الجغرافيا السياسية الفلسطينية نعمة ونقمة...
مقالات
الجغرافيا السياسية الفلسطينية نعمة ونقمة...
م. زياد ابو الرجا
4 تشرين الأول 2023 , 16:35 م


تشكل فلسطين تاريخيا حلقة الوصل بين مصر الافريقية وبلاد الشام الاسيوية.انها المقاربة المكانية والزمانية في الجغرافيا السياسية المتعلقة بوحدة الوطن العربي حيث مصر وما غربها من ليبيا الى المغرب، وبلاد الشام وما شرقها من ارض الرافدين وما بعدها.ان وعي الدول والقوى الاجنبية لاهمية واستراتيجية الجغرافيا السياسية لفلسطين جعلها مركز اهتمام هذه القوى.فلولا فلسطين لما استطاعت الجيوش الفارسية. من مهاجمة مصر الفرعونية قبل الميلاد .ولما تمكنت الجيوش العربية الاموية من احتلال مصر  والتمدد غربا حتى المغرب ولاحقا الاندلس.في الحملات الصليبية على المنطقة التي كان ظاهرها القدس لكن  واقع الحال والحقيقة التاريخية هي الجغرافيا السياسية لفلسطين التي تشكل حلقة الوصل وحجر العقد للسيطرة على كامل المنطقة.

من فلسطين عبرت الجيوش العثمانية واحتلت مصر بعد ان هزمت جيوش المماليك  في مرج دابق في سورية  وتمددت غربا حتى دان لها الشمال الافريقي وخضعت لها جزيرة العرب. تبقى فلسطين البؤرة والنواة الاولى للجغرافيا السياسية للوطن العربي .وهي العامل الثابت والراسخ الذي لا يتغير مهما تبدلت القوى العالمية التي تشكل العامل المتغير والتي لا تكف عن محاولات السيطرة والهيمنة  ، او القوى العربية الطامحة للوحدة والتحرر.ان المشروع الامبراطوري الاستعماري البريطاني للسيطرة على الاقليم مرة والى الابد هو الذي دفعها لاصدار وعد بلفور ورعايتها لقيام دولة الكيان الصهيوني وتامين الشرعية الدولية والسياسية له وتسليحه للعب دور القاعدة المتقدمة للابقاء على الوطن العربي منقسم سياسيا ومتخلف اقتصاديا.

منذ القدم وحتى الان ومستقبلا الجغرافيا السياسية الفلسطينية نعمة ونقمة في ذات الوقت .هي نعمة على العالم العربي والاسلامي اذا تحررت من الاحتلال والسيطرة الاستعمارية.فهذا يعني وحدتهما وتقدمهما .وهي نقمة عندما يحتلها المستعمر.لانها تشتت العالمين العربي والاسلامي سياسيا واقتصاديا وتنشب حروب بينهما على اسس عرقية ومذهبية. ان فشل المشاريع الهادفة لتحرير فلسطين تكمن في جوهرها بالانقسام السياسي والجغرافي والتخلف الاقتصادى والثقافي في الوطن العربي .وقيام كيانات عربية وظيفية تابعة للمركز الامبريالي.

تمكنت دولة الكيان ومن خلفها المركز الاستعماري من هزيمة العرب في حرب حزيران ١٩٦٧ وبعد ذلك هزمت الفصائل الفلسطينية التي برزت بعد هزيمة حزيران واعلنت الحرب الشعبية للتحرير.استطاعت دولة الكيان ان تنتزع من الفلسطينيين اعترافهم بدولة الكيان وسيطرتها على اكثر من ثمانين بالمائة من ارض فلسطين التاريخية باتفاق اوسلو.

في الضفة الغربية تقوم السلطة / الجيتو بادارة المدن والبلدات والقرى التي لا ترغب حكومة الكيان بادارتها، لان شغلها الشاغل تكثيف مشروع الاستيطان من اجل فرض واقع ديموغرافي يهودي تصبح فيه هذه المدن والبلدات بلا ارض خارج نطاقها حيث تشكل الاراضي الخاضعة للكيان اداريا وامنيا (( ج ))او

((C )) الاكبر مساحة . اما غزة وما ادراك ما غزة بعد ان اقامت حركة حماس سلطتها عليها وشكلت حكومة منفصلة ومستقلة عن السلطة / الجيتو في رام الله .وخلافا للنهج المساوم اعتمدت حركة حماس نهجا مقاوما للاحتلال وخلقت فضاءا واسعا لكل من يرغب في المقاومة ان يعد ويستعد لمواجهة العدو الصهيوني خارج اطر حماس العسكرية والسياسية .فنجد في غزة حركة الجهاد الاسلامية وبقايا الفصائل الفلسطينية واطياف من المقاومين.وعملوا غرفة عمليات مشتركة تحت قيادة محمد الضيف.بعد فشل حروب الكيان المتتالية على غزة في محاولة منه للتغطية على هزيمته النكراء في جنوب لبنان عام ٢٠٠٦   على يد المقاومة اللبنانية.ان فشل حروب الكيان على غزة يعود الجهد الاكبر فيها الى كتائب القسام.وعلى اثر تلك الانتصارات اصبحت حركة حماس جدليا سيدة الموقف في غزة .فهي التي تمنح وهي التي تمنع. وتحولت من حركة مقاومة الى دولة وحرقت مراحل التحول المطلوبة .مكررة بذلك نهج عرفات الذي قادنا الى اوسلو.الفرق بين سلطة رام الله وسلطة حماس في غزة هو ان السلطة في رام الله تمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي يعترف بها العالم اجمع .اما سلطة حماس  فهي تمسك بالسلاح ((كتائب القسام )) واخذت تتحكم بحركة الفصائل الاخرى فهي تقوم فعليا بضبط السلاح في القطاع كما تضبط السلطة السلاح في الضفة.وخاصة سلاح حماس الذي تعتبره السلطة مزايدة من حماس .

صار الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع تحت سلطتين متوازيتين لا تلتقيان مهما امتدا وتحاورتا لا لخلاف سياسي او منهجي لادارة الصراع مع العدو ووحدة الشعب الفلسطيني.لكن جوهر الخلاف مصالح اقتصادية بحتة.فالسلطة في رام الله تريد ان تضع يدها على الغاز والنفط في غزة وبحرها ويقف معها جمهورية مصر العربية ودول عربية اخرىوتنسق بشكل دائم معها.وهذا ما يفسر حصار مصر لقطاع غزة.وتبنيها لكل مواقف السلطة.اما موقف تركيا وقطر من سلطة حماس في غزة حيث تقوم قطر بتمويل حكومة حماس نقدا عبر السفير الحامل للحقائب الدولارية ، ليس لعيون اهل غزة وانما للتحكم بسياسة حماس وابعادها عن التنسيق مع محور المقاومة وتجعل منها ورقة مساومة في الاقليم بالاضافة الى ترسية مشاريع النفط والغاز لصالح الشركات القطرية والتركية.تريد تركيا وقطر ان تجعلا من قطاع غزة (( تايوان العرب)) مرتهنة لسياسات الكيان شريطة ان تتوسع جغرافيا الى الغرب وتقتطع مساحات من سيناء المصرية لتوطين فلسطينيي الشتات في المخيمات.من اجل هذا المشروع قامت تركيا والكيان وقطر وامركا بنقل عشرات الاف الارهابيين من سورية والشمال الافريقي الى سيناء حيث تم تسليحهم باحدث الاسلحة وامدادهم بسيارات الدفع الرباعي الجديدة من الوكالة( العداد صفر)

قام الجيش المصري الذي يشكل الدولة العميقة في مصر وحامي امنها القومي باستخدام وتطبيق المبدأ العسكري  (( القوة الغاشمة)) ضد الارهابيين وقضى على الارهاب وداعميه والمتعاونين معه.ان مشروع المنطقة الحرة في سيناء كان قد تم طرحه من قبل مصر ايام حسني مبارك.

لو نظرنا الى الخارطة الديموغرافية  اتواجد الشعب الفلسطيني بعد ان توحدت افعالها مرحليا في معركة سيف القدس ، نجدها الان مستهدفة في كل اماكن تواجدها بغية تشتيت اهدافها.الفلسطينيون داخل الخط الاخضر يخضعون لارهاب مباشر وغير مباشر ، حيث يمنعون من التمدد العمراني الافقي في اراضيهم وتحت رقابة امنية مشددة وتقوم حكومة الكيان بتغذية النزاعات العشائرية والفئوية بينهم .اما فلسطينيو الضفة فهم بين مطرقة الكيان وسندان السلطة /الجيتو حيث يمارس جيش الكيان الاقتحامات للمدن والقرى والمخيمات .ولديه اوامر بتصفية المطلوبين وليس اعتقالهم .ويقوم قطعان المستوطنين بالنزول من مستعمراتهم الى التجمعات السكانية الفلسطينية والاعتداء عليهم وحرق وتخريب ممتلكاتهم .مدعومين من الوحدات الامنية المتطرفة التي تم تشكيلها لهذا الغرض. فيما الاقصى وساحاته والقدس وابوابها تداس وتدنس باقدام غلاة المستوطنين بشكل شبه يومي ضاربين بعرض الحائط تهديدات الفصائل ومحور المقاومة .لا نجد من امة المليار ونصف المليار مسلم الا عدد قليل من المرابطين والمرابطات في ساحات المسجد الاقصىوقد صمت اذانهم من التهديدات المتكررة ولم تر عيونهم اي خط احمر من الخطوط الحمراء . كما ان الغالبية العظمى من سكان الضفة تلهث وتجري للحصول على لقمة عيشها كما بقية الناس في اي بلد كان .هذا بالاضافة الى عشرات الاف الموظفين لدى السلطة واجهزتها التي تعتمد حياتهم المعيشية اليومية على ما توفره من دخل لهم.اضف الى ذلك العاملين داخل الخط الاخضر والذين يقدر عددهم بمائة وعشرين الفا.

في غزة  نجد الاغلبية من سكانها يعيشون تحت خط الفقر وثلاث مائة خريج جامعي عاطلين عن العمل والبطالة هي السمة السائدة في غزة. اما الخزان البشري الهائل للفلسطينيين في المملكة الاردنية الهاشمية فانه يعيش حالة اندماج وطني مع اخوانه. ويتمتع في الامن الاقتصادي والاجتماعي وشريك للمجتمع بكل همومه واماله وتطلعاته من اجل الاستقرار والرخاء والعيش المشترك وشعاره(( شعب واحد لا شعبين)) ومتعاطف ومناصر لنضال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

وبناءا على ما تقدم من وصف اوضاع واحوال الشعب الفلسطيني كعامل متحرك نسبة الى الجغرافيا السياسية الفلسطينية العامل الثابت والراسخ فان حركة الشعب الفلسطيني منفردا حتى لو كان موحدا تحت قيادة جبهة وطنية ثورية .لا يمكن باي حال من الاحوال ان ينجز التحرير المنشود.اثبتت وقائع التاريخ ان تحرير فلسطين كان يتم على ايدي الجيوش الاقليمية العربية .كانت حرب اوكتوبر المجيدة اخر الحروب التي شنتها الجيوش العربية، وانتهت باتفاقيات سياسية مسحت كل البطولات والانجازات.

في الوقت الحاضر نجد سلطة رام الله وسلطة حماس في غزة تقودهما اوهام الاستقلال المزعوم عن الكيان.وكلاهما في حالة سعار  يوصلهما  الى الاستقلال المستحيل.

يقى محور المقاومة كعامل اقليمي متحرك حول الجغرافيا السياسية الفلسطينية (( العامل الثابت)) .لكن هذا المحور رغم صدقيته واخلاصه تتعرض اطرافه للحصار والتجويع .وبشكل خاص سورية الملاصق الجغرافي والعمق الفلسطيني.اطلقت امركا كل الكلاب الارهابية المسعورة لاسقاط دولتها.وتقوم باحتلال حقول النفط والغاز والقمح والقطن في شرق الفرات وتوظف " قسد" كعميل يخدمها على الارض.لا زالت امركا رغم سقوط مشروعها في سورية توظف اجهزة الاعلام التابعة لهاومنظمات ما يسمى المجتمع المدني كال N.G.O.واخواتها لشيطنة محور المقاومة وكل ما هو تحرري ومقاوم في المنطقة. لان العائق الوحيد امام هيمنة امركا والكيان هو محور المقاومة .ليس من خيار لكل من يريد التحرر والانعتاق والتخلص من الكيان الا ان يقف مع محور المقاومة اخر قلاع الصمود والتحدي.كلنا امل بالصمود وانتصار الحق على الباطل.ان الباطل كان ولا يزال زهوقا.

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري