كتب خضر رسلان:
عندما توافق ايّ جهة سواء أكانت رسمية ام شعبية، او عندما يقبل الإنسان من تلقاء نفسه أن يصير تابعاً وخاضعاً وأسيراً لا يعير اهتماماً للاعتزاز بالنفس وللأنفة والحمية، بل يصير منساقاً لإرادة الآخرين دون تردّد فإنه يكون أمام احتمالات ثلاثة؛ إمّا عاشقاً متيماً سلبته العاطفة إرادة التمييز والقرار، أو ضعيفاً لا حول له ولا قوة فيجد أن لا مناص له من الانصياع والخضوع، والاحتمال الثالث ان يتحوّل تابعاً خانعاً لا يدري الى أين يسير به جهله…
ولعلّ هذا الخيار هو ما تبنّته ولا تزال الغالبية العظمى من الشخصيات اللبنانية سواء منها من يتبوّأ مسوؤلية رسمية أم حزبية وسواهم من المنظمات الأهلية ومن ينشطون في الشأن العام، ولو أراد ايّ موثق للأحداث أن يعطي أمثلة على ذلك لعجز قلمه عن الإفاضة في الكتابة لوفرة المواقف الخانعة والخاضعة أمام الجلاد الذي يتقن فنون السماحة والكياسة ويمارس أبشع القذارات والموبقات من حصار وقتل وتجويع ومشاريع توطين ودمج للنازحين.
ومثال على ذلك:
1 ـ الجلاد الأميركي: في الوقت الذي أعلنت فيه السفيرة الأميركية لدى بيروت دوروثي شيا، بحضور العديد من المسؤولين السياسيين والأمنيين عن مساعدات سوف تُعطى بموجب القانون الأميركي مئة دولار شهرياً لكلّ العناصر المستحقين من العسكريين اللبنانيين لمدة ستة أشهر بمبلغ إجمالي قدره 72 مليون دولار فإنّ الشعب اللبناني كما المسؤولين فيه يرون بأمّ العين من سنوات طويلة وبشكل مستدام السلوك الأميركي الممنهج ضدّ لبنان وانّ القانون الأميركي الذي أجاز دفع مئة دولار للمؤسسة العسكرية اللبنانية هو ذاته الذي أقرّ “قانون قيصر” والذي بموجبه أفقر ليس فقط الجيش اللبناني بل الشعب كله.
هذا القانون الأميركي نفسه الذي طلب توطين الفلسطينين حيث هم، ومنهم طبعاً القاطنون في لبنان، وهذا القانون نفسه الذي أجاز دعم أفراد المؤسسة العسكرية اللبنانية بمئة دولار وتلقاه الهائمون والمطبّلون بالترحيب والإشادة، هو نفسه الذي منع عبر سفارته وسفيرته شيا من تأمين الكهرباء والطاقة واستجرارها من مصر والأردن ومنع الهبات والمساعدات من بلاد الشرق، وهي إجراءات لو تمّ السير بها لاستغنى لبنان عن الاستدانة والاستكانة وحفظ مؤسسته العسكرية من قوانين العطاءات والمهانة إلا انّ المنقادين للجلاد لم يحركوا ساكناً بل جمدوا كأنّ على رؤوسهم الطير حرصاً على مصالحهم وجشعهم دون أيّ اكتراث لحصار وتجويع وقيصر وتوطين ونازحين وتدجين!
2 ـ الجلاد الأوروبي: خائنون… هكذا نعت إيمانويل ماكرون السياسيين اللبنانيين.
ليست القضية ما نطق به الرئيس الفرنسي، ولكن الطامة الكبرى أنهم يسمعون الإهانات من دولة رغم أنها مسؤولة عن الكثير من ابتلاءات الشعب اللبناني، وانها كغيرها من الدول ليست حريصة علينا لـ “سواد عيوننا” بل لرعاية مصالحها ومصالح من تتحالف معهم تاريخياً وفي مقدّمتهم الكيان الصهيوني، وهذا ما بدا واضحاً في القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي الذي يلعب الفرنسيون فيه دوراً أساسياً بإبقاء النازحين السوريين في لبنان والحثّ على دمجهم في المجتمع اللبناني وهو أمر بلا شكّ لا يعني سوى توطين مقنع، ذات بعد أمني قابل للاستثمار والتوظيف في مشاريع مشبوهة. ومع ذلك وعلى الرغم من حدوث هذا المتغيّر الخطير فإنهم استمعوا الى مسرحيات التخوين والتوبيخ والإهانة كأنه شيء لم يكن! وخلاصة ذلك انّ الكثيرين ممن يتصدّون للشأن العام لا مانع لديهم من استجداء جلاديهم والموافقة معهم والانصياع لأوامرهم حتى لو كان الأمر كلّ ما يمسّ الكيان اللبناني سواء كانت توطيناً او تدجيناً او حتى التنازل عن ثرواته ونفطه. كلّ ذلك مقابل أن لا تُمسّ مصالحهم…