معركة أوكرانيا فإن هذا يتخطى الوجه القومي لروسيا والذي يبرر لها استعادة القرم والاقاليم الروسية في أوكرانيا، ويعطيها وجها إمبراطوريا بتمدد النفوذ للخارج في سوريا ومؤخرا في إفريقيا، وهو ما تريد أمريكا قطع الطريق عليه وهو سر من أسرار تشبثها بالتواجد في سوريا مضافا إلى قطع طريق تواصل محور المقاومة من إيران لسوريا عبر العراق والشرق السوري.
أمريكا تريد خلق مقايضة مع الروس إما وجه قومي قد يسمح بتسوية في أوكرانيا مع انتهاء الوجه الامبراطوري والحد من نفوذها في سوريا والمنطقة، وإما حرب على جميع الجبهات حتى ولو بشكل غير مباشر عبر دعم النظام الأوكراني والتنظيمات العميلة في سوريا لاستنزاف الروس وقطع الطريق على تحقيق نجاخات وانتصارات في إي جبهة.
قدر سوريا أنها ملتقى الصراعين الدولي والإقليمي، فهناك معركة عالمية بين روسيا وأمريكا تشهد احتكاكات لا تزال في مرحلة الحذر، إلا أنها تخطت الحدود الآمنة في سوريا وانتهكت معاهدات خفض التصعيد التي شكلت بدورها قواعد آمنة للاشتباك، وهو ما ينذر بمعادلات جديدة مفادها ارتفاع نذر الخطر وصواعق التفجير كلما تصاعدت المعركة في أوكرانيا.
حتى اللحظة لا تجرؤ أمريكا على المواجهة المباشرة، ولكن وحدة الشعب السوري على أرضية وطنية غير عرقية ولا طائفية في طرد الاحتلال الأمريكي، كفيل إما بتوريط أمريكا في المواجهة لتشتعل المعركة الكبرى التي أشار إليها السيد نصر الله، أو بخروج أمريكي وانسحاب على غرار ما حدث في أفغانستان وفيتنام، وتفاهم المكونات السورية مع الدولة على ارضية وطنية خالصة.
تبقى فصائل المقاومة بوصلتها واضحة وعينها على العدو الصهيوني والتكفيريين وجمهور المقاومة عليه اتباع هذا النهج دون انحراف أو اغترار بأي نزعات أخرى فتنوية تهدف لحرف مسار الصراع.